الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آساطير ألأولين: ألإله ألمُخلِّص

كامل علي

2012 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


آساطير ألأولين: ألإله ألمُخلِّص
إنّ تاريخ الدين والاسطورة هو صراع الذات مع الموت. ففي المراحل الاولى كانت الذات مسحوقة امام الموت والعالم الاسفل كان مسيطرا جبارا لا مهرب منه ولا فكاك من اسره الابدي،
في سلسلة اساطير الاولين بحثنا عقائد ما بعد ألموت لحضارات وادي ألرافدين ( السومرية والبابلية والآشورية) ووجدنا بأنّه لا يوجد في عقائد ما بعد الموت ألرافديني ثنائية ألجنّة وألجحيم، ولا ثنائية ألثواب وألعقاب، في ألاساطير ألرافدينية لاحظنا بأنّ إله ألخصب ( أنانا أو عشتار) أو أبنها ( تمّوز أو ديموزي) يؤسر أو يُختطف من قبل آلهة ألعالم ألأسفل ويبقى هنالك لفترة معينّة ثمّ يصعد ألى ألأعلى، هذا ألتناوب له علاقة بألمواسم ألزراعية من خريف وصيف وربيع وخريف، فألإنسان ألرافديني كان همّه ألأول طعامه ألأساسي ألقمح ودورة حياته فبعد موسم ألحصاد كانت تقام ألمآتم ألتي ترمز ألى جفاف ألأرض وموت الهة ألخصب ونزولها الى ألعالم ألأسفل، أمّا في موسع ألربيع فكانت ألأحتفالات تتسم بطابع ألسعادة وألفرح لقيام آلهة ألخصب من ألموت وتحرره من ألعالم الأسفل.
إنّ حياة وموت اله الخصب (عشتار وفيما بعد تموز) كانت امورا موحية بأمل غامض وبعيد بإمكانية الخلاص من سيطرة الموت كما تخلَّصَ منها اله الخصب، فكان تعلّق قلوب العباد بهذا ألمخلّص ألحياتي تعبيرا عن النزوع الإنساني الأبدي نحو الخلود. ولم يكن ظهوره في ضمير البشر إلّا مظهرا من مظاهر صراع الظاهرتين الكونيتين في داخل الإنسان وخارجه، صراع الموت والحياة.
إنّ نمو الديانات البعلية ( ديانات الخصب) واكتسابها غلبة شعبية على الديانات الايلية ( ديانات الآلهة السماوية البعيدة ) هو حالة تالية في تطور الدين والاسطورة، وحالة وسط تحتوي على شيء من التوازن بين الحياة والموت.
امّا المرحلة الثالثة فتمثّل عن حق مرحلة انتصار الحياة على الموت في الدين والاسطورة. فما حصل لإله الخصب مرة سيحصل لكل عباده المخلصين ممن سيدخلون في ديانته، ويلتحقون به من دون بقية ألآلهة. قال السيد المسيح: ( من آمن بي وإن مات فسيحيا). فتحولت ديانة الخصب الى ديانة سرية وتحوّل مخلّصها الارضي الحياتي الى مخلّص روحي باسطا سيطرته من عالم الحياة الى عالم الموت ايضا، مقدما لعباده خلاصا لروحهم من سطوة العالم الاسفل.
لقد بلغ الانتصار على الموت قمته في المسيحية التي اعطت الإنسان بعثا كاملا غير منقوص، حيث يعود الجسد سيرته الاولى بكل تفاصيله واجزائه.
في مسيرة المسيحية الاولى في القرون الثلاث بعد الميلاد، حيث ارتبطت بكونها فرقة يهودية جديدة، تخبّط الفكر اللاهوتي قبل ان يتوصل لقرار حاسم في البعث وخلود الروح وشمولية الثواب والعقاب، فكانت فكرة خلود الروح تقتصر على المؤمنين الذين اتّحدوا بالمسيح فأعطيت لهم به الحياة، شأنها في ذلك شأن ديانات الاسرار التي كانت شائعة في الامبراطورية الرومانية في تلك الآونة كالاورفية وغيرها، حيث كان الالتصاق بمخلّص هو (ديونيسيوس أوغيره) شرط للخلاص وللحياة الجديدة.
لقد بقيت عبادات وطقوس الديانات السرية خفية، وبإستثناء الاعياد الربيعية السنوية ولا نكاد نعرف إلّا القليل عمّا كان يجري بألفعل. من هذا القليل الذي نعرفه أنّ معظم هذه الديانات كانت تمارس نوعا من العشاء السري حيث يؤتى بحيوان هو رمز الإله الميّت فيُقتل ويؤكل لحمه ويُشرب دمّه كفعل رمزي للاتحاد الحقيقي بألإله. وفي غير هذه المناسبة فإنّ قتل هذا الحيوان وإكله يُحرّم تحريما باتّا. كما هو شأن حيوان الخنزير المحرّم أكله لدى السوريين من عبّاد ادونيس إلّا في طقس العشاء السري، ولدى المصريين أيضا إلّا خلال الطقوس المشابهة الخاصة باوزوريس.
لقد تبنّى اليهود هذا التحريم اقتداء بالمصريين وجيرانهم السوريين دونما سبب واضح ثمّ جاء الدين الإسلامي وتبنّى تحريم اكل لحم الخنزير بتأثير الدين اليهودي.
في هذا الجو الثقافي المشبّع بديانات الاسرار وجيش ألآلهة المخلّصين ظهرت المسيحية إلى الوجود. وكان اتباع المسيح في البداية هم قلّة من اليهود المشبّعين بالافكار المهدية التي كانت من القوة في تلك الآونة بين جماعة اليهود لدرجة كان معها ظهور المهدي المنتظر او المسيح المرتقب متوقعا في اي لحظة او ساعة لينقذ الشعب من إضطهاد الرومان ويبني ملكوت الرب في الارض.
ولم يعتقد هؤلاء في البداية انهم انما ينتسبون لدين جديد بل نظروا لانفسهم دوما على انهم فرقة متميزة في الدين اليهودي القديم، ورغم ان المسيح قد خيّب آمال الكثيرين في ذلك الوقت عندما ترك نفسه للصلب والموت، فإنّ من بقوا على ايمانهم رأوا أنّ المسيح قد غادرهم لانّ الناس ليسوا بعد على مرحلة تؤهلهم للدخول في ملكوت الرب وان عليهم ان يتطهروا قبل ان يعود المسيح اليهم مرة ثانية.
إلّا أنّ المسيحية لم تحافظ على وضعها هذا بإعتبارها فرقة يهودية صغيرة لاسباب متعددة:
1-لم يتحوّل للإيمان الجديد سوى قلة من اليهود.
2-تأخرت عودة المسيح الى درجة كبيرة.
3-تدمير مدينة اورشليم اثر ثورة مسلّحة قام بها اليهود على الرومان وتمّ بذلك توجيه ضربة قاضية على آمالهم القومية.
4-اثبتت تعاليم المسيح انها اشمل واوسع من التفسيرات اليهودية الضيّقة فبدأت بالانتشار في الاصقاع المجاورة والبعيدة. وقد انتشرت المسيحية اولا لدى بعض افراد الجالية اليهودية في اصقاع الامبراطورية الرومانية ولكنها ما لبثت ان انتقلت الى افراد من غير اليهود واخذت تشكّل تدريجيا دينا قائما بذاته منفصلا عن اليهودية.
لقد ساعدت تعاليم بولص الرسول الى حد كبير في تدعيم هذا الانفصال.
وبدخول الغرباء الى المسيحية اخذت المسيحية تغدوا غريبة عن اليهودية، ولمّا كان هؤلاء الغرباء بعيدين كل البعد عن فكرة المهدي او المسيح المنتظر الذي ينقذ شعبه من الاضطهاد ويعيد بناء امجاده، فقد قاموا بصياغة فكرتهم الخاصة عن المسيح وطبيعته ودوره.
ولأنّ معظم من دخلوا في الدين الجديد كانوا اتباعا لديانات سرية كالاورفية وديانة ميثرا ولأنّ جوهر العام لهذه الديانات هو المسيطر على افئدة الناس في تلك الآونة، ولأنّ الرسل الاوائل ارادوا اجتذاب الجماهير باسلوب يالفونه وبصيغ اعتادوا عليها، (كل دين جديد يحافظ على بعض معتقدات وطقوس الشعوب التي ينشأ الدين في ظهرانيها فالإسلام مثلا حافظ على بعض الطقوس الوثنية الموجود في عبادة الحج كالصفا والمروة وتقبيل الحجر الاسود)، لهذا كله فقد نحت المسيحية منحى الديانات السرية وتبنت كل ما استطاعت ان تتبناه وما يتلائم معها من طقوسها ومعتقداتها. فتحوّل المسيح من مبشّر يهودي الى إله ميّت. وهو كمن سبقه من الآلهة المخلّصة اله ابن يلد من عذراء ويبشّر برسالة جديدة ثمّ يُعاني ويتألم ويموت، ولكنه يتغلّب على الموت ويصعد منتصرا من عالم الاموات حاملا الخلاص والحياة الابدية لمن آمن به، ولكن خلاص المسيحي لا يعتمد على الاتحاد الجسدي بالإله عبر مجموعة من الطقوس، كما هو الامر في الديانات السرية، بمقدار ما يعتمد على الحياة الاخلاقية القويمة.
لقد كافح الدين الجديد كفاحا مريرا ضد الديانات الرسمية للامبراطورية الرومانية ولكن كفاحه الاقوى والامر كان كفاحا صامتا لا عراك فيه ولا دماء ضد الديانات السرية، ولعل اقوى تلك الديانات التي نازعت المسيحية فترة طويلة من الزمن على الفوز بقلوب الناس كانت ديانة (ميثرا) الشديدة الشبه بالمسيحية والواسعة الانتشار في شتى انحاء الامبراطورية الرومانية.
هذا التشابه الغريب بين الديانتين اذهل المسيحيين انفسهم فاعتبروه من صنع شيطان رجيم. وكان الميثرويون يتهمون المسيحيين باقتفاء اثرهم واقتباس معتقداتهم، والمسيحيون بدورهم يردون الاتهام بمثله.
ولعل اثرا من ذلك العراك الطويل ما زال ماثلا حتى ايامنا هذه وهذه بعض الامثلة:
1-العالم المسيحي يحتفل بميلاد المسيح يوم 25 كانون الاول وهو يوم الانقلاب الشتوي حيث تصل الشمس الى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، وحيث يصل النهار آخر اشواطه في القصر ويبدا بعد ذلك بالامتداد على حساب الليل. هذا اليوم بالذات أُعتبر دوما في الديانات الشمسية عيد ميلاد للشمس فيه تتجدد قوتها وتستعيد عزمها لمقارعة قوى الظلام..
لقد اقترنت عبادة ادونيس في سورية واوزوريس في مصر في فترات متأخرة بالشمس. فالسوريون ليلة 25 كانون الاول كانوا يحتفلون بمولد ادونيس فيجتمعون في المعابد ويصرخون عند منتصف الليل: ( لقد انجبت العذراء ابنا والنور ينتشر) والمقصود بالعذراء طبعا هو آلهة الشرق الكبرى عشتار او عستاروت التي يدعوها الساميون بالسيدة السماوية او ملكة السماوات، فالعذراء لقبها والعذرية جوهرها رغم كونها آلهة الحب، لانها معطاء دون ان تنقص.
2- عيد الفصح يعطينا مثلا آخر على تبني المسيحية للمناسبات والاعياد الخاصة بديانات الاسرار. فعيد الفصح هو عيد قيامة المسيح من بين الاموات بعد ما عاناه في يوم الجمعة الحزينة على درب الالام وقد تبنت الكنيسة يوم 25 آذار عيدا للفصح، وبذلك يكون بعث المسيح هو بعث ربيعي، شأنه في ذلك شأن آلهة الخصب القديمة والمخلّصين الاوائل وخصوصا اودونيس وآليس الذي كان يحتفل عُبّاده بقيامته فيما بين يوم 24 و 25 آذار.
وبعيدا عن هذين العيدين الرئيسيين فاننا نجد اعيادا وثنية اخرى قد حُورت وأُسبغت عليها الصفة المسيحية، فعيد الآلهة ديانا قد اصبح عيد صعود السيدة العذراء، وعيد الاموات قد اصبح عيد القديسين.
أمّا الام الكبرى او القوة الاخصابية الكونية المتمثلة بآلهة الحب العذراء فقد حلّت محلها السيدة مريم العذراء التي دُعيت بسيدة السماوات وهو اللقب الرئيسي للآلهة عشتار.
وليس الصليب نفسه كرمز للسيد المسيح بالرمز الجديد في عالم الديانات القديمة، فقد اقترن الصليب بعدد من آلهة الخصب الشرقية القديمة، فهو رمز ألاله (أندارا) أحد اشكال الاله بعل او حدد، والصليب ايضا رمز الآلهة الفينيقية (بارات) آلهة مدينة بيروت، واحد اشكال آلهة الخصب عشتار او عشتروت.
إنّ شكل الصليب هو الاصطلاح الدال على الخصب في اللغة السومرية.





مصادر البحث:
ألإناجيل
مغامرة العقل الأولى...... فراس السوّاح
لغز عشتار...... فراس السوّاح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لازالت الطريقة تمارس حتى اليوم
طريف سردست ( 2012 / 2 / 13 - 15:19 )
الاستيلاء على رموز الديانات القديمة وجعلها من ضمن رموز الدين الجديد طريقة لازالت متبعة في المسيحية لنشر وتمكين الدين بين ابناء المؤمنين الجدد. ذلك نراه بوضوح في امريكا اللاتينية بين الشعوب الاصلية. هناك نجد ان الاعياد القديمة تقبلتها الكنيسة واصبحت تقام في الكنيسة نفسها وبرعاية قسسها.
بل وحتى اعلام ورموز الهنود الحمر القديمة اصبحت مرفوعة على جدران الكنيسة. بهذه الطريقة يصبح تقبل الدين الجديد اسهل. ومع الاجيال ينسون اديانهم القديمة.. بل ويصبح من الاسهل التخلي حتى عن الرموز القديمة على الرغم ان ذلك يم يعد مهم. فالعبرة في المعنى الجديد وليس القديم


2 - عيد الفصح
ALP ( 2012 / 2 / 13 - 19:46 )
شكراً.... مقال جميل ومفيد

ولكن اسمح لي بمداخلة صغيرة ، فعيد الفصح اليهودي والذي يقابله عيد القيامة المسيحي ، على

أعتبار أن المسيح صلب في عيد الفصح ، فهو شمسي قمري في نفس الوقت ويحسب في أول

يوم أحد بعد أول بدر بعد الاعتدال الربيعي والذي هو يوم 21 أذار ، لذا تراه يتقدم ويتأخر كل سنة

ويصل التفاوت أحياناً الى خمسة أسابيع بسبب تخلف القمر عندما يكون بدراً كل سنة

تقبل مودتي


3 - فيها السمو
وليد حنا بيداويد ( 2012 / 2 / 13 - 22:31 )
شكرا للجميع وللكاتب، التعاليم المسيحية من دون شك ومن الدفاع عنها تعاليم المسيحية الا ان فيها السمو و الرقى والقيمة الانسانية للعقل الانسانى والحقوق، لا يوجد فكر ودين يرتقى بالانسان مثلما هى المسيحية
مع احترامى للكل


4 - الفرق بين الإنجيل و الأساطير
أسعد أسعد ( 2012 / 2 / 14 - 02:56 )
بصراحة بحث رائع أهنئك عليه و أضيف عليه قصة إيزيس و أوزوريس و قيامة أوزوريس من الموت
إلا إن هذه الأساطير إن دلت علي شئ فهي تدل علي أن هناك أمر يتردد في الضمير و الفكر و العاطفة البشريه مضمونه هو فداء الخالق لخليقته من الموت الأبدي ببذله لذاته و كما عرضت أنت في بحثك فقد تشكلت الأساطير التي تحمل هذا المعني بحسب بيئة و أزمنة الثقافات المختلفة
إلا أن ما يميز الإنجيل أو المسيحية عنها هو أمران
أولهما هو النبوات التي وردت علي ألسنة و في كتب أنبياء اليهود عن المخلص المرسل من الإله يهوه الخالق الباري المسيطر و المهيمن و بينت قصة الخليقة في أصلها ثم سقوط الإنسان و إعلان الفداء كما في سفر التكوين أصحاح 3 ثم توالت النبوات تصف الحدث المستقبلي بدقة و أهمها سفر أشعياء أصحاح 53
ثانيا بخلاف قصص الأساطير التي عرفتها البشرية فإن ميلاد المسيح يسوع و حياته و موته و قيامته و صعوده مسجل تسجيلا تاريخيا كحوادث فعليه في الزمان و المكان و ليس كباقي الديانات مجرد أساطير خياليه
أما تاريخ الإحتفال بعيد الميلاد حاليا فهذا صحيح إنه مأخوذ عن ديانه ميثرا أما القيامه فهي مرتبطه بالفصح اليهودي
أنت رائع شكرا

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran