الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية وحدها لا تصنع النماذج أو الأشباه

ماجد الشيخ

2012 / 2 / 25
المجتمع المدني



ليس ما يطلق عليه تسمية "النموذج التركي" سوى خصيصة ذاتية تنتمي إلى خصوصية سياسية ومجتمعية، من الاستحالة تعميمها بما هي كذلك؛ المثال والنموذج الذي يمكن تطبيقه في بلد أو بلدان أخرى يُزعم أنها متشابهة، في حين أن لا تناظر أو تشابه حقيقيا في سياقات تطور مجتمعات أو أنظمة سياسية، إلى الحد الذي يمكن استنساخ تجربة ما، وانتقالها إلى بلد آخر. فمثل هذا التنميط للنماذج أو الرغبة في تطبيقها ومحاكاتها بأي شكل أو بأي طريقة، ليس أكثر من تمثّل نكوصي، ورؤية سلفية نقلية، لا تختلف عن الرؤى السلفية النقلية في المجال الديني.
إن القول بقابلية تطبيق النموذج التركي في بلادنا نظرا للتقارب الثقافي والديني والتاريخ المشترك، هذا القول يتجاهل الفوارق التاريخية التي خضعت لها العديد من بلدان المشرق العربي، مقارنة بتطور الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي التركي، وطبيعة الأنظمة جميعها على اختلاف أحزابها وشخصياتها، حتى في ظل فوز حزب العدالة والتنمية الذي أبقى على النظام العلماني سيد تلك الأنظمة التي حكمت تركيا منذ مصطفى كمال أتاتورك وحتى الآن. أما في بلادنا فقد خضعت أنظمتها على اختلافها لأشكال شتى من الأنظمة التي لم تكن منسجمة وأي نظام سياسي أو أيديولوجي؛ حتى أنها كانت أكثر هجنة من هجائن أنظمة الاستبداد والطغيان والديكتاتورية.
في تركيا نظام سياسي علماني وصل إلى إدارته حزب ينتمي إلى تيار من تيارات الإسلام السياسي، هذا كل ما في الأمر، فأين هو النموذج الذي يمكن تقليده أو محاكاته أو تبنيه من قبل بلدان أخرى؟ قد يكون هذا النموذج ناجحا بكل المقاييس لتركيا كدولة – أمة مستقرة تنتمي إلى الناتو كحلف عسكري، ولديها اقتصاد وطني ورأسمالي ناجح نسبيا، وهذا في حد ذاته ليس شرطا شارطا لاستنساخه كنموذج في بلد آخر، لا هو في تشكله الراهن دولة، ولا هو خليق بتمثيل أمة، فأي نموذج يليق به؟.
إن استنساخ التجارب أو النماذج، لا يمكنه أن يجيب على أسئلة كثيرة، تتعرض اليوم للهواء الطلق في ضوء صعود تيارات قوى الإسلام السياسي في انتخابات بلدانها، فالتجربة التاريخية هناك في تركيا على سبيل المثال، لا يمكن أن تماثلها تجارب صفرية في كل بلدان التجارب الغضة التي لم تتأسس فيها أساسا جمهوريات أو أنظمة ديمقراطية لا تعرف من العلمانية سوى الإسم.
وهنا لا بد من القول أن العقل الواعي المدرك لا يقبل الخضوع لعقلية النمذجة والتنميط مطلقا، تلك عقلية سلفية ماضوية وقروسطية، ليست خليقة بأي موقع قيادي أو ريادي، فالمجتمعات التي ربضت طويلا في ظل تلك العقلية، لم تتعد نمذجة نفسها وتشبيهها بالنمط الطالباني، وهو نمط يدعي الانتماء للأصولية الدينية، في حين أنه لا يقل أصولية عن نماذج معيارية منمطة، لا تنتمي للعصر أو لثقافة وقيم التنوير والحداثة.
ولئن نجحت في تركيا تجربة مزاوجة العلمانية والديمقراطية، في ظل تطور نظام اقتصادي رأسمالي، فلأن من قاد التجربة لم يتلط خلف الشريعة أو الشرائع والشعارات الإسلاموية، متوسلا إياها للوصول إلى السلطة، بل هو حيّدها وعمل على أن تكون السياسة هي العامل الحاسم في تحقيقه نجاحاته البرلمانية، وقبلها نجاحات بعض قواه الاقتصادية في وضع الاقتصاد في خدمة السياسة، بما هي التلخيص والاختزال الضروري لمواطنة صحيحة، في وطن يحترم كل مكوناته الوطنية، بما هي كذلك، لا بما هي مكونات فئوية أو طائفية أو مذهبية، على ما ترتكب اليوم قوى الأصولية الإسلاموية في بلادنا، وهي تتلمظ عبر ذائقتها "حلوى السلطة" التي وقعت في أحضان عمائمهم وجلابيبهم من حيث لا يحتسبون، بعد أن فتحت قوى الثورة الحقيقية الأبواب واسعة ومشرعة نحو التغيير، وإذ بقوى الثورة المضادة تقف اليوم حاجزا أمام استكمال مهمة التغيير، مكتفية بما تحقق؛ شرعية سلطة برلمانية لا يمكنها أن تشكل نموذجا حتى، فأين هي المحاكاة الاستنساخية لنموذج يختلف اختلافا بينا وفاقعا في واقع متطور اقتصاديا وناضج سياسيا، وقد قطع أشواطا نحو علمنة اجتماعية وسياسية، وبين واقع متخلف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، تعادي قواه السلطوية على اختلافها العلمانية من حيث المبدأ، والدولة المدنية من حيث التقية.
لهذا لا تشكل النمذجة الهوياتية، أي معيار للتقدم نحو محاكاة نموذج مختلف، ناجح في بلاده بمعايير تلك البلاد، أما استنساخه في بلاد أخرى فهو ليس شرطا شارطا لنجاحه، ذلك أن الهوية وحدها ليست وصفة للنجاح، ولا هي خليقة بتقديم نموذج معياري يحاكي التقليد ليس إلاّ؛ لقد سقطت محاولات استنساخ النموذج السوفييتي في بلادنا قبل أن تسقط في بلد المنشأ، أو في بلدان تأسست على قواعد هذا النموذج، كذلك ليس من العقلانية توقع قيام نماذج تحاكي النموذج التركي في بلادنا؛ استنادا إلى انتماء هوياتي فقط، ذلك إن واقعا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا مختلفا لا أثر للعلمانية أو لثقافة الديمقراطية وحقوق المواطنة فيه، لن يساعد في إقامة معمار أو بنيان معياري مشابه، فالهوية وحدها لا تصنع النماذج أو الأشباه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بقبول مقترح -خارطة الطري


.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان




.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو


.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا