الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حدود الجسد العربي

كامي بزيع

2012 / 2 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يشعر الاوروبي او الاميركي بانه يريد ان يكون وحيدا، بمفرده معزولا، فانه يدخل غرفته ويغلق بابها، فيعرف كل من في البيت بانه لا يريد ازعاجا وانه يريد ان يكون على انفراد. يستعمل المكان كملجأ، يحميه من الاخرين، من الخارج، ذلك ان حدود شخصيته وامتدادها تشمل ايضا مكانه الخاص، فتتحول غرفته الى جسده نفسه، حيث على الاخرين احترامها وعدم التطفل عليها، لان المحيط الخاص بالجسد يرتبط بالجسد نفسه، وان اي لمس او اقتراب من هذا المحيط انما هو مساس بالفردية واختراق للخصوصية وانتهاك للحميمية، حتى لمس الثياب نفسها يندرج في هذا السياق.
ان العربي لديه مفهوم مختلف للشخصية بعلاقتها مع الجسد، فالشخصية لا تكمن في الجسد او في امتداداته "الاقليمية" انما في مكان عميق في "الداخل"، حيث مساس الجسد لا يشكل بالنسبة اليه اهانة او تعدي كما بالنسبة الى "الغربي"، فالجسد ليس امرا مقدسا كما الروح، بل هو شيء بخس وفان، وبالتالي نجس، والعمل يكون دائما بتنظيف الجسد، حيث تشكل طهارته احد شروط قبول الصلاة.
يقول ادوار هول في كتابه "البعد الخفي": "ان شخصية العربي تتموضع في جزء ما داخل جسده، ومع ذلك، فاناه الشخصية ليست مخفية بالكامل، بل يمكن بسهولة الوصول اليها عبر الشتيمة". اذن هو محمي بوجه اللمس لانه لا يهتم بالجسد، لكنه ليس محميا بوجه الكلمة، ان العربي الذي فضاء جسده غير واضح المعالم مكانيا، وكنتيجة لذلك لا يعير اهتماما الى فضاء جسد الاخرين، يمكن انتهاك حرمته الشخصية عبر الكلمة والمثل يقول "من لا تقطع به الكلمة ، لا يقطع به السيف" في اشارة الى تأثير وفعالية الكلمة التي لها قوتها بشكل تفوق فيه حد السيف.
اهمية الكلمة هذه هي التي تدفع الانسان العربي، عندما يريد ان يكون وحيدا، منعزلا، ومستنكرا، تدفعه ليمتنع عن الكلام، اي انه يلجأ الى "شريعة الصمت"، يأكل ويشرب ويتنقل، لكنه لا يتكلم، يمتنع عن الحديث، يتوقف عن المخاطبة مع اقرب المقربين اليه، واكثر من تمارس هذا الحق هي المراة، فالمرأة التي تعجز على ان تتخذ لها فضاء خاصا تعيش فيه بانعزال او انفراد، تلجأ الى الصمت، كان الكلام هو الفضاء الاجتماعي والتاريخي لا بل الشخصي الذي يشكل العلاقة مع الاخرين سواء في العائلة او في الشارع وهو الذي يحميها بوجه الحياة.
عندما يلزم المرء الصمت، فانه بكل المعاني يتوقف عن المشاركة، ويتخلى عن العيش الاجتماعي العام، لان الكلام هو العام، بل ينزوي بذاته وحميميته غاضبا او سعيدا، مستنكرا او متأملا، فحدود جسده انما تنفتح بالكلام وتنغلق بعدمه، وعندما يصمت يصبح بشكل او بآخر غير موجود، فكأنه يوجد بالكلمات، ويغيب بتغييبها، فيصبح الكلام هو حدود الجسد العربي الذي يتشكل ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ويصبح حضوره قائما عبره ومن خلاله، فيه تتشكل ذاته وتتمحور فرادته وحميميته فهي ملجأه ساعة تعز الاماكن وتضيع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -السيد- حسن نصر الله.. رجل عاش في الخفاء وحوّل حزب الله إلى


.. عاجل | حزب الله يؤكد مقتل حسن نصر الله في الضربات الإسرائيلي




.. عاجل | الجيش الإسرائيلي: نحن في حالة تأهب قصوى وهذا ما سنفعل


.. القبة الحديدية تعترض صواريخ في سماء رام الله أطلقت من جنوب ل




.. ‏عاجل | حزب الله: استشهاد حسن نصر الله