الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال الدين أفيون الشعوب1 (مستقبل -غاندي- 3 - 3)

أحمد عبد العزيز

2012 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحدثت في المقالين السابقين عن مقتطفات من حياة الزعيم الهندي "غاندي"، مر غاندي بالعديد من المواقف التي أثرت في حياته، لطالما دعا غاندي للتغير السلمي رافضاً العنف، تعلم منذ صغره التسامح الديني؛ تستوقفنا كلماته: "كل ذلك تجمع في نفسي وغرس في قلبي روح التسامح نحو جميع الأديان، إلا ديناً واحداً في ذلك الوقت، هو المسيحية، فقد كان له كراهية خاصة في نفسي يومئذ لسبب معين، ذلك أن المبشرين المسيحيين كانوا قد اعتادوا في تلك الأيام أن يقفوا في ركن قريب من المدرسة الثانوية، فينطلقوا في تبشيرهم، ويسخروا من الهندوس، ويستهزئوا بآلهتهم، ولم تحتمل نفسي ذلك، ولعلي لم أقف لأستمع إليهم إلا مرة واحدة، ولكن هذه المرة كانت كافية لأن تصرفني عن تكرار التجربة"، فما كان يفعله رجال الدين من المبشرين المسيحيين من استهزاء وسخرية بمعتقدات الهندوس في سبيل التبشير بالديانة المسيحية كان له أكبر الأثر في امتداد الكراهية لقلب غاندي، فبالرغم من أن جميع الأديان تهدف إلى نشر السلام والحب بين الجميع، فإن بعض رجال الدين يحاولون نشر معتقداتهم عن طريق السخرية من الآخرين، وإن كانوا قد ينجحون في التأثير على البعض، فإنهم لا محالة يؤججون نار الفتن والكراهية، وليست القضية في المعتقد ذاته قدر ما تكون في الفهم الخاطىء الذي ينبع من رجال الدين، فبعضهم يسعى لبسط سيطرته على العقول، ومن ثم تصبح جميع أقواله هي الحق عينه، وتصبح نواهيه هي الطريق الأمثل نحو النجاة، وفي نفس الوقت تتزايد الكراهية من بعض الأطراف الأخرى له، ولمن يتبعونه، بل يمتد الأمر إلى كراهية معتقداته، وإلى كراهية دينه الذي يدَّعي بأنه يسير على دربه.

ننتقل للحديث عن رحلة غاندي إلى إنجلترا لاستكمال تعليمه، وفي إطار استعداده للسفر، وبعد موافقة أمه وأخيه، جاء دور أهل طائفته التي ينتمي إليها، وانتقل الحديث ليأخذ شكلاً دينياً، لكنه في واقع الأمر عائقاً أمام استكماله لتعليمه، وبناء مستقبله، فكانت كلمات الشيت (رئيس الجماعة): "من رأي الطائفة أن اعتزامك السفر يتجافى مع كل رأي سديد، فديننا يحرم السفر إلى الخارج، وقد سمعنا فوق ذلك أن من المستحيل على المرء أن يعيش هناك من غير أن يتورط في أمور دينه، فهو لا مفر له من أن يأكل ويشرب مع الأوروبيين"، فهذه الكلمات تعني أن موقف الدين من استكماله لتعليمه في الخارج –وهو المصلحة- يستحيل عملياً، وأن الرأي السديد هو البقاء في الهند، ماذا لو لم يكمل غاندي تعليمه؟ كان من الممكن أن ينصاع غاندي لرأي طائفته، ويبقى في الهند، ويتعلم هناك، أو يبتعد عن التعليم، لكن طائفته -بل الهند بأسرها، لنقل العالم كله- كان سيفتقد لتعاليم معلم الإنسانية غاندي الذي أصبح بعدها زعيماً هندياً ومعلماً للأجيال، تسطر كلماته الكتب، ويلمع اسمه في كتب التاريخ، غاندي الذي أصبح أيقونة للسلام، كان من الممكن أن يُضيع الفرصة لاكتساب الكثير من الخبرات لأن رجال الدين لديهم رؤية أخرى تحول دون سفره.

ما بين الموقفين السابقين لعب رجال الدين دوراً سلبياً، لا زلنا نرى ما يتشابه معهما في واقعنا الحالي، فنرى من يسخر من معتقدات الآخرين، ثم يتحدث بكلمات تنبع من كتابه المقدس، ويتغاضى عن كلمات أخرى تحثه على نشر الحب والسلام والعدل، يمكننا العيش في صدام، وتحيطنا الكراهية والحقد، لكننا لن نتقدم خطوة للأمام، بل سنظل ندور حول أنفسنا.

أما عن موقف الدين من التعليم، أو رأي بعض رجال الدين الذين يقحمون أنفسهم في أمور تتعلق بمستقبل الآخرين، فيتحدث البعض عن أن الدراسة بهذه الكلية حرام، كما سمعنا عن كلية الحقوق على سبيل المثال، أو يتحدث آخرون في سياق الحديث عن مناهج التعليم بأنه ليس كل ما يصلح للرجل يصلح للمرأة.

في أحد المرات قابلت شاباً ليبياً أتى إلى مصر ليكمل دراسته، أتى ليدرس العلم الشرعي مع أحد الشيوخ –على حد قوله- بعد أن ترك كلية الهندسة في ليبيا، سألته: لماذا تركت كلية الهندسة؟ تحدث عن التبرج والاختلاط والمجون، وأن الطريق السوي في دراسة العلم الشرعي، فكرت وقتها: ماذا إذا ترك الجميع دراستهم وذهبوا فقط لتعلم العلم الشرعي؟

بالعلم والتكنولوجيا يمكننا أن نُحدث تقدماً كبيراً، كما يمكننا أن نلحق بركب الأمم المتقدمة، لكن الدور السلبي الذي يلعبه رجال الدين في التأثير على المجتمع والحديث باسم الدين لتحريم هذا، والدفع نحو ذاك، ولا يزال ملف العلم صاحب الأولوية الأولى في الدول النامية.

إذا كانت سخرية رجال الدين من بعض المعتقدات قد تؤدي إلى انتشار الكراهية والحقد، كما أن التشدد الديني أيضاً قد يؤدي إلى النتائج ذاتها، فإن مجموع ذلك يؤدي في النهاية إلى انتشار التعصب والقتل، وهو ما حدث مع الزعيم الهندي "غاندي" الذي تعرض في حياته لست محاولات لاغتياله، وقد لقي مصرعه في المحاولة السادسة.

لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى، فأطلق أحد الهندوس المتعصبين النار على غاندي، فسقط صريعاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مكتوب عندهم -واضطروه الى اضيقه-
حكيم العارف ( 2012 / 2 / 22 - 03:25 )

استاذ احمد كتب الاتى- ما كان يفعله رجال الدين من المبشرين المسيحيين من استهزاء وسخرية بمعتقدات الهندوس في سبيل التبشير بالديانة المسيحية كان له أكبر الأثر في امتداد الكراهية لقلب غاندي، فبالرغم من أن جميع الأديان تهدف إلى نشر السلام والحب بين الجميع، -


يا استاذ احمد ... عمرى فى حياتى ماشفت اللى انت كتبته بالنسبه لرجال الدين المسيحى (المبشرين المسيحيين) ... اذا كان المسيحى العادى يحب الاخرين فكيف لرجل دين مسيحى !!!..

ربما انت تتكلم عن رجال دين اخرين مكتوب عندهم -...واضطروه الى اضيقه-.
او ربما مكتوب -كفر الذين قالوا ....-
او ربما مكتوب - ....حتى يعطوا الجزيه عن يد وهم صاغرون-

او تحريضهم على اضطهاد وكراهية الاخر!!


2 - صحيح
محمود ( 2012 / 2 / 22 - 09:28 )
أوافق الكاتب بأن رجال الدين عامة- يستخدمون اسلوب الاستهزاء وسخرية عند الرد على اصحاب الحجج العقلانية

اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك