الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول الشّيُوعِيّة والدِّين

السموأل راجي

2012 / 2 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أصدَرت "الأرضِيّة الشّيُوعِيّة بإيطالِيا" نَصًّا نُشِر بــلِسانها المركزِيّ وكذلك باللِّسان المركزِيّ للنّدوة الأُمَمِيّة للأحزاب والمُنظّمات الماركسِيّة اللِّينِينِيّة "وِحدة وصِراع" في مايَلِي الجُزء الأوّل مِنه،وقد جاء بعد إصدار البابا بندكتُوس السّادِس عشر منشوره الإجتماعِيّ أثناء عقد قِمّة الثّامنِية الكِبار في إيطاليا.



مقدمة
خلال عقد "G8" قمة في ايطاليا في تموز 2009، أصدر البابا راتزينغر (Ratzinger) "منشُورًا إجتِماعِيًّا" جديدًا بعنوان محبّة الحقِيقة (Caritas in veritate) .
كانت محاولة واضحة من الكنيسة الكاثوليكية لِسدِّ ثغراتٍ وُلِدت في خِضمِّ الأزمة الإقتصاديّة الرأسماليّة. جاء الإصدار الكَنَسِيّ في سِياق إسناد الإلتِفاف على واقع عدم القبُول النِّهائِيّ بعقيدة "تحقيق أقصى الرِّبح السَّرِيع" و الحيْف المُشِطّ في "توزِيع الثّروات" وفي سِياق تحذِير البُورجوازِيّة من "خطر" هَبَّاتٍ عُمّالِيّة وإنتِفاضاتٍ شعبِيّة تعصِفُ بعُرُوشِها ليقترح "المنشُور الإجتِماعِيّ" إتِّباعَ تدابِير كينزِيّة بِــما يُفهَمُ مِنهُ إنتِصَار الكنِيسة بمُختلف بُنَها الهرمِيّة لنمط الإستغلال والحيْف المُسلَّط على الرِّقاب .
يعملُ الإكليرُوس من أجلِ الحِفاظ على سُلطة بورجوازِيّة مُعدَّلَة في مشهدٍ يُحِيل للتّشبِيه الغرامشِيّ "عُكّازٍ يدعمُ مُقْعَد" بِغَرِض الحُصُول على إعتِرافٍ بالجَمِيل وتحقِيقِ إمتِيازاتٍ سياسِيّة وإقتِصادِيّة .

مما لا شك فيه، تتحالَفُ المخالِب الفاتِيكانِيّة المالِيّة العِلمانِيّة (الفاتيكان البنك، اوبوس داي، المجالس الأسقفية، والأحزاب الكاثوليكية والنقابات ووسائل الإعلام والمدارس الخاصة و المستشفيات والمؤسسات والمجتمع الرسولية، والجمعيات، وغيرها) مع كُلّ شياطِين الأرْض ضد الحركة الشُّيُوعيّة والعُـمّاليّة لِــتتشكَّل مُنظّمَة رِجعيّة قوِيّة مسنُودة بطبقاتٍ شعبِيّة مُغرَّرٍ بِـها مُتنفِّذةٍ على حوالي 17٪ من سُكّان العالم، وخصوصا في أميركا اللاّتينيّة، أوروبّا، والفلبّين.
هذِه القُوّة العالمِيّة ، وإن كانت مُفكَّـكة ومُتِّخذَة لمواقِع دِفاعِيّة بإعتِبار الهزّات التي شهدتها إثر مُسلسل فضائِح وإنقِسامات داخِلِيّة وإنشِقاقات كُبرى جعلت مِنْها مُنْبـتّةً نِسبِيًّا ، لا تزال تُطوِّر وظِيفتها عبْر جِهازها الإيديُولوجِيّ-الدِّعائِيّ وتنظِيمِها الدُّولِيّ [المُقَدَّس] المُراكِمِ لخِبرة ألفِيّة ، من أجل:
أ) تبرير ودعمِ نظامٍ يقُوم على الملكيّة الخاصّة لوسائل الإنتاج،
ب) إضعاف وتقسيم أيّة مُقاومة شعبِيّة ضد هُجوم رأس المال؛
ومِن هُنا جاءت حاجة الطُّغْمَة المالِيّة لِـخدماتِها.
العلاقات بين الجِهاز الهرمِيّ للفاتِيكان والبُورجوازِيّة الإمبريالِيّة شهِدت عِدّة تغيُّرات وحتّى تصدُّعات بعد إنهِيار التّحرِيفِيّة "السُّوفِياتِيّة" الحدث الذي لعِب فِيه فويتيالا -Wojtyla- (يوحنا بولس الثّانِيّ) دوْرًا هامًّا ؛ لكنّ سُرعان ما تمّ إستيعاب النِّزاع النّاشِئ خاصّة خلال وإثر العُدوان الأوَّل على الشّعب العِراقِيّ وبالخُصُوص بُعيد الحادِي عشر من أيلُول/سبتمبر وإعلان الجناح الأُصُولِيّ لمافِيا البيت الأبيض : "صِرَاع الحَضَارَات" .

تُعْطِي اليوم إنْتِكاسة الهيمَنَة الأمريكِيّة وأزمة الرّأسمال العَمِيقة زخمًا جديدًا للفاتـيكان إنْطِلاقًا من موجة "التَّنْصِير/التّبشِير الجدِيد للعالَم" المُرتَكِزة على مواقِف مُتصلِّبَة حول "قَضَايَا أخْلاَقِيَّة هامَّة" (الأُسرة، الإجهاض، الجِـنس، لاأخلاقيّة عُلُوم الأحياء والإستنساخ،..) ، وبِهَدَف التغلُّب على العقبات التي تواجهها لا محالة ، يسعَى راتزينغر (بنديكتوس السادس عشر) لإقامَة جُسُور تواصُل وتقارب مع حُكّام رجعِيِّين لأقطار إسلامِيّة وفي هذا الإطار تتنزّلُ سلسلة مُنتديات الحِوار الإسلامِيّ الكاثُوليكِيّ ومُؤتمر القاهِرة لحوار الأديان .
يـسْتَنِدُ النُّفُوذ الكنَسِيّ على الجَمَاهِير إلى عوامل ومُؤثِّراتٍ إيديُولُوجِـيّة تُحِيلُ إلى قاعدة أساسِيّة : "الإيمان يفُوق العَقْل" .

مِن هذا المُنطلِق ، يَـتِمُّ توخِّي منهج نـقد الدِّين والعقِيدة بـتقدِيمٍ ملمُوسٍ لِهذه الظّواهِر والرُّؤى لا سِيَّما عبر تحْلِيلٍ السِّمات الخُصُوصِيّة للمسِيحِيّة المُعْلَنَة كــدرْبٍ للتّسامُح والإِخاء والأداة الوحيدة لخلاص الإنسان والإنسانِيّة ، يقُول راتزينغر : "من دُون الإلاه،لا يعرفُ الكائِن إلى أين يسِير ولا حتّى من هُو، وفِي مُقابِل المشاكِل الضّخمَة المُعْتَرِضة لتطوُّر الشُّعُوب والمُؤدِّيَة بالبشرِيّة للقُنُوط ، نجِد الرّاحة في كَلِمات الربّ يسُوع إذ يقُول : بِــدُونِي،لا قُدرة لكُم في فِعل شيء" .
ومنه يتمّ الإستخلاص لتناوُل المنشُور الكنَسِيّ بالتّحليل مُضافًا لهُ طرح موضُوعة النِّضال السِّياسِيّ من أجل حلّ "مشكلة الفاتيكان"، التي لا تنحلُّ نِهائِيًّا إلاّ مع الشُّيُوعيّة. في الأثناء،تمنح نِضالات البروليتارِيا كنِيسةً هيمنت عليها وإخترقتها "قُبلة الموت" بتوجِيه صِراعها ضِدّ القُوى المُستغِلّة لتُقاوِم الأسباب الجغرافِيّة والتّاريخِيّة لــتِلك السُّلطة .

الدين بإعتِبَارِه من أشكال الإستيلاب الرُّوحي

الإستيلاَب هو العُنصُر المُرافِق والشّرط الأساسِيّ لأيّ دِيانة تتشكَّل وتنمُو بإعتِبَار تحدِيد مفهُوم الإنسَان مِن خِلال عقِيدَتِه ومدى إيمَانِهِ ، في الواقع، لإعطاء مبرر أخلاقي لنفسه كــكَائِنٍ بشرِيٍّ ، يجب على الإنسَان البحث عن مشرُوعِيَّةٍ أخلاقِيّة معنوِيّة ذات قيمة عالِيَة تتّخِذُ بُعْدًا إطلاقِيًّا (الله) لِيَمنحَهَا بِدوْرِهِ مُسوِّغات التّواجُد والهيْمَنَة ومِنْ ثَمَّةَ يُعِيد تشْكِيلَ مَلاَمِح جديدة للعلاقة مع هذا الكائِن الماورَائِيّ "الخالِق" .

وفقا للِعَقِيدة/الدِّيـن ، العَلاقة إلـــه- إنسان مُسْتَلَب هِي أسَاس المُجْتَمَع والعَلاَقَات بين البــشَر ، وبالتَّالـي فكُلّ الحُقُوق والواجِبَات الإجْتِماعِيّة مُستمَدَّةٌ من تِلْك العلاقة ، ومِن هُنا يُمْكِن إستِخْلاَص ما يَــلِي :
-1- الله هو مفهُومٌ / أقنوم يتقدَّمُ كحقيقة مطلقة بِــمعْنَى أنّ مُجرَّد البحث في مسألة وُجُودِه على المُستوَى النّظرِيّ غير جائز أو "مُحرَّمٌ"

-2- الظّاهِرة الدينِيّة قائِمة على الإستيلاَب ، تصوُّرٌ سلْبِيّ للإنسانِيّة فلا الإنسان ولا البشرِيّة صاحِبة القِيمة القُصوَى تُصبِح ذات سِيادة أو يتحدّدُ وُجُودها إلاّ مِن خِلاَل الرّابِطة مع الكائِن المُطلَق لتحصُل على مشرُوعِيّتها ، الكائِن المُتديِّن كــمُسْتَلَبٍ يعيشُ التّجرِيد وحالة خُرُوجٍ عن التّارِيخ وما قبْل المُجْتَمَع .
بَـيَّـن ماركس بِوُضُوحٍ في كُرّاسِهِ "المسأَلَة اليهُودِيّة" أنّ : "ليس الإنسان هو المهم في ما يسمى بالدولة المسيحية وإنما الاغتراب. والإنسان الوحيد المهم وهو الملك، يختلف عن الناس الآخرين، وهو في ذلك كائن متدين يرتبط بالسماء وبالله مباشرة. إن العلاقات التي تسود هنا لا تزال علاقات قائمة على الإيمان، فالروح الديني لم يصبح بعد دنيويا حقا. » ، في نفس الكُرّاسِ ، لِـيُؤكِّدُ بعد الإسْتِشْهاد بتصوِير رُوسُّو لِتجرِيد الإنسان السِّياسِيّ أنّ " إن كل تحرر هو إعادة العالم البشري والعلاقات إلى الإنسان ذاته" .
وفقا للطّرح الإنسانِيّ الإيجابِيّ الماركسِيّ ، يرتقِي الكائِن البَشَرِيّ لمرتبة الإنسان من خِلال قُوتِهِ وعمَلِه ، والبُعد السّوسيُوتارِيخِيّ ليس لا نِتاجًا لتطوُّرٍ طبِيعِيٍّ ولا يستمِدُّ أُسُسَهُ مِن العلاقة العمُودِيّة الإلـــه-الإنسان ، ولكِنّهُ مُترَتِّبٌ عن العَمــلِ كــفِعلٍ للتمدُّن (الإجتماع) لأنّ الإنسان في خَلْقِه علاقةً بالطّبِيعة يُؤسِّسُ للفَصْل والتّبايُنِ : الرابط بين البَشَر ليس فقط بيُولُوجيّة، ولكنّهَا سوسِيُوتارِيخِيّة وتتنزّلُ الأولَى (بيولوجِيّة) في الثّانِــية وليسَ بمعزلٍ عنها .
على نحو متّسقٍ ، كَتَب ماركس في أُطروحاته حول فيورباخ : "" الشعور الديني " هو نفسه نتاج اجتماعي وأن الفرد المجرد الذي يحلله يرجع في الحقيقة إلى شكل اجتماعي معين" ووفقًا لــهُ ، لا وُجُودَ لأيّ طابع ميتافيزيقِيّ أو ما وراء تارِيخِيّ للإنسان المُتـحدِّد مِن خِلالِ ما يفعله بـنفسِهِ في التَّارِيخ ، ومن هُنا يبْنِي ذاته كـكَائِنٍ وكقيمةٍ كونِيّة عبر خلق المُجتمَع : الإنسان والمُجتمع هُما قُطبَيْ القرار في النّشاط البَشَرِيّ .
وِفْقًا للمنظُور الدّينِيّ العَـقَدِيّ ، كُلّ المفاهيم الأخلاقيّة ترتبِطُ بطبيعتِهِ الإستيلابِيّة ، فَـعَـلَى سبِـيل المِثال ، يتحوّلُ مفهُوم المُساواة في المسيحِيّة إلى المُساواة المسيحِيّة المُسْتلِبَة/المُغتربة ، أمّا مفهُوم السُّلطة السِّياسِيّة (الإستيلاب/الإغتِراب السِّيَاسِيّ) فــهُو مُشرَّعٌ ومنصُوصٌ عليه من قِـبَل يسُوع في الإنجِيل ومن قِـبَلِ بُولس في رِسالتِه للرُّومان (مفهُوم تيوقراطِيّ للـسِّـيَادة) حيثُ وظّـف بُولس الإلـــــــه لِتشرِيع فِكرة ومُعطَى المُجتمع الطّـبَقِيّ .

-3- كُلّ دِيانة تدّعِي الصِّبْغَة الكوْنِيّة لِـفرضِ نفسِها كحقيقةٍ تارِيخِيّة مُنْفرِدة ونِهائِيّة ، وهُو ما سَعَت إليه المسيحِيّة بطرِيقَتَيْن : تداخُلٌ بين الإستيلاب الدِّينِيّ والإغتِراب السِّياسِيّ في التّارِيخ القدِيم (عبر الإمبراطوريّة الرُّومانيّة)، وخلال القرن العِشرين (النّازيّة /الفاشيّة ) ، أو عبر تحوُّل المسِيحِيّة ذاتِها لمركز إستيلابٍ وإغتِرابٍ سِياسِيٍّ عبر إنشاء سُلطة دُنيوِيّة زَمَنِيّة للبابا في القُرُون الوُسطى أساسًا فترة ما أصبح يُعرف بالنّهضة المُتناقَلَة بالإيطالية بـإسم "ريزورجيمنتو" (Risorgimento) وكُرِّسَت بقُوّة الحديد والنّار عبر حُرُوب الإضطِهاد والحِرمان الكَنَسِيّ والتّصْفِيَات الجَسَدِيّة الوحشِيّة لكُلّ الهَرَاطِقَة وبِــــهذا يُبرَّرُ عقائِدِيًّا إستخدام العُنف الأرعَن لتحقِيق الكونِيّة التّارِيخِيّة للمسيحِيّة .

-4- الدّين، كـحالة إغتِراب ، لا يُمكِن أن يقُود أو يدفع عملِيّةً تارِيخِيّةً للتحرُّر من جميع أركان الإستيلاب (إقتِصادِيّة وإجتِماعِيّة وسِياسِيّة وفِكْرِيّة/رُوحِيّة) بل يُكرِّسُها ويُشرِّعُها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري