الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مفهوم الأسطورة والتاريخ والخرافة

رضا الشوك

2012 / 2 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حول مفهوم الأسطورة والتاريخ والخرافة
رضا الشوك
هناك حقيقة التاريخ ، وهناك حقيقة الأسطورة وكذلك الخرافة ، جميعها تقوم بتصوير الواقع وإن أختلفت طبيعة هذا التصور . فالتاريخ يعتمد الدقة في تحري الحقائق ويربط بينها إعتمادا على المنطق والأدلة . أما الأسطورة فإنها تطلق العنان للخيال بعد أن تأخذ مادة التاريخ وتنسج منها أقاصيص دون المساس بجوهرها . إن حقائق التاريخ واقعية ، أما الأسطورة فهي تصور الواقع بالألغاز والرموز ، والتاريخ هو من عمل العلماء والمختصين بهذا العلم ، بينما الأسطورة هي من مخيلة الشعوب . وبناء على ذلك فإن الأسطورة تخدم الغرض نفسه الذي يخدمه التاريخ .
الأسطورة كما قلنا هي معالجة شعرية خيالية لمادة التاريخ ، أما الخرافة فالمادة فيها ليست تاريخية بقدر ما هي فلسفية تأملية ، بينما تحاول الأسطورة تصوير واقع المجتمعات البشرية على ضوء ماضيها وهذا ما يفعله التاريخ ، بينما تختص الخرافة بمعالجة المسائل الأساسية التي لا يتعرض لها التاريخ ومنها مسألة الكون والخليقة وبدايات المجتمع والنظم والمؤسسات الأجتماعية والطقوس والعبادات والأعراف والتصرفات البشرية وما الى ذلك ، مما يجعل مضمونها أقرب الى مضمون علم الأنثروبولوجيا منه الى مضمون علم التاريخ . وفي الأسطورة تنقلب الأقوام والأمم والقبائل الى شخصيات تحمل أسماؤها وتعكس طبائعها الى رجال ونساء ، الى آلهة ذكور وأناث . أما التاريخ فهو يتحدث عن تحالفات سياسية وأحلاف قبلية أو عن هجرات جماعية ونزاعات وحروب بين الشعوب والأمم في حين تتحول التحالفات في الأسطورة الى صداقات بين أبطالها وتصبح فيها الأحلاف القبلية أعراسا ، والهجرات الجماعية رحلات في المجاهل ، والنزاعات السياسية مخاصمات أو طلاقاً ، والحروب مبارزات ، والأسباب السياسية أو الأقتصادية لهذه النزاعات والحروب قضايا عرض أو شرف أو كرامة .
من هنا يتبين أن الأسطورة تخدم الغرض نفسه الذي يخدمه التاريخ . فهي تمثل محاولة لتصوير الواقع عن طريق ربط الحاضر بماضيه وهي بذلك تختلف إختلافا أساسيا عن القصة العادية التي يختلقها القاصي بما فيها من شخصيات وأحداث ، بقصد التسلية . والأسطورة على عكس القصة لا تختلف أسماء أبطالها بل تأخذها كما هي من مادتها التاريخية وإن كانت هذه الأسماء في الأصل ليست لأفراد من البشر أو من الآلهة ، بل لأرض أو مجتمعات وربما لحضارات أو مؤسسات من هذا النوع أو ذاك . والأهم من ذلك بالنسبة الى البحث هو أن الأسطورة على عكس القصة لا تختلف جغرافيتها ولو فعلت ذلك لزالت عنها صفة الأسطورة فتحولت الى قصة عادية . والأسطورة لا يمكنها أن تخدم غرضها ، وهو الغرض نفسه الذي يخدمه التاريخ إلا إذا كانت جغرافيتها صحيحة كما في التاريخ ، ومن هنا يمكننا أن ننطلق في البحث عن الحقائق التاريخية الكامنة في الأساطير . ومثال على ذلك "سفر التكوين" وهو مجموعة من الأساطير طرأ عليها تغيير قليل أو كثير على مر الزمن عن طريق الرواية الشفوية من جيل الى جيل ، وذلك إما بإدخال تفاصيل إضافية عليها من قبل القصاصين والرواة ، أو بتغيير بعض من معالمها عن قصد أو عن غير قصد ، و لابد من أن هذه الأساطير أختلفت مع الوقت عند بعض الرواة ، فدمجوا عناصر من بعضها بعناصر من البعض الآخر ، وعَرفوا أبطالا من أساطير مختلفة بعضهم ببعض مطلقين عليهم الأسماء ذاتها ، إما بسبب التشابه بين الأسماء في الأصل أو لسباب أخرى ، ولا شك في أن هناك تغيّر طرأ على هذه الأساطير عندما جمعت من مصادرها المختلفة آخر الأمر ثم دوّنت وأُضيف إليها ما أُضيف من قبل الجامعين والمحققين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صنّاع الشهرة - تعرف إلى أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة والمج


.. ماذا وراء المطالب بإلغاء نحر الأضاحي في المغرب؟




.. ما سرّ التحركات الأمريكية المكثفة في ليبيا؟ • فرانس 24


.. تونس: ما الذي تـُـعدّ له جبهة الخلاص المعارضة للرئاسيات؟




.. إيطاليا: لماذا تـُـلاحقُ حكومة ميلوني قضائيا بسبب تونس؟