الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال الدين أفيون الشعوب1 (مستقبل -غاندي- 2 - 3)

أحمد عبد العزيز

2012 / 2 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحدث غاندي في الفصل الحادي عشر من كتابه (في سبيل الحق) عن رحلته إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه تحت عنوان "الاستعداد للسفر إلى إنجلترا". كان الكبار من أفراد أسرته يريدون له أن يستكمل دراسته في إحدى الكليات عقب حصوله على شهادة إتمام التعليم الثانوي، وكان أمامه كليتان يمكن أن يلتحق بإحداهما، واحدة في بهافنجار، والأخرى في بومباي، ولما كانت أولاهما أقل في مصروفاتها فقد استقر رأيه على أن يلتحق بها، وكانت كلية سامالداس، ودخلها، ولكنه وجد نفسه فيها في دوامة عنيفة من الارتباك، كان كل شيء فيها صعباً، حتى عجز عن متابعة ما يلقى فيها من دروس، فيروي غاندي: "ولم يكن الخطأ في ذلك خطأ الأساتذة، فقد كانوا من خيرة أساتذة الكليات، ولكنني كنت لا أزال فجاً لم أنضج بعد، وهكذا ما كاد ينتهي الفصل الدراسي الاول حتى عدت إلى بيتي".

كان لأسرة غاندي صديق قديم يتسم بالحكمة والمعرفة، ظل على اتصال بهم حتى بعد وفاة أبيه، وتصادف أن جاء لزيارتهم في فترة عطلته، وتطرق الحديث إلى السؤال عن دراسته، فلما علم أن غاندي التحق بكلية سامالداس قال مخاطباً غاندي وأمه وأخيه الأكبر: "لقد تغير الزمن، فلم يعد فيكم من يستطيع أن يصبو إلى منصب أبيكم الرفيع إلا من أوتي بسطة في العلم وتابع مراحل تعليمه على خير وجه، ولما كان هذا الصبي لا يزال في مراحل الدراسة فالواجب أن تتطلعوا إلى مستقبله حتى يستأثر بمنصب مثل منصب أبيه. إن تعليمه العالي هنا سيقتضيه أربع سنوات أو خمساً قبل أن يحصل على درجة البكالوريوس، وهي درجة تؤهله في الكثير لوظيفة مرتبها ستون روبية، لا إلى منصب من مناصب الوزارة، أما إذا سلك الطريق الذي سلكه ابني واتجه إلى دراسة القانون فإن الأمر سيقتضيه مدة أطول من ذلك، وفي تلك الفترة يكون قد تخرج حشد كبير من المحامين الذين يتطلعون إلى المناصب الرفيعة، لذلك أفضل أن تبعثوا به إلى إنجلترا، اتجهوا بنظركم إلى ذلك المحامي الذي عاد منها أخيراً وانظروا كيف يعيش عيشة راقية، إنه يستطيع أن يظفر بمنصب كبير بمجرد أن يطلبه. إنني أنصحكم بشدة أن توفدوا (موهانداس) إلى إنجلترا هذا العام، إن (كيفالرام) له أصدقاء عديدون فيها وهو سيبعث إليهم برسائل يوصيهم فيها به، وهكذا تصبح إقامته فيها سهلة ميسرة"، وانتقل (جوشي جي) –كما كانوا ينادونه- ببصره إلى غاندي وكله ثقة ويقين، ثم قال: "ألست تفضل أن تذهب إلى إنجلترا؟" فلم يكد يسمع غاندي منه هذا العرض حتى تشبث به وقال: "وخير البر عاجله"، أما أخيه فكان يفكر في كيفية توفير المال الذي يكفي لسد نفقات سفره وإقامته في إنجلترا، ثم هل من الحكمة إرسال شاب لا يزال في مقتبل العمر إلى الخارج وحده؟ وأما أمه فقد كانت تكره فكرة فراقه عنها، فأخذت تسأل أسئلة دقيقة، إذ كان قد بلغها من واحد من الناس أن الشباب يضلون الطريق السوي وهم في إنجلترا وبلغها من آخر أنهم يأكلون اللحم فيها، وبلغها من ثالث أنهم لا يستطيعون العيش فيها إذا هم لم يعاقروا الخمر، وسألته: " ما رأيك في كل هذا؟ فأجاب غاندي: "ألا تأتمنينني؟ إني لن أكذب عليك إطلاقاً، وأقسم لك على أنني لن أمس شيئاً من ذلك، ولو كان هناك خطر علي من ذلك أفكنتِ تظنين أن (جوشي جي) كان يسمح لي بالسفر؟" ردت: "إنني أأتمنك، ولكن كيف أأتمنك وأنت في بلد ناء بعيد؟ إنني في حيرة من أمري، ولا أعرف ماذا أفعل؟ وسأسأل في ذلك (بيشار جي سوامي)"، (بيشار جي) راهباً من رهبان الجينيين، وكان هو الآخر ناصحاً أميناً للعائلة، شأنه في ذلك شأن (جوشي جي)، فلما استشارته أم غاندي سارع إلى عونه، وهو يقول: "سأجعل هذا الصبي يقسم اليمين على أن يرعى العهود الثلاثة، ثم بعد ذلك يستطيع أن يسافر"، فأقسم غاندي أمامه على ألا يمس الخمر ولا يقرب النساء ولا يأكل اللحم، فلما فرغ من قسمه أذنت له أمه بالسفر.

وينتقل غاندي للحديث عن أهل طائفته التي ينتمي إليها، فقد كانوا في ثورة عارمة من جراء سفره إلى الخارج، فعقدوا اجتماعاً عاماً، وطلبوا منه أن يحضر، فيقول: "وحضرته بالفعل، وإن كنت لا أدري كيف استجمعت من الشجاعة يومها ما جعلني أذهب لمواجهتهم، لم أخش شيئاً وقتها ولم أشعر برهبة أو وجل، وتقدمت إليهم في غير تردد على الإطلاق".

تحدث الشيت (رئيس الجماعة) وكانت له بغاندي قرابة بعيدة كما كان على صلة طيبة بأبيه، بدأ يهاجم غاندي: "من رأي الطائفة أن اعتزامك السفر يتجافى مع كل رأي سديد، فديننا يحرم السفر إلى الخارج، وقد سمعنا فوق ذلك أن من المستحيل على المرء أن يعيش هناك من غير أن يتورط في أمور دينه، فهو لا مفر له من أن يأكل ويشرب مع الأوروبيين".

أجاب غاندي: "إنني لا أظن أن سفري إلى إنجلترا يتعارض إطلاقاً مع ديننا، إنني أعتزم السفر إليها لمتابعة دراستي وقد عاهدت أمي عهداً صادقاً على البعد عن أمور ثلاثة هي أخشى ما تخشونه، وأنا واثق من أن العهد الذي قطعته على نفسي سيجعلني في مأمن من الزلل".

وعاد الشيت يقول: "ولكننا نقول لك أن من غير الممكن المحافظة على دينك وأنت هناك، وأنت لتعلم صلتي بأبيك ويجب عليك أن تستمع إلى نصحي لك".

فرد غاندي: "إنني أدرك هذه الصلة، وأدرك أن لك في نفسي المكانة التي هي لكل من يكبرني سناً، ولكني لا أملك من أمري شيئاً في هذا الموضوع، ولن أستطيع أن أعدل عما اعتزمته من السفر إلى إنجلترا، إن صديق أبي وناصحة، وهو برهمي واسع العلم، لم يرَ في سفري إليها ما يجوز أن يكون موضع معارضة، وقد أذنت لي أمي وأخي فوق ذلك بالسفر".

يرد الشيت: "ولكنك في ذلك تعصي أوامر طائفتك".

يرد غاندي: "إنني في ذلك لا أملك من أمري شيئاً، ومن رأيي أنه لا ينبغي للطائفة أن تتدخل في هذه المسألة" أحنقت هذه العبارة الشيت، فجعل يسبه، وجلس غاندي ساكتاً لا يتحرك، فلم يسعه إلا أن يصدر أمره قائلاً: "يجب أن يعامل هذا الصبي معاملة المطرودين من الطائفة، وكل من يساعده في سفره أو يذهب لتوديعه في الميناء ستوقع عليه غرامة قدرها روبية واحدة وأربع أنات".

يعقب غاندي: "بيد أن هذا القرار الذي أصدره الشيت لم يكن له أثر في نفسي، فاستأذنته في الانصراف، دون أن أدرك ما عساه يكون وقعه في نفس أخي، على أن من حسن حظي أن أخي بقي ثابتاً لا يتغير فكتب إلي يؤكد لي رضاءه عن سفري على الرغم من الأمر الذي أصدره الشيت، وأبحرت أخيراً من بومباي في اليوم الرابع من شهر سبتمبر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل رجال الدين افيون الشعوب؟؟
فهد لعنزي السعودية ( 2012 / 2 / 18 - 05:14 )
للحقيقة اقول لو لم يكن الدين نفسه افيون الشعوب لما كان رجاله افيون مخدر. انظر لما يدور من حولنا وبالاخص في بلاد الحرمين الشريفين.السؤال لماذا الدين افيون الشعوب؟؟. لانه ببساطة غير واضح المعالم وغير متفق عليه (اي حمال اوجه).لدى يجب عزله عن الياة السياسية وجعله شان شخصي بين العبد وما يعتقد.

اخر الافلام

.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل


.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة




.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س


.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر




.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا