الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البارزاني و-ضيعة- كردستان

هوشنك بروكا

2012 / 2 / 23
القضية الكردية


ككلّ "مواطن رقمي"، في هذا الفضاء الرقمي المفتوح، عُلمت بخبر دخول رئيس حكومة كردستان(للمرّة الثالثة) نيجيرفان بارزاني مع مواطنيه في هذا الفضاء، ك"رقم" يأخذ ويعطي، يقوم ويقعد معهم في "جمهورية الفايسبوك الرقمية".

لا شكّ أنّ هذه ليست المرّة الأولى التي يفاجئنا فيها البارزاني الحفيد نيجيرفان ب"طلعاته" الخارجة على التقليد؛ تقليد الماضي، حزباً وعشيرة. فهو سبق ودخل دخلات "حداثوية" أخرى، على الخط مع مواطنيه، في كردستانه الماضية إلى أكثر من تقليدٍ.
فهو أول من كسر تقليد العشيرة، وذهب لأول مرّةٍ في تاريخها، مع عقيلته نبيلة خان(إبنة عمه مسعود بارزاني) إلى صندوق الإنتخابات، للإدلاء بصوتهما، وفقاً لأعراف الديمقراطيات الحديثة.
كما كان أول مسؤول رفيع من وزنه، في كردستان وحواليها، تحدث في حوارٍ مفتوحٍ مع صحيفة الشرق الأوسط(03.07.08)، عن "جميلاته"، قائلاً بأنه "يسمع ويتلقى عبارات غزل من نساء مختلفات، عراقيات وعربيات وكورديات، وغيرهن، ولكن بشكل غير مباشر".

والآن على ذات التقليد الخارج على كلّ قديمٍ، يحاول نيجيرفان بارزاني الخروج من تقاليد وقوالب وغيتوهات الحكومات القديمة، للدخول مع مواطنيه، في "حكومة رقمية" حديثة، وذلك عبر استخدامه لأحدث وسيلة اتصالٍ ممكنة معهم، إلا وهي الفايسبوك.
هذه لا شكّ، إيجابية ومزية حداثوية تضاف إلى رصيد البارزاني الشاب، الذي يوصف على مستوى البعض السياسي في الغرب المفتوح، ب"رجل الدولة المنفتح".

كتب بارزاني على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي(الفايسبوك): "انه سيكون سعيداً اذا قام المواطنون بطرح وجهات نظرهم وآراءهم وافكارهم واقتراحاتهم وانتقاداتهم على صفحته"، مؤكدا بأنه "سيستقبل منهم كلّ شيء جديد، بكل رحابة صدر لمشاركته، في رسم خطة عمل الحكومة، لتنفيذ المشاريع وتقديم مختلف الخدمات لإقليم كوردستان". وذلك لأن "السلطة والجماهير"، حسب قناعته، "مكملتان لبعضهما البعض، ومنبثقتان من منبع واحد، وتنظران إلى المستقبل معاً".
ولأنّ البارزاني نيجيرفان "مقتنعٌ" بأنّه "من المستحيل أن تكون الأفكار ووجهات النظر المختلفة سبباً لتفكيك اللحمة الاجتماعية الجميلة في اقليم كوردستان"، آثرت أن أدلو بدلوي، في "مبادرة" بارزاني الرقمية الجديدة هذه، ك"مواطن رقمي" في "جمهورية الفايسبوك الرقمية الديمقراطية العظمى"، لعلّي أضيف شيئاً، يفيده ويفيدني ويفيد كردستانه وأكرادها.

جميلٌ هو بالطبع، أن ينزل بارزاني من "عرش" كردستان، إلى "قاع" الفايسبوك، ويدخل مع أكراده الرقميين، ك"رقم حاكم" متساوٍ مع "رقمٍ محكوم".
لكن السؤال هو: هل هذا الدخول الرقمي ل"البارزاني الرقم"، مع أكراده الرقميين، كافٍ لردم الهوة الفظيعة، بين "كردستان بارزاني" التي تحبو على الأرض، وكردستانه الطائرة في فضاء الفايسبوك؟

بالطبع لا.. ووراء "لاء" الطويلة جداً هذه، يقبع أكثر من سببٍ، مربوطٍ بأكثر من ديكتاتورية نائمة، في أكثر من عسلٍ.
والحالُ، فإنّ ما بين هذه "الديكتاتورية الكثيرة" في كردستان إذ تمشي على الأرض، وبين تلك الحرية الكثيرة، إذ تطير في سماء الفايسبوك، مسافةٌ كثيرة لعلّها تساوي تلك التي بين نيجيرفان، نائب عمه الرئيس مسعود بارزاني في الحزب، ورئيس الحكومة لثلاث مرات، وبين سردشت عثمان الصحفي "المقطوع من شجرة"، الذي قتُل في كردستان ثلاث مرّات، بثلاث طلقات، ل"ارتكابه" ثلاث مقالاتٍ، خرج فيها عن "بيت الطاعة" في كردستان.

قبل أن يدخل البارزاني نيجيرفان مع أكراده، ك"رقم فايسبوكي" مع أكراده الفايسبوكيين، ليفتح صدره لكلّ رقمٍ طليق، كي يشاركه "حكومته الرقمية"، فكراً ورأياً ونقداً، كان عليه أن يفعل ذات الشيء، على ذات الحرية وبذات الطلاقة، بأن يفتح عقله وقلبه، كذا بصره وبصيرته، لكردستانه التي يعيث فيها الفوق الكردي فساداً، والتي تذهب منذ حوالي عقدين من الزمان الكردي "الفاسد"، من فسادٍ عظيمٍ إلى فسادٍ أعظم، ومن هروبٍ كبير من الشعب إلى هروبٍ أكبر.
وهذا بالطبع، ليس بالكشف الغريب على معرفة البارزاني، وهو العارف الكبير بأحوال كردستانه، والعالم بأدق تفاصيل قيامها وقعودها.
كلّ من في كردستان وخارجها، يعلم أنّ البارزاني نيجيرفان، كان لا بدّ أن يكون رئيساً للحكومة للمرة الثالثة، لسببين أساسيين، لا ثالث لهما:
الأولّ: كنتيجة طبيعية لتنفيذ "الإتفاقية الإستراتيجية"، المبرمة بين حزب بارزاني وحزب طالباني، في 21 كانون الثاني 2006، والتي تقضي بحكم كردستان مناصفةً، بحسب الفقرة الثالثة منها، والتي تنص على أن "يكون رئيس البرلمان من الاتحاد الوطني الكردستاني ورئيس مجلس الوزراء من الحزب الديمقراطي الكردستاني لحين إجراء الانتخابات المقبلة لبرلمان كردستان في نهاية عام 2007، وسيشترك الحزبان بقائمة موحدة ومتساوية في الانتخابات القادمة، وعندها سيسند منصب رئيس البرلمان إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ومجلس الوزراء إلى الاتحاد الوطني ولمدة سنتين، وبعدها يتبادل الجانبان منصبي رئيس البرلمان ورئيس مجلس الوزراء، وفي حال عدم إجراء الانتخابات البرلمانية نهاية سنة 2007 أو توقع تأجيلها فإن عملية تبادل المنصبين ستتم أيضا بين الجانبين".
الثاني: لكون البارزاني نيجيرفان وريثاً لعمه، رئيس إقليم كردستان البارزاني مسعود، بعد أن عيّنه هذا الأخير نائباً له، في مؤتمر حزبه الأخير، ما أدى إلى فوزه بالمنصب بدون أدنى منافسة، وب"بمطلق الأصوات"، حسبما تناقلته وسائل أعلام الحزب، في حينه.

لهذين السببين الوحيدين، لم يكن أمام شعب كردستان، شاء من شاء وأبى من أبى، إلا أن يقبل برئيس الحكومة "الجديد القديم"، رغماً عن أنف الذي يريد أو لا يريد. أما من من لا يعجبه، من معارضة الداخل والخارج، فليس له إلا أن "يضرب رأسه في أقرب حيط"، أو "يبلط البحر"، على حدّ قول المثل.

مسرحيات حكومات البارتي الديمقراطي والإتحاد الوطني، "الجديدة القديمة" تذكرني بشخصية "المختار الجديد القديم" في مسرحية "ضيعة تشرين"(1974)، من تأليف محمد الماغوط، وبطولة دريد لحام ونهاد قلعجي وعمر حجو وآخرين، والتي تدور أحداثها حول الفترة ما قبل وما بعد حرب تشرين.
في مشهدٍ معبّرٍ جداً من مشاهد هذه المسرحية الرائعة، يجتمع أهل "ضيعة تشرين" على قرار "إسقاط المختار"، ثم يخرجون في مظاهرة أمام مقر "المختارية"، مرددين شعار "يسقط المختار". بعد وصول الخبر إلى المعني بالسقوط، أيّ السيد المختار، يخرج هذا الأخير عليهم، ب"صدرٍ رحب"، و"حبّ أرحب"، واعداً إياهم بأنه مستعدٌ أن "يكون معهم ضد نفسه"، ويبشرهم ب"التغيير" القادم، قائلاً:
"نزولاً عند رغبة الشعب لتغيير المختار فقد اتخذت الخطوات التغييرية التالية: أولاً، يعزل مأمور المالية من منصبه ويعين بدلاً عنه مأمور الطابو. ثانياً، يعزل مأمور الطابو من منصبه ويعين بدلاً عنه مأمور المالية"(في هذه اللحظة "التغييرية الحاسمة!!!"، يقوم "الناطور المأمور" المكلّف بتنفيذ "التغيير الموعود"، بتبديل طاقية "مأمور الطابو" بطاقية "مأمور المالية").
ثم يتابع "المختار الجديد القديم" وعده ل"شعب" الضيعة، ب"تغيير نفسه"، فوراً، بأن"يغيّر بيته ويسكن قصراً يرضى عنه الشعب"، وأن "يغيّر فرق شعره من اليمين إلى اليسار".
المختار "القديم الجديد"، لم يكتفِ بهذه "التغييرات العظيمة" فحسب، وإنما وعد ب"حلق شواربه" أيضاً، "كرمال" شعبه الحبيب.
عليه، بعد وصول قضية "إسقاط" المختار إلى حدّ "المهاترات" بحسبه، يقررّ هذا الأخير "التفكير الجديّ" بالأمر، ودراسته فوراً، وذلك بقراءة "كيلوين مطبشين من التاريخ" و"كيلو من الجغرافيا".

يبدو أنّ رؤية بارزاني وشريكه الإتحاد الوطني ل"حلّ وعقد" حكوماتهم "المحروسة"، المحكومة بينهما بالتناوب، تشبه إلى حدٍّ كبير رؤية المختار ل"حكومة ضيعة تشرين".
هناك، في "ضيعة تشرين"، يقرر المختار "تغيير" حاله، عبر "تغيير بيته، و"فرق شعره"، و"حلق شواربه".
وهنا، في "ضيعة كردستان"، يقرر البارزاني وشركاءه، عند فك وربط كلّ حكومة، تغيير كراسيهم، من اليمين إلى اليسار، وتغيير وزراء ومسؤولين قدماء جدد، بآخرين جدد قدماء، وزيادة أو تخفيف وزن كروشهم.
هناك، في "ضيعة المختار"، تستبدل طاقية مأمور الطابو بطاقية مأمور المالية.
وهنا، في "ضيعة بارزاني" وشركاه، تستبدل طاقية الديمقراطي الكردستاني، بطاقية الإتحاد الوطني، وطاقية هذا الوزير بطاقية ذاك.
هناك ، يترك المختار لشعب ضيعته "هامشاً" من التظاهر، لكي "يفش خلقه"، وهنا يفتح بارزاني أمام شعب "ضيعته" كردستان، "هامشاً" من "المشاركة" العاطلة والمعطّلة، على الفايسبوك، كي يرفعوا أو ينزلوا أيديهم في هذا الفضاء الرقمي، كما يشاؤون.
هناك، يدرس المختار قضية ضيعته، عبر قراءةٍ "رايقة"، مسلحة ببضع كيلوغرامات من التاريخ والجغرافيا.
وهنا، يدرس بارزاني وشركاءه المتقاسمين لكعكة كردستان، طبقاً لإتفاقيات استراتيجية "مقدسة"، من ألفها إلى يائها، مشاكل "ضيعتهم" الكردية، الغارقة من أولها إلى آخرها، في أكثر من فسادٍ سياسيٍّ وإداري ومالي، عبر قراءاتهم القومجية الجاهزة، الصالحة لكلّ المناسبات، ولكل زمانٍ ومكان، في بضع كيلوغرامات من "التاريخ الممّل"، و"التربية القومية"، وأضعافها من الشعارات الكبيرة من قبيل "حق تقرير المصير لأجزاء كردستان الأربعة"، وغيرها من الوطنيات الأخرى، التي ما عادت تشبع شعب "ضيعة كردستان"، وشعوب أخواتها من الضيع الأخرى، القريبة والبعيدة، خبزاً وحرية.
هناك، في "ضيعة تشرين"، عاش المختار "ثابتاً" عصيّاً على التغيير، وسقط شعبها وضيعتهم، من دون أيّ تحوّل، ولا من يحزنون.
وهنا، في "ضيعة كردستان"، سيعيش بارزاني وشركاءه، كما يبدو، على سنة ذات "الثبات"، هذه الحكومة أيضاً، كسابقاتها، ليسقط الشعب مرةً أخرى، بلا تحوّل ولا تغيير، رغم أنف أهل التغيير، في الداخل أو الخارج.

من السهل جداً، أن يختبئ المرء في "دولة الفايسبوك"، وراء رقمٍ ينادي من علوّه، ب"نظرية العقد الإجتماعي"، وما حولها من حرية وعدالة ومساواة وديمقراطية وتعددية وتشاركية، وسواها من الحقوق العالمية الأخرى، لكنّ التحدّي الحقيقي والأساس، أمام هذا "المرء الرقم"، ههنا، هو أن يكون الدولة بحق وحقيقة، في حريتها وعدالتها ومساواتها وديمقراطيتها ووتعدديتها وتشاركيتها، لا بإعتباره "مواطناً رقماً"، في "دولة الفايسبوك" الطائرة في الفضاء، وإنما كمواطن إنسان من لحمٍ ودم، في دولةٍ تمشي على الأرض، تأكل وتشرب؛ تأخذ وتعطي؛ تفرح وتحزن؛ تضحك وتبكي مع الناس، بين الناس، وبالقرب من نبض الناس.

فهل بارزاني مع شعبه الرقمي في "كردستان الفايسبوك"، هو ذاته مع شعبه في "كردستان الضيعة"؟
كنت أتمنى، كأيّ مواطن من هذا العالم، أن يكون البارزاني لكردستانه كذلك..لكنّ الحقيقة الكردية "الغائبة" حيناً والمغيّبة أحياناً أخرى، في "كردستان الضيعة" الضائعة، تقول للأسف، الكثير الكثير بالعكس من ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاستاذ هوشنك بروكا المحترم ..
كردي عراقي مغترب ( 2012 / 2 / 23 - 09:48 )
لايمكن لاقليم كردستان ان تتقدم الى الامام وانتقالها من حالة ( الضيعة ) الى كيان حيوي يوضع في مكانه الصحيح بين الامم الا بعد القضاء على( ابوات)الفساد باجراءات قانونية معلومة ( مع الاعتذار لاْبوات منظمة التحرير الفلسطينية ) !!!


2 - الثمن نقدا
مظفر خطاوي ( 2012 / 2 / 24 - 20:43 )
نزار اغرى سيصدر كتاب جله شتائم ضد الطالبانى اذا كان قد استلم ثمنه مقدما فان الامر سيكون فضيحة بجلاجل فعلا

اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون بتل أبيب للمطالبة


.. ميقاتي: الحديث عن رشوة أوروبية للبنان من أجل إبقاء النازحين




.. بايدن: نحن لسنا دولة استبدادية ومع حق التظاهر السلمي وضد الف


.. جامعة أميركية تلغي كلمة لمندوبة واشنطن في الأمم المتحدة بضغو




.. ترمب يتهم الديمقرطيين بمحاولة السماح للمهاجرين لترجيح كفة با