الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة ي كتاب ( ذكريات في مسيرة الحكم الوطني الملكي في العراق) – إعداد وتحقيق الدكتور نزار باقر الحسني

بهجت عباس

2012 / 2 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ليست هذه المقالة تحليلاً أو مناقشة لما جاء في الكتاب من حوادث تاريخية غيّرت حياة العراقيين بعد التخلّص من سيطرة العثمانيين ،هذه السيطرة التي دامت أربعة قرون، ليتحرّروا من حكمهم وليدخلوا في عهد أخر تحرّري احتلالي ، ولكن باختلاف، هو أن العراقيين في الأول لم يكنْ لهم شأن يُذكر في إدارة بلدهم ولكنهم أخذوا يحكمون بلدهم في الثاني، وإنْ لم يكونوا سواسية ، فالاختلاف الطبقي والديني كان موجوداً ، ولكنهم بالرُغم من ذلك أخذوا يتنفّسون ويبحثون عن مستقبلهم. فالحرية موجودة في العمل والتنقل ولكنّ حريّة التعبير كانت مكبّلة حيث الإساءة إلى المسؤولين أو المحتلين لا تغتفر ومصالحهم وسيادتهم وجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار. أفليس هو منقذهم من ربقة الإمبراطورية العثمانية البغيض! ولكنّ الترسبات الداخلية في النفس والتقاليد الدينيّة والعشائريّة قلبت المفاهيم فكانت اضطرابات وعدم استقرار. المقالة هي استعراض موجز لكتاب يخوض في تاريخ يكتب حوادثه من عاصره وسمع من أبيه ما مرّ به من أمور يوميّة وما قصّ عليه آخرون شاهدوا أموراً بأعينهم وعاشوها، ومعلومات مُستقاة من مصادر يُعتمد عليها تأييداً لما شاهد وسمع. مؤلف هذا الكتاب طبيب متخصّص في الأمراض الصّدرية يكتب سيرة والده الذي كان مساعد مدير التشريفات الملكية منذ نشوء الملكية في العراق عام 1921 حتّى 1945. هذه السّيرة حافلة بحوادث كثيرة هي في الحقيقة جزء من تاريخ العراق الحديث وقد لعبت دوراً كبيراً في مستقبل العراق الذي نراه الآن. يقول المؤلف "وعاهدتُ نفسي التزام الدقّة والأمانة في كتابتها وصياغتها...وقد حرصت على أن بكون هذا الكتاب (تاريخاً) وليس (مذكرات)" هذا التاريخ يعتمد على مشاهدات المؤلف وسماعه من أبيه الذي صاحب فترة تأسيس الحكومة الوطنية. كان صاحب السّيرة السيد باقر الحسني من مشاهير مدينة الكاظمية يعقد مجالس في بيته يحضرها النخبة من الوزراء والأعيان والنواب وشيوخ العشائر ورجال الدين وضباط كبار ساهموا في بناء الدولة وفي تقويضها. كانوا يتحدثون عن أمور السّاعة من سياسة يخوضون في تياراتها وأمور الناس والمصالح العامة والخاصّة. ضمّ الكتاب وثائق هامّة بدأت من تاريخ الأسرة الحسنية وشرافة مكة وكيف لعب الشريف الحسين بن علي دوره ضدّ العثمانيين بالتحالف مع بريطانيا وإرسال ولده فيصل إلى سوريا التي غادرها هذا الأخير إلى العراق بعد تقويض حكمه في دمشق ليكون ملكاً على العراق، وقد صاحبه السيد باقر الحسني منذ البدء في تتويجه . خصّص المؤلف فصلاً عن الكاظمية بنوع من التفصيل ذاكراً تاريخها والـ(كاريات) ذات الحصانين التي أسّسها مدحت باشا سنة 1870 والتي كانت تربط الكاظمية بالكرخ بسكة حديد حتى سنة 1945 . ذكراً كثيراً من معالمها، مدارسها، مستشفياتها، ومراقدها المقدّسة والسياسيين وعوائلها ورجالاتها من مختلف العلوم والفنون والأدب والحرف والحياة التي كانت تسودها وعادات أهلها ممّا تكون معلومات تستهوي الباحثين والمولعين بمعرفة تصرف الناس حسب بيئاتهم وحياتهم الاجتماعية. يذكر المؤلف الاحتلال البريطاني وتأثير رجال الدين على العشائر وعلى الشعب العراقي بصورة عامة في مقاومة الاحتلال ودور مدينة الكاظمية كمركز لتجمّعات الجماهير التي ألهبتها الفتاوى المتعددة ضد الاحتلال وقيام ثورة العشرين التي لعب فيها الشيخ محمد تقي الحائري الشيرازي دوراً كبيراً في إثارة الناس خصوصاً بعد قيام الحاكم المدني ولسن بنفي ابنه الشيخ محمد رضا إلى جزيرة هنغام مع آخرين. هذا النفي كان عاملاً هاماً في اندلاع الثورة، كما يذكر الكتاب الذي يذكر الثورة بحياد تام ومن دون تعليق ، وقد أحسن صنعاً لاختلاف الآراء فيها. يذكر المؤلف تنصيب الملك فيصل الأول على عرش العراق وحكمه الذي استمرّ اثنيْ عشر عاماً (1921-1933) ومرافقة والده السيد باقر له طيلة هذه المدّة التي اتّصفت بالهدوء النسبي لحكمة الملك ودهائه ومعرفته بعادات الشعب العراقيّ والتصرّف نحوهم بحنكة ودراية والموازنة بين مختلف طوائفهم. ويصف الكتاب تصرّفات الملك غازي المتسرّعة والمتهوِّرة التي تنقصها الحكمة واندفاعه نحو ألمانيا النازيّة وعداءه الشديد للإنكليز الذين كان يهاجمهم بواسطة إذاعة قصر الزهور، ممّا كسب شعبية كبيرة بانت حين بكاه الناس بعد مقتله في حادثة السيارة المعروفة التي كثرت فيها الأقاويل . ويصف عبد الإله بالشخص المنتقم الذي لا يعرف المسامحة أبداً الذي كان يحقد على كلّ من يعاديه أو لا يأبه له وكيف فتك بالضباط الأربعة قائدي ثورة مايس 1941 بالاشتراك مع رشيد عالي الكيلاني بالرغم من التماسات سياسية ودينية للعفو عنهم. يذكر الملك الطفل فيصل الثاني بعطف كبير ومقتله وأفراد العائلة الملكية في قصر الرحاب في 14 تموز 1958 والقضاء على العهد الملكي وقيام الجمهورية الفتيّة التي غُدر بها أيضاً فأعقبتها جمهوريات عدّة لم يكسب العراق منها غير الخراب. صاحب السيد باقر الحسني العائلة المالكة حتّى عام 1945 حيث استقال أو أقيل، بتأثير من نوري السعيد، ليكون مدير البريد والبرق العام وليتقاعد بعدئذ حيث وافته المنيّة في 5 آب عام 1958 ، أيْ بعد ثلاثة أسابيع من ثورة 14 تموز عام 1958. الكتاب جميل كتب بأسلوب بسيط سهل القراءة وإن كان فيه أخطاء نحوية ولغوية آمل أن تصحّح في الطبعة الثانية . هو سجلّ تاريخي لفترة من تاريخ العراق كُتب بنزاهة وحياد يُمكن الاعتماد عليه ، فلقد عشت أنا بعض تلك الفترة وخبرت أحداثها فلم أجد المؤلف منحازاً إلى جهة معيَّنة دون أخرى. إنّه موسوعة صغيرة قيّمة زُيِّنت بكثير من الصور التاريخية القديمة والوثائق والمستندات الهامّة .
------------------------------------------------------------
ذكريات في مسيرة الحكم الوطني الملكي في العراق
إعداد وتحقيق الدكتور نزار باقر الحسني
مطبعة دار الأديب –عمان الأردن- الطبعة الأولى 2011










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد| قوات الاحتلال تقصف تجمعا لمواطنين في شارع الجلاء بمدين


.. شاهد| تصاعد أعمدة دخان بعد قصف إسرائيلي على جباليا وسط قطاع




.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يطالبون بوقف الاستثمارات مع


.. الجيش الأميركي يعزز دفاعاته ضد الطائرات المسيرة




.. بايدن و ترمب يتفقان على إجراء مناظرتين رئاسيتين واحدة في 27