الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكم التفتيش في ظل الربيع الإسلامي

زكرياء الفاضل

2012 / 2 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كان لاندلاع الانتفاضات الشعبية في العديد من بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط نتائج سلبية ووخيمة على الديمقراطية والتعددية الفكرية وحرية الاعتقاد، إذ استغلت الأصولية انعدام توفر قيادة موحدة للجماهير المنتفضة ضد الاستغلال والاستبداد لتنقض على السلطة، بتآمر مع الأنظمة المحلية والامبريالية الأمريكية والغربية، لتعرّج بها نحو شمولية القرون الوسطى. فانعدام القيادة، الذي اعتبره الكثيرون موقع قوة للانتفاضات، في الحقيقة كان نقطة ضعف الجماهير المحتجة لعبت عليها الأنظمة الرجعية للحفاظ على سلطتها واستمرارية استبدادها واستغلالها للكادحين. فقد ضحّت الأنظمة الشمولية في تونس ومصر وليبيا (ونوعا ما بالمغرب) بقمة هرهما، لكنها حافظت على بنيانها وبنيتها بلبسها قناع الأصولية ومن تم الاستمرار في نفس النهج الطبقي في هذه المرة بنكهة دينية. فما كان من الصعب على أنظمة الرؤوس المخلوعة، أو التي لا تزال قائمة، فرضه نظرا للضغوطات الخارجية حول حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية التعبير والاعتقاد، بات اليوم بفضل وصول التيارات الأصولية إلى سدة الحكم سهل المنال وذا مناعة عقائدية من الصعب اختراقها، إذ يدخل الأمر في حرية الاعتقاد والخيار بما أن هذه التيارات وصلت بشكل "ديمقراطي" للسلطة. وها هي اليوم تكشف عن وجهها الحقيقي شيئا فشيئا من المحيط إلى البحر الأحمر وستصل إلى الشام غدا.
مع وصول الساسة الملتحين، أصحاب فتاوي شرعية نكاح بنات سن التاسعة، وجماع جثة الزوجة، وشرعية ضرب الزوجة واغتصابها (وقد ذهب أحدهم إلى حد تشبيه المرأة بالدابة والبعير وقد نسي أنه قد ولدته امرأة)..، بدأت مجتمعاتنا تتراجع إلى ظلامية القرون الوسطى، إذ شن رئيس الحكومة المغربية السيد بنكيران حربا على الإعلام المستقل ووصفه بالعدو خاصة الإلكتروني، الذي من الصعب إخضاعه للرقابة المخزنية. فقد اعتقلت الحكومة الملتحية شابا مغربيا وحكمت عليه بالسجن النافذ لسنة بسبب كاريكاتير عن الملك، وحكمت على آخر من تازة بثلاث سنوات سجنا نافذا لنتعته عاهل المغرب بالديكتاتور، وقرصنة المخابرات المخزنية مواقع إعلامية إلكترونية منها صفحة تلفزيون الشعب على الفايس بوك والمجلة الفكرية الإلكترونية "ريشة بريس" ومواقع أخرى ولا نعلم على من سيكون الدور غدا؟
هذا بالنسبة للمغرب، بالنسبة لتونس فقد أصبح التيار السلفي يحاول فرض قوانينه وتشريعاته على بعض المناطق التونسية ضاربا عرض الحائط الدستور والقوانين المدنية والحضارية.
للأسف لم تنج أم الدنيا، هي الأخرى، من انتشار موجة الظلامية في فضائها المكهرب، حيث حوكم غيابيا النجم السينمائي عادل إمام بتهمة ازدراء الدين الإسلامي في أعماله الفنية (كالإرهابي مثلا)، وأصدرت المحكمة في حقه حكما يقتضي سجنه ثلاثة أشهر مع دفع غرامة 1000 جنهيه مصري.
من شاهد فيلم "الإرهابي" وغيره سيعلم أن عادل إمام لم يتهجم على الدين، بل انتقد الفكر الديني المتطرف، الذي يزدري الحضارية والإنسانية وينشر الكراهية والطائفية أي مكونات الفتنة بين أبناء الشعب الواحد. ونتائج هذا التطرف الفكري تجسدت لنا جميعا من خلال نار الفتنة التي كادت تشتعل بين الأقباط والمسلمين.
فمتى كانت مناهضة ومقاومة ومحاربة التطرف والكراهية ازدراءا للدين؟؟؟؟؟
إن ما يحصل الآن بالبلدان التي وصل فيها الملتحون إلى السلطة ليكشف على حقيقة عقيدتهم الظلامية وبنيتها الإقصائية ونهجها العنيف. فقرار المحكمة ليس فتوى قد تصدر عن شيخ لا يمثل إلا نفسه أو أتباعه، فالمحكمة هي إحدى سلط الدولة الثلاث التي تعكس طبيعة توجه هذه الدولة.
إن حادثة محاكمة عادل إمام لا يجب أن تمر هكذا فهي واقعة جد خطيرة، إذ تعيدنا إلى القرون الوسطى عندما كان يحارب كل ذي فكر حر لا يتماشى وإيديولوجية الكنيسة بأوروبا، إنها الحرب على الساحرات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر


.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا




.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت


.. 108-Al-Baqarah




.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل