الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المكنسة : الديمقراطية وحقوق البدون في الكويت

كريم الهزاع

2012 / 2 / 8
المجتمع المدني


هناك إشكالية كبيرة في مفهوم المجتمع المدني، وتناول الفكرة ذاتها يحتاج لشرح طويل على الأقل على مستوى مسردها التاريخي من فلاسفة عصر التنوير ومروراً بماركس وتوكفيل ووصولاً إلى ميشال فوكو، وهنا لنا أن نضع الفكرة في سياق العلاقات المتغيّرة، تاريخياً بين الدولة والاقتصاد والمجتمع لكي نفهم نواحي الغموض والتناقضات بين ما يعلن عنه في وسائل الأعلام والخطابات الرسمية وما ينجز على أرض الواقع، إذ إن الديمقراطية وحدها لا تكفي حتى وإن كانت في ظل وجود دستور ينظم هذه الديمقراطية.
وبالنسبة للكويت نحن لم نعد في عام 1961م، والعالم لم يعد هو العالم، كما أن شخصية المكان وحركة التاريخ لها دور في المطالبة بملاحقة هذه التغيّرات في ظل العولمة وتجديد الخطاب السياسي والاجتماعي والاقتصادي كما أشرت قبل قليل، وكذلك حركة الربيع العربي، لقد ارتفع سقف الوعي وارتفع معه سقف المطالبات إذ لم يعد مفهوم الحرية هو ذاته ولا تركيبة الإنسان نفسه بالمعنى الأنطولوجي، ومن هنا أقول فيما يخص جمعيات النفع ودورها في تطوير الديمقراطية «الضرب في الميت حرام».
لذا البديل عن هذا الموات هو المطالبة بوجود حرية الأحزاب، أما النكش في قانون جمعيات النفع والبحث عن جمرة مشتعلة فلن يجدي، ولا مانع من خطوة استباقية بأن تكون الكويت دائرة واحدة بانتخابات نزيهة تحت رقابة محلية ودولية مستقلة، ولا يكفي ذلك إذ إن مسؤولية تطوير المجتمع المدني تقع على الدولة ودورها في التعليم وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني، وتقع أيضاً على عاتق النخبة من المثقفين من كل فئات المجتمع وعلى الساسة وأعضاء البرلمان والشعب، فالبعض من الشعب الكويتي مع الأسف الشديد لغاية هذه اللحظة لم يعرف بعد مفهوم الحرية ولا حقوق الإنسان، ومازال فئويا في مطالبه وتلك طامة كبرى! ولدينا مجساتنا التي شخصنا بها تلك الحالة من خلال الشارع والصحافة والفيس بوك والتويتر، ويتفق معي في الطرح ذاته أساتذة جامعيون ومثقفون.
والعلة تكمن في الخطر القادم وهي حب المصلحة الخاصة وتفضيلها على الصالح العام، تماماً كما قال مارتن نيمولر: عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أحتج لأني لست شيوعيا، وعندما اعتقلوا الاشتراكيين لم أحتج لأني لست اشتراكيا، وعندما اعتقلوا اليهود لم أحتج لأني لست يهوديا، وعندما جاءوا لاعتقالي لم يكن هناك أحد ليحتج، والعنق الأعزل لا يستطيع الانتصار على سكاكين الجلادين، كما قال محمد الماغوط .
لكن هناك من فعل عكس مارتن نيمولر في الكويت، فيما يخص حالة الربيع العربي والمشهد السياسي الكويتي من خلال قضايا الفساد والرشوة أو قضية «الكويتيين البدون» أو غيرها من القضايا، وهناك مثقفون وإنسانيون في بلدي ممن لم يكن في قلوبهم مرض وقفوا مع الإنسان في كل مكان ولم يقفوا مع المسطرة، متمثلين قول مارتن لوثر: الظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان، أو قول جيفارا: أينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
وبالرغم من كل ذلك تظل هناك ندبة في الروح وهي حالة «الكويتيين البدون»، وإذا لم تحل قضيتهم ستغدو وصمة عار في وجه الشارع الكويتي والديمقراطية والبرلمانيين والمثقفيين ورجال الدين، وسيُنظر للكويتيين الذين تظاهروا من أجل قضايا أخرى ولم يقفوا مع البدون بأنهم عنصريون ومدعون وكانوا يحتجون من أجل مصالحهم الخاصة بدلاً من الصالح العام أو المبادئ.
قضية البدون هي الترمومتر الحقيقي للديمقراطية في الكويت وحقوق الإنسان، لأن «البدون» مغلوب على أمرهم ولا بواكي لهم أو عليهم أو من أجلهم، فئة لا صوت لها، فكونوا الصوت والضمير للإنسانية، وكتابة المقالات واصدار البيانات وحدها لا تكفي، يجب البحث عن حل لهذه الإشكالية وغيرها من إشكاليات المجتمع المدني في الكويت حيث أن هناك مفاهيم وعقدا لم تتم معالجتها بشكل عقلاني، مثل الغرور كعقدة نفسية، والدين كمفهوم، والدولة كحاضنة للجميع بمن فيهم الأقليات والفرد، ومفاهيم الحداثة والفضيلة والضمير المتحرر والسلطة والسيادة والقانون والأخلاق والاقتصاد، وفيما يخص الكويت والدول التي تمارس الديمقراطية كنظام حكم نقول في الوقت الحالي هي بحاجة إلى تشريع قوانين جديدة وقراءة عميقة في الدساتير من أجل الديمقراطية ومن أجل حقوق الإنسان والفرد حيث إن حقوق الإنسان هي أس هذه الديمقراطية وإلا سنعتبر هذه الديمقراطية هشة.
ونستطيع أن ننوه بأن وجود حرية الأحزاب هي رافعة مهمة للديمقراطية حيث إن سلم القيم تبدل عن مما كان عليه سابقاً، والفرد ومتطلباته تختلف الآن عما هي عليه قبل نصف قرن، وبالذات إذا وضعنا في الاعتبار مفاهيم العولمة والحداثة وما بعد الحداثة والثورة التكنولوجية والعالم باعتباره قرية كونية ذات أثير واحد، وعلينا ألا نترك هذه الخطوات بعيدة عن الرقابة من قبل مؤسسات المجتمع المدني، وحينما يتحقق ذلك علينا أن نرسخه في وعي الشارع عبر التعليم المتمدن ووسائل الإعلام مع متابعة السؤال السيسيولوجي والفلسفي الذي يطرحه الآخر ومتابعة نتائجه وترسيخ مفهوم العلمانية التي تحترم الجميع. نحن بحاجة إلى مكنسة عملاقة لكي نستطيع أن ننظف بيتنا من كل هذا الغبار المتراكم، إلى ثورة اجتماعية نتعلم منها درس التعددية وثقافة الاعتذار والتسامح والغفران والمحبة.
وفي نهاية الأمر لي أن أقول، لن نحترق من أجل آرائنا لأننا غير متأكدين منها، لكن يمكننا الاحتراق من أجل حق امتلاك وتعديل آرائنا، على حد قول فريدريش نيتشه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الدقهلية يشاركون في قافلة لإغاثة أهالي فلسطين


.. يوم حرية الصحافة العالمي: قتل في غزة، قيود في إيران وسجن في




.. طلاب جامعة مكسيكية يتظاهرون تضامنا مع فلسطين


.. طلاب في كندا يتظاهرون تضامنا مع غزة




.. اجتياح رفح قد يكون مذبحة وضربة هائلة لعملية الإغاثة في قطاع