الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور أحمد قاسم النعمان .. وداعاً

خليل الجنابي

2012 / 2 / 11
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


في الموصل الحدباء التي قدمت الآلاف من أبنائها قرباناً لحرية العراق وشعبه طيلة العشرات من السنين كباقي المدن العراقية الأخرى وقدمت الآلاف المؤلفة من المناضلين الى صفوف الحركة الوطنية وفي المقدمة منها الحزب الشيوعي العراقي , في هذه المدينة الخالدة الأبية تعرفت على المرحوم ( أحمد قاسم النعمان ) ضمن خلية ( مُرشحين ) كان يقودها الرفيق ( طالب سعد الله سلطان ) وكان ذلك في مطلع عام 1957 بعد الإنتفاضة العارمة في 1956 التي شملت العراق بإسره على أثر العدوان الثلاثي الغاشم ( الإنكليزي , الفرنسي , الإسرائيلي ) على الشقيقة مصر التي كانت تمثل القاعدة المتقدمة من حركة التحرر الوطني في المنطقة العربية , كنت في ذلك الوقت أحد طلاب ( المتوسطة الغربية ) في الموصل والتي عُدت إليها تواً بعد الفصل التعسفي والإعتقال للمئات من الطلبة من مدارسهم ومعاهدهم , وبعد أن أخرجونا من التوقيف بكفالة ضامنة أرسلوا الذين تتجاوز أعمارهم سن الـ 18 الى معسكرات خاصة إفتتحها العهد الملكي ومنها معسكر ( سكرين ) وهو معسكر خاص وُجد لحشر المئات من الطلبة المساهمين في هذه الإنتفاضة المجيدة . لقد كان المرحوم الرفيق ( أحمد النعمان ) شاباً باسماً ومتفائلاً بأن الشعب العراقي بكافة قومياته وأديانه وطوائفه سيلحق الهزيمة بأعوان الإستعمار ويدحر المعاهدات الإسترقاقية التي كانت تكبله ومنها ( حلف بغداد ) المشؤوم , وكان منذ ذلك الوقت مهتماً بالرسم , حيث كان يجلب معه في بعض الأحيان الى الإجتماعات الحزبية بعضاً منها لمعاينتها من قِبل رفاق الخلية التي ننتمي إليها سويةً , كانت كلها تشير الى إمكانيته العالية في هذا الفن الذي أبدع فيه , وكانت جُلها تحاكي ما كان يُفكر به مُلقياً الضوء فيها على معاناة الناس الكادحين من العمال والفلاحين والفئات المسحوقة الأخرى , وكان دائما يُشير الى القلم والفرشاة ويقول ( هذه معاولي التي سأُحطم فيها صروح الطغيان ) كنا في بعض اللقاءات الحزبية نتطرق الى بعض المشاكل الإجتماعية والإقتصادية التي تُعاني منها عوائلنا في ذلك الوقت , حيث ينحدر هو من عائلة كبيرة متوسطة الحال لكنهم وقعوا في أزمة بعد وفاة والده رحمه الله مما إضطره الحال الى بيع الخبز الذي كانت اُمه تخبزه في البيت وذلك لمساعدة العائلة الكبيرة العدد لتسديد متطلباتهم المعيشية, وأنا أنحدر من أُسرة عمالية حيث كان والدي رحمه الله من عمال السكك القدامى , كان شاباً وسيماً عذب اللسان ويشعر من يعرفه بالراحة والإطمئنان حين يلتقيه ويتحدث إليه , وكثيراً ما كان يرسم صوراً للأصدقاء والمعارف وكان ( قلم الرصاص ) لا يفارقه مع قصاصات الورق التي كانت حاضره معه أينما حل وذهب حتى في الإجتماعات الحزبية .
وبعد مرور 6 أشهر على ترشيحنا للحزب الشيوعي العراقي وعلى وجه التحديد في نهاية الشهر التاسع عام 1957 كان عندنا إجتماع للخلية وكان وقتها في إحدى المزارع المطلة على نهر دجلة حيث كنا نبتعد عن الدور السكنية تحاشياً للمراقبة المحتملة على بيوتنا من قِبل الأمن وأعوانهم المنتشرين في كل مكان , وحين وصل الرفيق المسؤول ( طالب سعد الله سلطان ) المكان المحدد كانت على وجهه إبتسامة عريضة وهو يقول ( مبروكين على منحكم شرف العضوية للحزب ) وهنا تعانقنا جميعاً وسلم لكل منا رسالة خاصة من الحزب ومكتوبة على ورق رقيق جداً وملفوفة بشكل دقيق بحيث أصبح من المتيسر حملها وإيصالها لنا , وكانت فرحتنا وغبطتنا لا يعادلها شيء ونحن نقرأ محتويات الرسالتين والتي كانت تشيد في عملنا الإجتماعي والحزبي لخدمة قضايا الشعب والوطن , كما جرى الإشارة الى أن تأريخ العضوية جاء متزامناً مع مرور ذكرى إنتصار الثورة الإشتراكية في بلغاريا في 9 أيلول عام 1949 . ومما ورد في هذه الرسائل ( صن أيها الرفيق كلمة رفيق من كل شائبة وأن تكون أميناً لشعبك وحزبك ) .

كان يوماً جميلاً ورائعاً بأن نكون ضمن الصفوف التي نذرت نفسها لبناء عراق مزدهر وسعيد حيث غنينا سوية النشيد الحبيب ( سنمضي ستمضي الى ما نريد … وطنُ حر وشعب سعيد ) , وفي نهاية الإجتماع طلب منا الرفيق المسؤول إتلاف الرسائل وبادرنا الى ( مضغها وإبتلاعها ) ونحن في غاية الفرح والسرور .
وإنتقلنا بعدها الى هيئات حزبية أخرى وتواصلت علاقي بالرفيق ( أحمد ) عبر لقاءات شخصية مستمرة , وأتذكر جيداً صباح يو م الإثنين 14 تموز 1958 حيث كنا قد إتفقنا قبل يوم على الذهاب للعمل عند أخيه البَناء للعمل معه كعمال بناء , ونحن ننقل الطابوق والإسمنت الخاص بالبناء في ذلك اليوم الأغرسمعنا من إذاعة بغداد بقيام الثورة المباركة فما كان من الأسطة وهو شقيق ( أحمد ) إلا بإيقاف العمل والنزول الى الشوارع التي إكتظت بألآلاف من أبناء الموصل البررة تأييداً وإحتفالاً بيوم الثورة المجيد الذي كنا نناضل من أجله .
بعد ثورة تموز المجيدة إنتقلنا الى بغداد وتقدم هو الى معهد الفنون الجميلة قسم الرسم حيث إجتاز إمتحان القبول بإمتياز وذلك لمهارته العالية في الرسم , وقدمت أنا الى الدورات المهنية في الجيش وتخرجت برتبة نائب ضابط مركب أسنان , وكنا نلتقي بشكل متواصل في مقاهي بغداد القديمة مقهى الزهاوي في شارع الرشيد , مقهى البلدية في باب المعطم مقابل وزارة الدفاع , مقهى الشابندر ومقهى البرازيلية وغيرها , هذه المقاهي التي كانت تعج بالمثقفين والأدباء والفنانين ومنتسبي الأحزاب الوطنية .
كنا مجموعة كبيرة من الشباب الوافدين من مدينة الموصل الى بغداد لغرض الدراسة , منهم الشهيد ( نافع عبد الرحمن شخيتم ) الذي أُستشهد أمام بوابة وزارة الدفاع عندما كان يقود الجماهير ضد الإنقلاب الفاشي في 8 شباط عام 1963
والمرحوم ( سعد يحي قاف ) إبن المربي الكبير ( يحي قاف – ق ) المعروف بكنيته ( يحي قاف يحكي وما يخاف ) وطالب سعد الله سلطان الذي أُرسل الى المانيا الشرقية في ذلك الوقت لغرض الدراسة ولا أدري هل لازال حياً يُرزق . الى جانب رفيقنا المحبوب ( أحمد النعمان ) .

سنوات عزيزة على قلوبنا لا يمكن أن ننساها فيها حلاوة الشباب وعنفوانه وطموحه نحو مستقبل أفضل وتحقيق أماني الشعب في الحرية والعيش الكريم وكان ( احمد ) أحد هذه الطلائع التي إختطت طريقها في الدفاع عن القيم السامية التي شربناها من المعاصر العتيقة في مدينة الحدباء - الموصل , وكان سلاحه المفضل هو ( القلم والفرشاة ) التي برع بهما وأبدع وسطر أروع الصور والمقالات التي تحاكي الوجدان والحقيقة وتقف شامخة شموخ الأفكار التي إعتنقها منذ نعومة أظافره .
وتمر السنين ويذهب ( أحمد ) لمواصلة دراسته في الإتحاد السوفيتي في منحة دراسية عن طريق الحزب الشيوعي العراقي , وهناك يحصل على الماجستير ويدافع بعدها عن أُطروحته الموسومة (تأريخ الفن التشكيلي العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى عام 1975 ) .

تنقل في بلدان مختلفة وعمل في مجال إختصاصة كفنان مُبدع ولم ينس أبداً هموم شعبه وتطلعه نحو حياة آمنة مستقرة , وإستقر به المقام في إنكلترا التي كنا منذ سنوات شبابنا الأُولى ونحن نهتف بسقوط الحكم الملكي الذي نصبه الإنكليز في العراق .
الخلود لك أيها الرفيق العزيز والصبر والسلوان لزوجتك الفاضلة وأبنائك والباقين من أهلك ولجميع أصدقائك ومحبيك ورفاقك .














التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - طاب سعدالله سلطان في ألمانيا
صادق البلادي ( 2012 / 2 / 11 - 20:12 )
أكمل طالب تحصيله الدراسي ونال شهادة الدكتوراه ، ثم إنتقل الى ميونيخ، حيث مايزال يعيش هناك.ما أجمل وأسعد حياة من إلتزم بوصية فهد : صُن لقب الرفيق ولقب الشيوعي من
كل شائبة ، وواصل - رفع راية شعبنا المناضل من أجل حريته وتقدمه - رغم كل الظروف
والصعاب التي مرت على شعبناز


2 - طالب سعد الله سلطان
خليل الجنابي ( 2012 / 2 / 11 - 23:44 )
العزيز الأستاذ صادق البلادي المحترم
تحية طيبة
أنا سعيد جداً بهذا الخبر المُفرح بأن رفيقاً آخر لا زال على قيد الحياة , وسأكون ممتناً جداً لو أنكم تعرفون عنوانه أوتلفونه أو الإيميل الخاص به ,,, ودمتم
الدكتور - خليل الجنابي
نيوزيلنده
[email protected]


3 - المجد والخلود
عراقي قبل اي شيء ( 2012 / 2 / 11 - 23:58 )
المجد والخلود والذكر الطيب لكل من صان لقب الرفيق

اخر الافلام

.. شرطة نيويورك تعتقل بالقوة متظاهرين متضامنين مع غزة في بروكلي


.. قراءة عسكرية.. ما الذي يحدث بين الفصائل الفلسطينية وجيش الاح




.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة اليمين المتطرف برئاسة


.. تفاعلكم | تعطل حركة الطيران في مطار ميونخ، والسبب: محتجون في




.. إسبانيا: آلاف المتظاهرين ينزلون إلى شوارع مدريد للدفاع عن ال