الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يؤدي أدونيس العمرة؟

منى زكي

2005 / 1 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في صحيفة "الرياض" السعودية أوضح الكاتب محمد رضا نصر الله، وكان ينقل عن زميله نايف رشدان الذي غطى مهرجان قطر الثقافي الأخير، أنّ الشاعر السوري ـ اللبناني أدونيس أعلن رغبته في أداء العمرة وزيارة مسجد رسول الله. وكتب رضا نصر الله: "قد يكون هذا لدى الكثيرين حدثُ الموسم الأدبي على مستوى الساحة العربية!"، نظراً لما عُرف عن الشاعر من "إشكاليات معرفية" ضمَّنها كتابه "الثابت والمتحول"، اعتبرها البعض "خروجاً عن المعتقد".
ولا شكّ أنّ اعتزام أدونيس اداء العمرة سوف يكون، إذا صحّ، حدث الموسم بامتياز. العمرة، بالطبع، واحدة من الشعائر الإسلامية الأساسية، وهي سنّة مؤكدة أوجبها بعض الفقهاء (أبو حنيفة، والشافعي، وابن حبيب المالكي) مرّة في العمر. ورضا نصر الله يبدو سعيداً بقرار أدونيس، الأمر الذي لا يفاجيء احداً بطبيعة الحال، خصوصاً حين يتذكر المرء الحديث النبوي الذي أورده مسلم: "العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما، والحجّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة". لا أحد، بالتالي، يكره لأخيه أن تُمحى ذنوبه في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة، ولسنا نكره ذلك لأدونيس أيضاً يالتأكيد.
غير أنّ الشرط الجوهري أن يكون المعتمر مؤمناً بالله وبكتابه، مسلماً أمره للواحد الأحد، ويصعب بالتالي أن يكون المعتمر ذاته علمانياً يفصل بين الدين والدنيا ولا يضع النصّ الديني الإلهي في منزلة لا تُمسّ، وفي مرتبة أعلى من النصّ الدنيوي الإنساني، حصينة مقدّسة مغلقة ثابتة... فكيف إذا كان المعتمر أدونيس، صاحب "الثابت والمتحوّل"؟
ذلك، إذا وقع، ليس حدث الموسم فحسب، بل حدث الحداثة العربية بأسرها!
هذا هو السبب، ربما، في أن رضا نصر الله يلتمس الأعذار لأدونيس على النحو التالي، غير المقنع في الواقع:
ـ أدونيس قدّم "دراسة أدبية" عن القرآن الكريم،
ـ و"عكف على إعادة قراءةٍ لفكر النهضة العربي، باختياره رموزاً إصلاحية وفكرية وشعرية، مقدماً في سلسلة من الكتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والشيخ محمد عبده وأحمد شوقي وغيرهم"،
ـ بل إنه في تجربته الشعرية "زاوج بين مدرستين متباينتين حين جمع إلى تقنية الشاعر الفرنسي سان جون بيرس في صياغة الصورة الشعرية، فيوض شعراء الصوفية وأدبائها خاصة النفري"،
ـ ودراساته في تراث العرب الشعري والفكري قرّبته من "روح الشخصية العربية المسكونة بالتديّن"،
ـ ولهذا "علينا أن لا نستغرب رغبة أدونيس في أداء العمرة وزيارة النبي، ولا نعتبر ذلك فتحاً مبيناً. ذلك أن أي مفكر صادق وأديب حقيقي، لن تكتمل تجربته الباحثة عن قيمة ومعنى، إلا بعد رسوها على شاطئ الإيمان. وتلك نعمة من الله يهدي بها من يشاء الهداية، ويضلّ من يشاء الضلال"...
كلّ هذه المقدّمات مشروطة بتفصيل بسيط هو أن يوافق عليها أدونيس نفسه، أو أن تكون هذه هي قناعاته الإيمانية الآن بالذات إذْ يخطو نحو الخامسة والسبعين، مدّ الله في عمره. والحال أنّ العكس هو الذي يضعه أدونيس بين أيدينا في هذه الايام بالذات، وساضرب مثالين أعتقد أنهما يحملان الكثير من المغزى في هذا النقاش.
المثال الأول هو الحديث الذي أدلى به أدونيس إلى صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية ونشرته "النهار" اللبنانية بترجمة مدني قصري، والذي يعكس روح العلمانية القصوى منذ عنوانه: "أدونيس: الإنسان مركز الكون"! وفي الحوار يقول أدونيس: "الشخص في الإسلام يعيش لكي ينجز ما هيّئ له سلفاً. والحال أن الهوية خلق دائم، فالكائن البشري يخلق هويته حين يخلق عمله".
ويقول أيضاً: "كان كل الشعراء الكبار ضدّ الوحي لكنهم لم يجاهروا بذلك صراحة. كانوا يقولون ذلك داخل حياتهم الخاصة. كانوا يسعون إلى خلق وحيهم الخاص بهم، أي قرآنهم. إني أتحدث عن كبار الشعراء من أمثال أبي نواس وأبي تمام والمعري والمتنبي. وبالمثل انشأ الصوفية تصورهم الخاص بالإله. لا صلة له بتصوّر القرآن. من هنا إذن كان تصوّر جديد في العلاقات ما بين الإنسان والله ورؤية جديدة للقيم وللحقيقة لم يُفصَح عنها في شكل نهائي. وكانت هذه ثورة معرفية داخل الإسلام. أما الذي خلق عظمة الشعر فليس الدين، بل على العكس".
المثال الثاني هو المحاضرة التي ألقاها أدونيس في لبنان مؤخراً أيضاً، برعاية متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة، ونشرتها صحيفة "النهار" أيضاً، أوضح فيها معنى ما أسماه "النظرة الأوحدية الدينية، بنية وممارسة، استناداً الى الرؤية الدينية الوحدانية الإلهية للإنسان والعالم". وقال أدونيس:
"قامت هذه الرؤية الوحدانية في صورتها الأكثر إحكاما ودقة على ما يلي:
1 - رسالتها هي الرسالة الالهية الاخيرة.
2 - النبي الذي نقلها او بلّغها هو آخر الانبياء. أو هو، وفقاً للمصطلح الإسلامي، خاتم الأنبياء، ورسالته هي، طبعاً، خاتم الرسالات، كذلك".
وفي نظر أدونيس، "يعني ذلك أمرين أساسيين:
الأول - ليس للإنسان ما يقوله، أو ليس لديه ما يضيفه إلى الرسالة الإلهية. فبين هذه الرسالة التي هي كلام الله، والأشياء تطابق كامل ونهائي، من البداية وإلى نهاية العالم. وليس على الإنسان، اذاً، إلا أن يؤمن، وأن يفسر ويشرح. أما التأويل ففيه نظر، وهو موضوع خلاف، لأن فيه شيئاً من عند الإنسان يزعم أنه يضيف جديداً إلى المعرفة التي هي من عند الله.
الثاني، الله نفسه لم يعد لديه ما يقوله، من حيث أنه أعطى كلامه الأخير لنبيه الأخير. فالعالم معروف سلفاً. والمعرفة بحقائقه أعطيت مرة واحدة وإلى الأبد من قبل الله، بوساطة الوحي".
وأخيراً، يعتبر أدونيس أنّ "لهذه الرؤية، على الصعيد المعرفي - الوجودي، أربع خصائص تتجلى في الممارسة: الأولى، هي أن الحقائق قائمة مُعطاة، مسبقاً، بشكل كامل ونهائي. الثانية، أعطت هذه الحقائق أصوات نبوية، أي أصوات لا تخطئ. الثالثة، الكلمة، اذاً، أكثر واقعية من الشيء. بل الكلمة هي نفسها الواقع. الرابعة، الخطاب، تبعاً لذلك، هو الذي يصنع الوجود". والزبدة في أفكار أدونيس هي التالية: "العالم، إذاً، موجود كله، بداية ونهاية، في هذه الرؤية، أي في كلامها، في الوحي. والحقائق، تبعاً لذلك، لا تجيء من الطبيعة من الأشياء، وإنما تجيء من اللغة. فالوحي - اللغة هو المرجع الأول والأخير".
هل هذا خطاب رجل ينوي أداء العمرة؟ أشكّ شخصياً، وبقوّة، في انتظار إيضاحات من أدونيس تضع النقاط الحروف. الأمر الذي لا يمنعنا من استذكار الآية القرآنية التي تخاطب رسول الله: "إنك لا تهدي من أحببت ولكنَّ الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين"...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا| ما أثر قانون -مكافحة الانفصالية الإسلامية- على المسلم


.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا




.. 251-Al-Baqarah


.. 252-Al-Baqarah




.. 253-Al-Baqarah