الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السلفية والمواطنة

نعيمة الرياحي
د.مختصة في الفلسفة الحديثة و المعاصرة

(Naima Riahi)

2012 / 2 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يدعو ظهور السلفيين المتصاعد اليوم إلى إعادة النظر في العديد من المقومات المدنيّة كما يدعو إلى مراجعة الكثير من مواقفنا ومفاهيمنا حول المواطنة والسياسة والقانون والقيم الحضارية وغيرها من الحقائق التي لم تعد بديهية.
كنّا نعتقد انّه من البديهي أنّنا مواطنون وأنّ النساء تخرجن إلى المدينة سافرات ولا يشكّك في مواطنتهنّ وحرّيتهنّ أيّ أحد فأصبحنا أمام ظواهر غريبة على مجتمعنا حتّى أنّنا أصبحنا نشكّك في إمكانيّة الخروج إلى الشارع.

السلفية كما تبدو اليوم هي توجّه أخلاقوي يريد أن يسطّر حياة الناس ونشاطاتهم وطريقة لباسهم على "الطريقة السلفية" وهي طريقة غير متّفق عليها من قبل الإسلاميين أنفسهم. ولكن من جهة أخرى السلفية تتجاوز أحيانا دورها الأخلاقي هذا لكي تلعب دورا اجتماعيا أو سياسيا كإعانة الفقراء أو المعوزين أو ضحايا الحرب أو الكوارث الطبيعية فتتحمّل مسؤوليات الساسة بدلا عنهم، وبمعنى آخر يريد السلفيون أن يظهروا بمظهر المصلحين في الأرض الأتقياء الذين يمثّلون الرسول دون عداهم. ف"الإقتداء بالسلف الصالح" هو شعارهم ويبرز هذا الإقتداء من خلال الهيئة الخارجية أساسا مثل اللباس وإطلاق اللحية. لكن السؤال الذي يطرح هل السلفية حركة اجتماعية/دينية أم هي حركة سياسية ؟ ولماذا يريد السلفيون أن يفرضوا كونية أخلاقوية اليوم؟ هل يقف هدفهم عند ذلك الأمر؟ ألا يهدفون بالأحرى إلى إقامة حكم خلافي غير خلافي في جوهره؟
في بعض زلاّت لسانهم وهفواتهم تنطلق من أفواههم هذه النوايا. بلى إنّهم يريدون أن يفرضوا مشروعا سياسيا/اجتماعيا على النمط الديني؟ أو هم يريدون تعميم النموذج الديني في شكل الحكم وشكل المجتمع ونمط السلوك الأخلاقي؟ ولكن هل هم يقومون بذلك اقتناعا منهم بأصالة نظريتهم أم أنّ ما يقومون به ليس غير مجرّد ردّة فعل على ما يعتبرونه "فسادا أخلاقيا"؟ هل يريدون إقامة سياسة أخلاقية ويتراجعون إلى ما قبل ماكيافيل؟ ألم يدركوا أن بعض الفرق الدينية تستعمل الدين كإستراتيجية ناجعة جدّا للوصول إلى الحكم وبالتّالي قد فهموا درس ماكيافيل وأدركوا أن السياسة تقنيات واستراتيجيات ؟ لماذا يرفض السلفيون الحوار ويختارون العنف اللغوي أو المادي أحيانا؟ هل أنّهم يرون في أنفسهم الأولى بالحرب على الإفرنج المستعمر والمتفسخ والمغاير لنا وبالتالي عدونا اللدود؟
كل هذه الأسئلة لا تهمني من حيث ما هي أسئلة تتطلّب أجوبة فهده محاولة للتفكير في هذه الظاهرة الغريبة ولكن لا بد من الإشارة إلى ضرورة التمييز بين نمطين من التواجد الإجتماعي والسياسي :
نمط تواجد في ظلّ حكم مدني حديث يقوم على القانون والمواطنة والحقّ والدولة.
ونمط تواجد في ظلّ حكم ديني قديم يريد أن ينبعث بروح راهنة وينبتّ في أرض غرست عليها الكثير من البذور المتنوعة. وهو نمط يعود إلى مفاهيم الخلافة وسلطة شيخ القبلية (والحال أن عدد الناس تجاوز القبيلة) وهيمنة الرجل المطلقة وكأنّه هو النوع البشري العاقل الوحيد الذي عليه أن يتدبّر الشأن الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، واعتبار هذا النوع جملة من أفراد القبيلة لا حق لهم إلا ما يسطّره شيخهم المقدس وهم دوما في خشية من العدو الذي قد يتربص بهم في أيّ لحظة .
أريد أن أسأل السلفيين هل أنّ إنسان القرن الواحد والعشرين هو نفسه إنسان القرون الوسطى ؟ هل أنّه لم يتقدّم قيد أنملة في مجال تنظيم المجتمع ؟ هل البديل الديني القديم هو الأصلح للإنسان المعاصر ؟ وما وجه صلاحه؟ وما هي عيوب التنظيم المعاصر؟ هل لأن مصدره الآخر يجب رفضه مهما كان؟ ألم تؤدي الخلافة إلى صراعات دمويّة لم تخلّف غير الإرتداد والردّة؟
في الحقيقة يرى السلفيون دون أدنى مجال للشك أن من يتّبع الرسول لا يكون مخطئا أبدا وهذا أمر غير مقنع لأنّ التاريخ يؤكد أنّ أمّة محمّد اختلفت إلى ثلاثة وسبعين ملّة مباشرة بعد وفاته هذا ولا أريد أن أعود إلى قميص عثمان بن عفّان وحادثة كربلاء ومقتل الحسين ابن علي وما جسده من صراع دموي حول الخلافة. وقد كان الرسول محمّد نفسه على علم بما سيحدث بعد موته فأوّل خلاف كان بين المسلمين هو أين سيدفن الرسول في مكّة أم في المدينة؟ فأيّ وجاهة وأيّة شرعيّة لحكم خلافي هو حكم نزاعي /صراعي منذ بدايته؟
ولكن قد يتساءل السلفيّون من جهة أخرى، ما الذي يعجب الحداثيين في نمط الحكم الحديث؟ هل يزول العنف بمجرّد اختيار الحاكم بطريقة ديمقراطية؟ هل أنّ اصطناع الديمقراطية أمر محظور حتّى نضمن الشفافية والشرعيّة الأصيلة ؟ هل الأقلية لها قيمة في النظام الديمقراطي؟ هل للتمثيل معنى ودلالة من شأنها أن تجعل الجميع مقدّرا فيما هو عليه من مكانة اجتماعية وسياسية؟ أم أنّ الأمر الانتخابي لا يعدو أن يكون غير تمثيل ومسرحية أبطالها هم الفائزون في الانتخابات ؟
هنالك أمر يقيني حسب علمي وهو أنه لا يمكن أن نزرع إلا الحياة ولا يمكن أن نبعث العظام وهي رميم – فذلك من أمر ربي فقط- ولا يمكن أن نحيى الموتى كما لا يمكن أن نعود إلى العنف البربري التقليدي وإلى أشكال التنظيم القديمة التي تبرر الإقتصاص وادعاء الحكمة المطلقة والانغلاق على الذات باعتبارها الوحيدة القادرة على كل شيء ..
وفي اعتقادي أيضا أن الإنسان يتميّز بقدرته على صنع تاريخه والاستفادة من تجاربه أينما كانت فلا عيب إن قام بها مسلم أو نصراني أو مخالف لنا في الملّة مهما كانت هذه الملّة – وهو سرّ تقدم الشعوب الأخرى التي تنفتح على الآخر المختلف- إنّه من الطبيعي ومن الإنساني أن يطلب التقدم والتطوّر ولا عيب في أن نقبل ما توصل إليه العقل البشري من عقلنة لواقعه الإجتماعي والسياسي فذلك ليس محظورا دينيا وليس محرّما قرآنيا أو سنّيا . كان المسلمون منفتحين على غيرهم من الملل عن طريق التبادل التجاري وقد شجّع الدين على اللقاء بين الشعوب والملل وأكرم الإنسان أينما كان.
إذا أبدع الآخر مفهوم المواطنة ومفهوم الدولة والديمقراطية وكانت هذه المفاهيم ثورة في مجال التنظيم السياسي للمجتمع فلماذا نرفض هذه المفاهيم؟ لماذا نعود إلى عالم ما قبل المواطنة؟ وماقبل القانون؟ هل هنالك فيصل بين المجموعات الكثيرة غير آلية القانون؟ وهل المقدس وحده كاف لجعل الناس يحترمون بعضهم البعض؟ هل ارتقت البشرية ونضجت أخلاقيا حتى تستغني عن قوّة القانون ؟
وسؤالي الأخير إلى السلفيين : هل أنهم مواطنون اليوم؟ وهل يحق لهم التمتع بمزايا القانون والرعاية الأمنية التي تقدّمها الدولة ؟ أم هم في منزلة "مؤقتة" انطلقت بشدّة في فترة ما بعد الثورة؟ أم هم "مواطنون" في انتظار الخليفة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب