الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
السياحة في العراق....ماضي مؤلم ومستقبل واعد
علاء كنه
(ِAlaa Kana)
2012 / 2 / 6
الادارة و الاقتصاد
يفترض أن يكون قطاع السياحة من الأعمدة الرئيسية للأقتصاد العراقي!! فمثلما يعلم الجميع بأن أرض العراق تتوفر فيها من عوامل الجذب السياحي الكثير، بشكل لاتكاد أي دولة في العالم تنافسه في توفر مقومات البلد السياحي، فهو بلد الحضارة والتاريخ العريق، بل بلد أحدى عجائب الدنيا السبع، إذ عاشت فيه أقدم الحضارات الإنسانية ولا تزال هناك الكثير من الآثار التي يعود تاريخها الى ألاف السنين شاخصة ليومنا هذا بالرغم من تربص الحاقدين به. كما وتعتبر المراقد والمزارات الدينية أحد تلك المقومات، فهي عنصر جذب متميز وفريد من نوعه أمام السياح الوافدين، إذ يتبوأ العراق مكانة مرموقة بين الدول العربية والإسلامية، لما يزخر به من مناطق دينية مقدسة حيث يضم بين جنباته رفاة الأئمة الأطهار وأهل البيت عليهم السلام والصحابة والصالحين (رض) والتي تستقطب قلوب ومشاعر الملايين من المسلمين من كل بقاع الدنيا، وتشير الإحصائيات أن عدد زوار ذكرى الأربعينية في مدينة كربلاء المقدسة لهذا العام قد تجاوز أثني عشر مليوناً من بينهم مايقارب الخمسمائة ألف زائر أجنبي وعربي من خارج العراق، وبذلك تصبح زيارة تلك المزارات نداً قوياً مقارنةً بموسم الحج للملكة العربية السعودية التي لايبلغ مجموع حجاجها للحرمين الشريفين سوى المليون ونصف المليون حاج، مُحيين بذلك السياحة الداخلية والدولية للعراق.
إن تلك المراقد والمزارات عبارة عن ثروات معطلة مهملة لم يتم إستغلالها بالشكل الصحيح الذي يساعد على إزدهار ونمو السياحة في العراق، وللأسف يعزى السبب في ذلك الى القصور في قيادة دفة هذا القطاع، وعدم وجود خطط ستراتيجية لهذا الغرض وضعف الوعي الثقافي والسياحي، إضافة الى سيطرة العلاقات الشخصية وتولي المسؤولين غير الكفؤين إدارة هذا القطاع الحيوي المهم بالشكل الذي أدى الى تدهوره بشكل كبير وخاصة في فترة حكم القائد المنصور!! ولاأدري ماذنب هذا القطاع المسكين الذي كان بامكانه أن يجعل العراق في مصاف الدول العظمى من ناحية الإيرادات التي يولدها لو تم إستغلاله بالشكل الصحيح.
أتذكر جيداً عندما عندما أشتدت العقوبات المفروضة على نظام الطاغية المنصور!! وبدأ أزلامه بالبحث عن مصدر للأموال لدعم ذلك النظام، فتمت الموافقة على مضض بعقد الإتفاقية العراقية – الإيرانية للسياحة الدينية، وللفترة بين عامي 1996 ولغاية 1998، والتي كانت أول بادرة للسياحة الدينية وبدء دخول الزوار الإيرانيين المتعطشين لزيارة مراقد الأئمة في النجف وكربلاء مروراً بالعاصمة بغداد وأيواءهم في فنادقها ذات الدرجة الممتازة والأولى، بالتزامن مع النقص الكبير في عدد الفنادق في محافظتي النجف وكربلاء وبقية الخدمات الأخرى التي يحتاجها الزائر الإيراني، وكان العراب الأكبر لتلك الإتفاقية هي شركة الهدى للسياحة الدينية والتي كانت تابعة لجهاز المخابرات، وكان دورها المشؤوم هو السيطرة على برنامج تلك الزيارات وإيراداتها والتلاعب والتحايل على إدارات الفنادق التي كانت تأوي أولئك الزوار وبالتعاون مع بعض المدراء المفوضين لها، والذين أصلاً كانوا يعانون من عدم الكفاءة الإدارية والتخصص وأغلبهم كانوا من المحسوبين على ذلك النظام.
تلك الفنادق الجميلة والتي كانت مَعلم من معالم بغداد العاصمة، وزينة للناظر وأحد أوجه التطور العمراني للعراق، والتي لم يكن يتجاوز عددها أصابع اليد، حيث كان العراق سباقاً في بناءها من بين الدول المجاورة ودول المنطقة لغرض دعم الحركة السياحية في البلد، والتي كلفت خزينة الدولة في وقتها الملايين من الدولارات وبإدارات تتبع وتطبق معايير السلاسل الفندقية العالمية، وبكوادر مهنية متميزة تسرب أغلبها للأسف خارج هذه الصناعة.
أذكر في حينها كيف تهافت المدراء المفوضين لتلك الفنادق في بغداد تحديداً الى توقيع العقود مع تلك الشركة، لاهثين وراء تضخيم الإيرادات دون الإهتمام بالتكاليف وبمعايير تلك الصناعة ونوعية الخدمة المقدمة، نتج عنها حدوث الكثير من التجاوزات والإشكالات والتي كانت سبباً في تدمير البنية التحتية لتلك الفنادق والتي كانت تحت إدارة القطاع المختلط. وبالطبع لم يكن هناك أي دور لهيئة السياحة في هذه الإتفاقية بالرغم من كونها الجهة القطاعية المسؤولة عليه.
أحد أهم تلك المفارقات التي صاحبت تلك الإتفاقية والتجني على تلك الفنادق هو قيام العديد من إداراتها في وقتها بإخلاء نزلائها وضيوفها الدائميين لغرض إيواء الزوار، وغلق أغلب مرافقها الخدمية كالمسابح والنوادي الصحية وغيرها من المنافذ الأخرى، وقيام بعض إدارات الفنادق الأخرى بتكسير الحمامات ذات الطراز الغربي الموجودة في غرف الفندق ونصب بدلاً عنها حمامات شرقية تلبية لحاجات هذا النوع من الزوار، والتي لاتتناسب مع أبسط المعايير المهنية والفندقية العالمية، بل قيام بعضها الأخر بنصب حمامات شرقية إضافية في طوابق الفندق وفي بعض مرافقه الأخرى كالمسبح والنادي الصحي....إلخ، وبالطبع الجميع يعرف مساؤى هذا النوع من التصاميم في هذا النوع من الفنادق، ولاأريد هنا الخوض كثيراً في هذا الموضوع فربما قد يفتي أحد مشايخ الفضائيات بمزايا وفوائد هذا النوع من الحمامات!!
كان يفترض أن يتم إيواء ذلك النوع من الزوار في فنادق أخرى ذات درجة تصنيف أقل يتلائم وحاجاتهم... وبدلاً من أن ترفض هيئة السياحة تلك الأفعال، ظلت صامتة كالشيطان الأخرس وجَنت على تلك الفنادق في وقتها خشيةً من بطش القيادة، لأن الإتفاقية كانت ذات مغزى سياسي قبل أن تكون ذات مردود سياحي.
واليوم يتم معاقبة ذات الفنادق نفسها مرة أخرى، وذُهلت أكثر وكادت عروقي أن تنفجر عندما سمعت ببعض مواطني بلدي وأبناء جلدتي يفجرون ويدمرون معالمهم الحضارية والمدنية بحجة الدفاع عن البلد، حيث يقصفونها بالهاونات بحجة (المقاومة وطرد المحتل) تارةً، وتسييجها بالجدران الكونكريتية أو الأسلاك الشائكة لتبدو (غوانتامو العراق) تارةً أخرى، وللأسف أضحى دخول العراقيين اليها من ضرب المستحيلات. إن ماقامت به حكومة طالبان من تدمير لتمثال (بوذا) في إفغانستان لايقل بأي حال من الأحوال مايقوم به هؤلاء الرعاع والغوغائيين من تدمير وطمس متعمد لمعالم بغداد اليوم...وربما لم يتبقى لنا أي وسيلة للمحافظة على ذلك العمران المتبقي من همجية أولئك الغوغائين، ولكن ماذا تقولون لقوى الشر والأرهاب التي أرادت أن تنتقم من العراق والعراقيين بمحاولتها تفجير قمة مأذنة الملوية الشامخة شموخ العراقيين على مر التاريخ والمحمية من قبل منظمة اليونسكو العالمية. أسفي عندما يهيمن التخلف والجهل والحقد على الإيمان والمحبة. لك الله ياعراق.. ياموطني المبتلى...
مع بصيص أمل جديد لمستقبل واعد لعراق جديد لابد لحكومة العراق والعراقيين اليوم أن يسهموا في التغلب على الإختلافات العرقية ودعم التسامح والمحبة والوحدة فيما بين الثقافات المتنوعة بإعتبارها ركناً أساسياً من أركان نجاح قطاع السياحة، وأن تتكاتف الجهود والسواعد في إعادة بناء هذا القطاع الحيوي المهم والنهوض به على أسس ثابتة وصحيحة من خلال إعداد خطط ستراتيجية طويلة الأمد وعقد المؤتمرات والورش الفنية، ورفد هذا القطاع بالخبرات الإدارية والمهنية الكفؤة وذات التخصص الفندقي والسياحي إضافة الى منح التسهيلات وتشجيع الإستثمار فيه. إن خير مثال نقتدي به هي الطفرة السياحية لدول الخليج العربي التي إستطاعت وبحكمة أن تنفق الملايين من الدولارات سنوياً في مشاريع سياحية وفندقية، مشاريع تحولت الى حقيقة، وإستطاعت أن تخلق شيء من لاشيء، بفضل إرتفاع سعر برميل النفط الذي تخطى ألـ (120) دولاراً للبرميل الواحد. علينا أن نخطو مثل تلك الخطوات وبقوة فالعراق اليوم لديه كل الإمكانيات والموارد المطلوبة لرفع الحيف عن هذا القطاع المهم.
*ملاحظة:لمزيد من التفاصيل بخصوص تلك الإتفافية وأثارها السلبية على القطاع السياحي والفندقي الإطلاع على البحث المنشور بهذا الصدد بالرابط التالي:
http://www.ijbssnet.com/journals/Vol_2_No_24_Special_Issue_December_2011/2.pdf
د.علاء كنه
سان دياكو/ كاليفورنيا
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الحكومة تستهدف وضع حد أقصى على هامش الربح في السلع الأساسية
.. إيه اللى بيحصل فى سوق الذهب؟.. توقعات أسعار المعدن الأصفر فى
.. ريادة | شركة ناشئة سعودية تطبق العمل 4 أيام في الأسبوع..فهل
.. المستشار | تعليق صادرات الأسلحة البريطانية لإسرائيل.. قرار م
.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الاثنين 16-9-2024 بالصاغة