الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استخدام البنادق في الحرب حرام ,لأن أسلافنا المسلمين كانوا يحاربون بالسيوف والنبابيت (هل مازلنا نفكر بنفس الطريقة؟)

نبيل هلال هلال

2012 / 2 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لقد قطع العقل المسلم مسافة معقولة فى بداية العصر العباسى " أيام هارون الرشيد وابنه المأمون"، ولكنه تباطأ بعد ذلك وما لبث أن توقف عن المسير. ومن يدقق النظر يرى أن هذا العقل يسير الآن القهقرى متوجهاً إلى ماضيه ظناً أنه المستقبل. ويمضى الآخرون بسرعة مذهلة، إذ تتضاعف المعارف الإنسانية مرة كل 18 شهراً تقريباً فى ظل الثورة المعلوماتية الجبارة -كان ذلك هو المعدل منذ عشر سنوات ولعله زاد كثيرا عن ذلك -، وليس بمقدورنا الانتفاع بهذه المعارف فضلاً عن عجزنا عن المشاركة فى إنتاجها. لذا فإن التوقف، مجرد التوقف عن السير، يعتبر انسحاباً للخلف فى حركة تقهقر لن تغفرها لنا أجيالنا القادمة، إذ سنعجز تماماً عن اللحاق بالآخرين، ويقتصر دورنا – كل دورنا – على أداء مهام التبعية وأدوار العبيد للأسياد، وكأننا نكرر تاريخنا أيام الظاهرة المملوكية .
وقد انطفأت وخبت جذوة البعث العلمى الإسلامى والعربى ابتداء من القرن الرابع الهجرى نتيجة غلق باب الاجتهاد، وما صاحب ذلك من ملابسات وظروف عطلت المد العلمى، وإن لم يحل الظلام الدامس تماماً إلا بعد ذلك بمدة ليست بالقصيرة قلّ فيها الإبداع تدريجياً، ونقص عدد العلماء ولكن استمرت حركة المد العلمى بفعل قوة الدفع الأولى . وفى القرن الرابع الهجرى حصل التفكك السياسى للدولة الإسلامية، فتفتتت إلى كيانات فسيفسائية، وتعددت الصراعات الدينية، واحتدم الصراع بين السنة والشيعة. بل كثيراً ما ثارت خلافات مذهبية تافهة فى الوقت الذى كانت فيه البلاد مهددة بالهجمات الصليبية، خلافات من نوع هل يجوز الجهر فى البسملة، والترجيع فى الآذان، والقنوت فى الفجر، حتى وصل الأمر إلى استعانة الحنابلة بالعميان الذين كانوا يأوون ببعض المساجد لضرب كل شافعى يمر بهم.
وعانى المفكرون: شأنهم فى ذلك شأن عامة الناس، من سوء الأحوال الاقتصادية فى القرن الرابع الهجرى، حتى إن العالِم الواسع العلم يعجز عن دفع أجرة مسكنه ولا يجد ما يأكل، " وكان ذلك نتيجة طبيعية لما تردت إليه البلاد من سوء الأحوال الاقتصادية، حيث تجمعت الثروات والسلطات فى أيدى جماعة من الحكام الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة وتفننوا فى إذلال الفقراء، وغالوا فى الترف والبذخ ".
والكارثة هى أن غلق باب الاجتهاد معناه النفور من كل جديد، والنظر بشك وريبة إلى كل مُبتدع واعتباره بدعة تفضى بصاحبها إلى قعر جهنم. وكان رد الفعل الأول تجاه أى جديد مستحدث هو إبداء الكراهة والنفور دون التروى والنظر فى غايات هذا الجديد ودراسة مرامية وأهدافه، إذ عانى العقل المسلم من الاسترهاب والبطش الذى دفعه إلى طلب الأمان وإيثار السلامة، وردد الناس فى أمثالهم : " من فات قديمه تاه " وقد فوّت هذا الموقف المتشكك فى الجديد، فوت الفرصة على المسلمين من الانتفاع بكثير مما أبدعه الآخرون كما حدث عندما غفلوا عن الانتفاع بالمطبعة، والتى كان اختراعها حدثاً محورياً هاماً فى تاريخ العلم والثقافة والكتاب، وأضاع عليهم غير ذلك من الإبداعات التى أمدت الآخرين بالقوة. ففى الوقت الذى ظهرت فيه المطبعة فى منتصف القرن الخامس عشر، كان إجمالى عدد الكتب فى أوروبا كلها حوالى ثلاثين ألف كتاب معظمها أناجيل وتفاسيرها. وخلال الخمسين سنة التالية زاد هذا العدد إلى تسعين مليون كتاب معظمها فى العلوم العقلية وكان المسلمون مشغولين فى هذا الوقت بمطالعة كتب الصوفية والمواظبة على ترديد كفرياتهم فى حلقات الذكر التى كانوا يقيمونها فى التكايا والخوانق والمساجد. وفى الوقت الذى لم يكفّروا فيه ما جاء فى كتب الصوفية من شرك بالله وازدراء التوحيد، وقبلوها مع الحفاوة والتقديس، نظروا إلى المطبعة على أنها آلة صنعها الكفرة ولا يجوز طباعة القرآن عليها ! الأمر الذى ألحق أضراراً فادحة بأمتنا الإسلامية على صعيد العلم والاستنارة. ومنع السلطان العثمانى بايزيد الثانى اقتناء المواد المطبوعة فى عام 1485م، وتكرر المنع من السلطان سليم الأول عام 1515م. وفى أوائل القرن السادس عشر طبع المسيحيون فى أوروبا أول كتاب باللغة العربية. وكان أول استخدام للمطبعة فى تركيا سنة 1716 وطبع بها أول كتاب عربى سنة 1728، وسرعان ما أغلقت ، وبعد إعادة فتحها كان أول ما طبع فيها كتب التصوف وأهمها الفتوحات المكية لابن عربى !!. ودخلت المطبعة مصر لأول مرة مع الحملة الفرنسية سنة 1798، ولكن لم يزد عدد الكتب العربية المطبوعة بها على خمسين كتاباً حتى نهاية القرن الثامن عشر .
وأنصار غلق باب الاجتهاد هم المتخوفون من كل جديد، وهم عَبَدَة المألوف وأعداء الجديد أياً كان. وهم يظنون أنهم يحتكرون الحقيقة، وأنهم الصفوة التى تختص بالعلم، ومن سواهم يجهل ولا يعلم، لذا جرّموا إعمال العقل من بعدهم، وحرّموا النظر إلى الأمور على نحو مغاير لما يرون، فعندما ظهرت المدرسة كمؤسسة تعليمية فى القرن الخامس الهجرى " لم ترق فى أعين بعض علماء المسلمين، إذ كانوا يفضلون عليها نظام التعليم الحر فى الجامع، وتناولوها بالنقد، ولما بلغهم بناء المدارس فى بغداد، أقاموا مأتم العلم، وقالوا: كان يشتغل به – أى بالعلم والتدريس – أرباب الهمم العالية الذين يقصدون العلم لشرفه وكماله، فيأتون علماء ينتفع بهم وبعلمهم، وإذ صار عليه أجر، تدانى إليه الأخساء– جمع خسيس– وأرباب الكسل، ومن هنا هجرت الحكمة ". لقد تم تأثيم الاجتهاد عندما نظر إليه على أنه طريق الابتداع والبدع الذى يؤدى إلى جهنم وبئس القرار، وأنه مخالفة للفقهاء السابقين الذين أضفوا عليهم قداسات علمية ودينية تحول دون الإتيان بغير ما جاءوا به .
وامتد الخوف من الجديد وكراهية كل مستحدث حتى طال استخدام الأسلحة العصرية الجديدة، فبعد اختراع البندقية، فى زمن كان السيف فيه هو وسيلة القتال الأساسية، شاع استعمال البنادق فى بلاد كثيرة، ولم يستخدمها المماليك فى مصر والشام وعزفوا عنها واعتبروا استخدامها مخالفاً للسنة النبوية إذ لم يستخدمها النبى فى قتاله ولا يجوز مخالفة ذلك ‍‍‍!‍! نعم إلى هذا الحد بلغ تجمد العقل، ويصف لنا شاهد عيان وهو ابن زنبل الرمال واقعة رفض السلطان المملوكى قانصوه الغورى الاستفادة من البندقية عندما عُرضت عليه، فقال : " وقد جاء بهذه البندقية رجل مغربى للسلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى – رحمه الله تعالى وقتل قاتله – وأخبره أن هذه البندقية ظهرت من بلاد البندق، فقد استعملها جميع عساكر الروم والعرب، وهى هذه. فأمره أن يعلمها لبعض مماليكه، ففعل،وجئ بهم فرموا بحضرته، فساءه ذلك . وقال للمغربى: نحن لا نترك سنة نبينا ونتبع سنة النصارى، وقد قال مولانا سبحانه وتعالى :إن ينصركم الله فلا غالب لكم فرجع ذلك المغربى وهو يقول : من عاش ينظر هذا الملك وهو يُؤخذ بهذه البندقية. وقد كان كذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ".ويصف كيف تأثر جيش المماليك ووقع بهم الضرر من هذه البندقية فيقول : "ولا ضرهم – أى المماليك – إلا البندق فإنه يأخذ الرجل على حين غفلة، لا يعرف من أين جاءه، فقاتل الله أول من صنعها، وقاتل من يرمى بها على من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة ". أرأيتم عاقبة أن يتولى سدة الحكم من عَدِم القدرات الإدارية ومُنى بقصر النظر ورداءة الرأى، إنه يورد الأمة موارد الهلكة والبوار. وكان المماليك قد أهملوا الأخذ بأساليب العصر وأسلحته بعد أن زال عنهم خطر الصليبيين والمغول، ولم يتحمسوا لاستخدام الأسلحة النارية التى كانت تتسلح بها الجيوش آنذاك، واعتبروا ان الشجاعة والإقدام فى القتال من فوق الجواد، وإذ كان يتعذر على الفارس استخدام البندقية من فوق صهوة جواده، لذا لم يتحمسوا لاستخدام هذه البنادق، ولم يقدروا خطورة عدم التسلح بالأسلحة النارية التى مكنت الأوروبيين فى ما بعد من فتح البلاد والاستيلاء على الأراضى والمستعمرات .مع الاعتذار لطول المقال








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اضافة ضغيرة
هشام حتاته ( 2012 / 2 / 11 - 01:01 )
الاستاذ / نبيل هلال
تحليل راقى وفكر مستنير ، ولكن اسمح لى ان استكمل عبارة ناقصة فى المقال وهى : - ولما رفض قنصوه الغورى عرض التاجر المغربى بشراء البندقية لانها حرام ، جاءه سليم الاول فى الجيش التركى - المسلم - مستخدما البندقية فى الحرب على الممالك وبهذه البندقية التى رفضها الغورى تم احتلال مصر واعدامه على باب زويلة - .
تحياتى اخى العزيز


2 - تحياتي
جورج كارلن ( 2012 / 2 / 11 - 02:32 )
كلام جميل يا استاذ نبيل . ليتهم يتعلّمون من اخطاء الأجداد فقط وسنصبح بألف خير


3 - تحية للأستاذ هشام حتاتة
نبيل هلال ( 2012 / 2 / 11 - 12:54 )
فعلا أخي الكريم هزم سليمُ الأول العثماني, السلطانَ الغوري المملوك ,ويحكي المؤرخون أن الغورى أصيب بالفالج (الشلل) لما حاقت به الهزيمة ووقع عن فرسه وداسته سنابك الخيل ,حتى أنه لم يُعثر على جثته ,كان ذلك في سنة 1516 ),في مرج دابق بالشام ,ولم تلبث جيوش العثمانيين أن هاجمت مصر برا ,ودخلوا القاهرة من منطقة الطبالة (العباسية حاليا) في العام التالي 1517,حيث شنقوا السلطان الحالي -نائب الغوري على مصر سابقا - وهو المملوك طومان باي وشنقوه على باب زويلة ,وهو المملوك الوحيد المقتول شنقا . ولله الأمر من قبل ومن بعد .


4 - تحية للأستاذ جورج كارلن
نبيل هلال ( 2012 / 2 / 11 - 12:57 )
شكرا أخي الكريم على مرورك على المقال ,أما عن تساؤلك هل يتعظون ,فالجواب لا ,لم يتعظوا ,ولن يتعظوا .

اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل