الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقل الإسلامي المعاصر: إلى أين؟

مجدي عزالدين حسن

2012 / 2 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كان هناك خلل على مستوى طرائق التفكير ومنهجيات البحث والأدوات المعرفية التي يستخدمها العقل الإسلامي في معاينة موضوعاته، فإن هذا الخلل سوف يظهر لا محالة على مستوى النتيجة نفسها وهي المحصلة النهائية للموضوع. والموضوع هنا هو الطابع الإشكالي للنهضة الذي يحول دون انخراط العالم العربي الإسلامي في عصر التنوير والحداثة وتمثله الفكري والعملي لقضايا الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والنهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ.
والفرضية الأساسية التي ننطلق منها هنا تتمثل في التالي: لكي ينجز العالم العربي الإسلامي نهضته وينهض من سباته الطويل، لا بد من مراجعة شاملة وكاملة للطريقة التي يُفكر بها العقل الإسلامي المعاصر، وطرح التساؤلات الجدية بصدد طرائق اشتغاله وآليات عمله: فهل تختلف الطريقة التي يُفكر بها العقل الإسلامي المعاصر عن الطريقة التي فكر بها العقل الإسلامي القديم؟ هل الطريقة التي يُفكر بها المسلم المعاصر تختلف عن الطريقة التي فكر بها السلف؟
ومن جانبنا نرى أن العقلية الإسلامية المعاصرة لازالت تُفكر بنفس الطريقة التي كان يُفكر بها السلف، وهو الأمر الذي يمثل أساس الإشكالية نفسها ويعمل كمكانيزم يعوق كل محاولة تستهدف النهضة والتنوير والحداثة في عالمنا العربي الإسلامي. والتناول الفوقي لمثل هذه القضايا لا يُفيد في شيء، والمقصود بالتناول الفوقي التعاطي النقدي مع الأطروحات والنتاج المعرفي والقراءات الأيديولوجية السافرة، وعوضاً عن ذلك يجب التركيز على التعاطي النقدي للمقدمات والمسلمات التي بناءاً عليها يشيد العقل الإسلامي كل أنظمته الفكرية وأنسقته المفاهيمية.
الواقع التاريخي للمسلمين في القرن السابع الميلادي وما تلاه، يختلف تمام الاختلاف عن الواقع التاريخي للمسلم المعاصر اليوم. لماذا لا نضع هذه المسافة الزمنية نصب أعيننا؟! فمشاغل الراهن الحاضر وقضاياه تختف تماماً عن ما كان يشغل المسلم السلفي، وحينما نقول المسلم السلفي، فإننا نعني بذلك المسلم الذي عاش وفكر بعقلية عصر التدوين، وهو العصر الذي شهد ميلاد العلوم الإسلامية، وبالتالي شهد تكوين طرائق التفكير للعقل الإسلامي.
مشكلة أننا إلى اليوم نتحدث عن إتباع وتقليد السلف، هذه مشكلة حقيقية. فالنهضة تعني توجه الحاضر واستشرافه للمستقبل وليس التقهقر إلى الماضي والرجوع إليه، وهو ما يحصل اليوم من جانب العقلية الإسلامية التي ترى أن المستقبل المنشود للعالم العربي الإسلامي إنما يكمن في احتذاء نموذج السلف في الماضي، وهو الأمر الذي يعني أن النهضة المنشودة إنما تتحقق بإحياء الماضي كما هو.
إن العقلية الإسلامية المعاصرة هي في أشد ما تكون إلى تجديد وتحديث طريقة تعاطيها مع الإسلام نفسه، وهذا المطلب لا يتأتى إلا إذا وضعت مسلماته موضعاً للفحص والمساءلة. والنهضة لو تتبعنا مسارها في أوربا، نجدها تمت عبر وضع المسلمات موضع الفحص والنقد، وهو الأمر الذي يعني مواجهة الذات لذاتها ووضعها موضع التساؤل والنقد. لذلك يجب علينا وضع الذات الإسلامية موضعاً للنقد والشك، وأن لا نتعامل بقدسية مع التراث، لأن التراث الإسلامي ليس إلا مجموعة قراءات في النص الديني الإسلامي، يُمارس عبرها وفيها فهمه للنص، هذا الفهم الذي سُوق لنا لاحقاً بوصفه الإسلام نفسه، وأصبح أي طعن فيه وجرح في شهادته يؤخذ على أنه طعن وجرح في الإسلام نفسه. لا قدسية للتراث، لأن القراءات التراثية هي قراءات تحمل صفة البشرية سواء كانت من فقهاء، محدثين، متكلمين، مفسرين، متصوفة، فلاسفة..الخ. هم قدموا مساهماتهم التي كانت محددة ومشروطة بالمستوى الذي بلغه تطور المعارف آنذاك. وفي ذات السياق، ينبغي طرح السؤال: ماذا عنّا وأين هي مساهماتنا نحن؟ أم أن ما جادت به قرائحنا انحصر في أن الغزالي قال كذا وكذا، وابن رشد قال، وابن تيمية قال، وأبى حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل والقائمة تطول. ما زال هؤلاء حاضرين ويُمارسون سلطاتهم المعرفية علينا، نحن لا نبخس من شأن ما قدموه، فهم قدموا في لحظتهم التاريخية إسهام مقدر ولم يقفوا ولم يتعاملوا بقدسية مع أحد، جاء الإمام أبو حنيفة فهل تجمدوا عنده؟ جاء بعده الإمام مالك واختلف معه، فهل وقفوا عنده؟ وجاء بعدهما الشافعي واختلف مع كليهما، وهكذا..الخ. لم تكن آنذاك العقلية الإسلامية مجمدة، ولذلك سادوا العالم وكانت الثقافة الإسلامية آنذاك ثقافة عالمية، وصُدرت للخارج الإسلامي، وأوربا عندما انتقلت من عصورها الوسطى إلى عصر النهضة والتنوير، استندت في ذلك على ترجمة التراث العربي الإسلامي، ومن خلال عملية الترجمة هذه أحيوا تراثهم اليوناني القديم.
وعلى ذلك فإن المشكلة متجذرة في الطرائق القديمة التي لا يزال العقل الإسلامي المعاصر يُفكر بها، ولا يمكن إحداث نهضة بدون عقل ناهض في الأساس. نريد أن نحقق نهضة، جيد، ما السبيل إلى ذلك، والعقل الإسلامي لا يزال يُفكر بنفس الطرائق القديمة؟! والسؤال ضمنياً يحمل إجابته، بمعنى أنه إذا لم تحدث نهضة على مستوى العقل الإسلامي نفسه، فليس بوسعنا بأي حال من الأحوال أن نتحدث عن نهضة. ونهضة العقل الإسلامي تستدعي المراجعة الشاملة التي تطال كل شيء ولا تستثني شيء من هذه العملية، وهو ما يعني أن العقل الإسلامي ينبغي عليه أن يقوم بإعادة تأصيل للأصول الإسلامية نفسها. وأن يعي بأن ليس ثمة قداسة لشيء ما أو مفهوم ما في النقد، ليس هناك مقدس أمام العقل الإنساني نفسه.
إذا عقدنا مقارنة بين الثقافة الأوربية من جانب والثقافة الإسلامية من جانب آخر ـ ولنأخذ الثقافة هنا بالمعنى الذي تتحدد به نظرة الفرد (المسلم أو الأوربي) والتصور الذي يحمله عن الموضوع الكلي المركب من ثلاثية (الله، الإنسان، العالم) ـ سنجد أن الفكر الأوربي قد أختزل هذه الأقطاب الثلاثة في قطبين (الإنسان، العالم) وبالتالي الإنسان في مقابل العالم، وهو الأمر الذي يعني أن الإنسان في مواجهة مشكلاته وقضاياه، أما القطب الثالث (الله) فغائب، ولو حضر يتم توظيفه لخدمة قضايا الإنسان والواقع، وبالتالي هناك الدين في خدمة الإنسان، وليس الإنسان في خدمة الدين، وفرق كبير بين الاثنين.
في مقابل الثقافة الأوربية نجد أن الثقافة الإسلامية اختزلت الأقطاب الثلاثة في قطبين (الإنسان، الله) وأسقطت القطب الثالث (العالم)، وبالتالي الواقع الإنساني بكل مشكلاته وقضاياه وهمومه وتطلعاته...الخ. وهو الأمر الذي يعني أن قضايا الإنسان غائبة تماماً عن دائرة التفكير، ويصل هذا التصور إلى أقصى مدى له مع الصوفية: الإتحاد مع الذات الإلهية ليتم اختزال القطبين(الإنسان، الله) في قطب واحد (الله)، حيث يصبح الفناء في الله هو الغاية الأولى والأخيرة للمريد، يغيب الإنسان هنا ويحضر الله وحده، وهو الأمر الذي يكون على حساب الانشغال بالحياة الإنسانية نفسها، وبالتالي عدم الانشغال بمشكلاتها وقضاياها وترك التفكير في معالجتها وطرح الحلول بشأنها.
ما سبق يستوجب على العقل الإسلامي إعادة طرح التساؤل عن الغاية من الإسلام نفسه. فالفهم السائد يتعاطى مع الإسلام بوصفه غاية في حد ذاته، الإسلام ليس غاية وإنما وسيلة لتحقيق مجموعة من الغايات فيها الدنيوي وفيها الأخروي. وحتى ما هو أخروي يتوقف على ما هو دنيوي، ومن هنا أولوية الدنيوي على الأخروي، فما هو دنيوي مِعبر إلى ما هو أخروي. وحتى القيم التي يروج لها الفكر الأوربي المعاصر ويقوم بتصديرها إلى خارج فضائه الحضاري بوصفها قيم إنسانية عالمية، نقول حتى هذه القيم( كرامة الإنسان، وحقوقه، العدالة الاجتماعية..الخ) إنما جاء الإسلام أصلاً من أجل جعلها واقعاً معاشاً ومحسوساً لدى البشرية. وبهذا المنظور يكون الإسلام من أجل الإنسان نفسه، يكون الله من أجل الإنسان نفسه، وليس العكس. فما هو سائد من تصورات يتعاطى مع الإسلام باعتباره غاية في حد ذاته، وهو الأمر الذي ينبغي أن يقود العقل الإسلامي إلى إعادة طرح التساؤل بصدد آليات فهمه للإسلام نفسه، وهو أحد أهم التساؤلات التي ينبغي له الانشغال بها والاشتغال عليها والتعاطي معها بفهم حديث ينتج لنا بدوره تعريف جديد للإسلام. وهو الأمر الذي نربطه بدعوتنا إلى إعادة تأصيل الأصول، والأصول نفسها ترجعنا إلى الإمام الشافعي، فالأصول الأربعة المتمثلة في: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ترتبط في تراتبيتها هذه بالشافعي، وهي تراتبية تعلي من شأن النقل على حساب العقل، إلا أن العقل الإسلامي تعامل مع هذه التراتبية بوصفها الدين ذاته، وتناسى أنها مساهمة الإمام الشافعي، وقبل الشافعي كانت هناك تراتبية تُعطي للعقل مساحة ودور في تقرير صحة ما هو نقلي. وهو الأمر الذي يعكس لنا تاريخ صراع العقل والنقل في التجربة الإسلامية والذي حُسم لمصلحة النقل. وقبل الشافعي ومع الإمام أبى حنيفة إمام مدرسة الرأي، كانت هناك سيادة نسبية للعقل قياساً على أصولية الشافعي، ونرى ذلك مثلاً في الموقف العقلي الذي أتخذه أبو حنيفة من الحديث النبوي، ففي حديث (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) تمثلت سلطة العقل عند أبى حنيفة في رده على الحديث، بقوله: " أرأيت لو كانا في سفينة؟! أرأيت لو كانا في سجن؟! الأمر الذي يعكس أن أبى حنيفة لم يتعاطى مع النص النبوي بوصفه مقدس يتعالى على النظر العقلي، حيث أنه أستخدم عقله في مساءلته للنص النبوي(نقد المتن) وأفتى بفتوى مغايرة لمدلول الحديث نفسه. ما سبق، يُرجع دائرة التساؤل إلى السنة نفسها، ويُحيلنا إلى علم الحديث، والتساؤل حول مشروعيته التي على أساسها شيّد مقدماته الأولية وجهازه المفاهيمي.
هناك النص الديني الإسلامي وهناك التراث الديني الإسلامي، مصطلحان مختلفان. فالتراث الإسلامي إنما هو في المحصلة النهائية للتحليل مجرد قراءات في وعلى النص الديني الإسلامي. والسؤال هو: فيما يتمثل النص الديني الإسلامي؟ والإجابة الشائعة والسائدة تحصره في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. القرآن هو كلام الله، هنا لا يستطيع مسلم أن يجادل، أم السنة فهناك الكثير الذي يمكن أن يُقال بهذا الصدد، وهو الشيء الذي ينبغي أن يُرجع العقل الإسلامي المعاصر إلى مسألة تدوين السنة نفسها، والسنة التي نتعاطى معها اليوم هي ما دونه بخاري ومسلم، واللذان نعتبر كتبهما أصح كتب الحديث، وتعاملنا معهما بنوع من القدسية وتناسينا (بشرية) بخاري ومسلم، وجهلنا أن شروط صحة الحديث عندهما كانت مرتبطة بالحد الذي وصل له تطور المعارف العلمية آنذاك.
ينبغي على العقل الإسلامي المعاصر أن ينفتح على المنجزات المعرفية الراهنة، ولا يُخفى الدور الذي يمكن أن تلعبه العلوم الإنسانية والاجتماعية في عالمنا العربي والإسلامي خاصة إذا تغيرت وضعيتها الحالية، الوضعية التي يمكن وصفها بأنها وضعية تهميش واحتقار، ولا يمكن للعقل الإسلامي أن ينهض إلا بإعادة الاعتبار لهذه العلوم، فأين هي هذه العلوم من وضعية التخلف والتأخر التي ترزح تحتها المجتمعات العربية الإسلامية، فالتهميش والإقصاء الممارس ضد هذه العلوم وهي العلوم المنشغلة بالإنسان والمجتمع وما يتعلق بهما من قضايا ومشكلات. إنما يعكس بالدرجة الأولى حالة الازدراء والتهميش التي يعاني منها الإنسان العربي والفرد المسلم. وهي الوضعية السائدة في العالم العربي الإسلامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عكس المنطق
Amir_Baky ( 2012 / 2 / 9 - 21:24 )
العقل الإسلامى المعاصر يصدق ان مدة الحمل يمكن أن يكون اربع سنوات بالتقوى ولا يقبل أن تكون هذه المعلومة فى سياق حديث غير صحيح للرسول أو خطأ بشرى منه. وهكذا فى جميع الأحاديث الغير دينية للرسول كجناح الذبابة و غروب الشمس فى حمأة من طين وعجوى المدينة التى تطرد الجن..الخ. العقل الإسلامى له قدرة عجيبة على عكس الحقائق وبالتالى أتخاذ قرارات غير صحيحة. فمثلا يرون أن حماس و حزب الله إنتصروا على إسرائيل رغم آلاف الضحايا و مئات المبانى التى قصفت. فيخرج علينا أجيال جديدة يمكن أن تكرر هذا الإنتصار الوهمى. فى جميع البلاد العربية يرى الحكام المواطنون الثوريون أنهم عملاء للغرب لإسقاط الحكومات حتى لو كان الحاكم دكتاتورى و سارق لموارد البلد. فالعقل الذى له القدرة على جعل الظالم مظلوم و جعل المجنى علية جانى أكيد ستكون قراراته خاطئة. وهذا هو التفسير المنطقى الذى يجعل خير أمه أخرجت للناس متذيلة أمم العالم فى القرن 21


2 - العقل الإسلامى
Muntasir Mohamed ( 2012 / 2 / 10 - 06:02 )
يا دكتور اوفيت وماقصّرت عندى تعليق او سمِها اضافه. اكبر عائق فى عملية تطور العقل المسلم هى فى نظرى الخلط الكبير بين السنّه والحديث. السُنّه هى النقل الجاعى لفرائض الاسلام والتى لم تُفصّل فى القران مثل عدد الصلوت وكيفية اداؤها وسائر باقى الشعائر. وهكذا وصلت السُنّه الى البخارى نفسه. الحديث هو عمليه تدوين ما ظنّ او إعتقد البخارى انه وارد عن رسول الله (ص) بعد 239 سنه من وفاة الرسول. وهنا يكمن الإشكال فى اعطاء ما جاء به البخارى من تحرى ظنى قدسيه وهاله لايستحقها ثم تاتى النتائج الكارثيه التى يعانى منها العقل المسلم من تغييب كامل لاعمال العقل


3 - العقلية النصية
الحبيب بن علي ( 2012 / 2 / 10 - 21:43 )
المشكل في العقلية النصيةوعبادة النصوص ويحضرني بيت رائع لمحمود درويش قال فيه احتمينا بالنصوص حتى دخل اللصوص فثقافة المسلمين لم تتجاوز المعرفة المبنية على العنعنات فلن تقوم لهم قائمة طالما انهم لا زالوا متمسكين بقال الرسول وقال القرآن

اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج