الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في النظام الداخلي لمجلس النواب (الجزء الثاني)

محمد صالح

2012 / 2 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أن أطل علينا مجلس النواب بنظام داخلي جديد، تم وضعه بناءا على المقتضيات الجديدة التي خولها الدستور لهذه المؤسسة الدستورية، - الذي سبق وأن تطرقت إلى مضمونه من خلال قراءة بسيطة وسريعة، حاولت أن أقف على بعض الإختلالات التي عرفها هذا النظام- صدر قبل مدة قرار المجلس الدستوري رقم 829- 12 المتعلق بمدى مطابقة النظام الداخلي للمجلس للدستور، على إعتبار أن الأنظمة الداخلية شأنها شأن القوانين التنظيمية لا يمكن العمل بها قبل أن يبث فيها المجلس الدستوري، وقد جاء في هذا القرار أن 25 مادة هي غير مطابقة للدستور، كما أشار أن هناك مواد أخرى يمكن العمل بها لكن مع مراعات ملاحظات المجلس الدستوري بشأنها.
لن أتطرق إلى قرار المجلس الدستوري حاليا، مع العلم أن هذا الأخير قد فاجئنا بمجموعة من القرارات مأخرا التي تطرح آلاف علامات الإستفهام، من قبيل تصريحه في بعضها بعدم الإختصاص، مما يحملنا إلى الفصل 177 من الدستور الذي ينص على إسمرار المجلس الدستوري في ممارسته لمهامه إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية، فإذا ما عدنا إلى الإختصاصات المنصوص عليها في الدستور للمحكمة الدستورية نجدها أكثر إتساعا من إختصاصات المجلس الدستوري، الذي من المفروض الآن أن يقوم مقام المحكمة الدستورية وبالتالي ممارست إختصاصاتها، وليس إختصاصاته، وإلا سيمكننا القول بإن المجلس الآن هو غير معني بالدستور الجديد.
كانت هذه مجرد إشارة بسيطة. لنعد الأن إلى موضوعنا، قلت أن النظام الداخلي تخللته مجموعة من المواد المخالفة للدستور، الأمر الذي أكده المجلس الدستوري في قراراه رقم 829-12، هذا الأمر يجعلنا نطرح تساؤلا حول إحدى الشعارات التي روجت لها مجموعة من الأحزاب والتي إعتبرتها من مسؤوليتها ومن أولوياتها، ألا وهو شعار "التنزيل السليم والفعلي للدستور الجديد" أعتقد أنه مند مجيء الدستور لم نرى ندوة أو تصريح لأحد مسؤولي أي حزب كان .... إلا وجاءت فيه تلك العبارة، وها أنا ذا أتسأل الأن من الذي يتواجد في المؤسسة التشريعية؟ أليس من كان ينادي بالتنزيل السليم؟ أليس ممثلي وأعضاء الأحزاب السياسية التي قالت بأنها ستعمل جاهدة على تنزيل الدستور؟ من الذي أنيطت بهم مهمة وضع هذا الدستور؟ ليس هم كذلك؟
إذا لماذا جاء هذا النظام الداخلي الذي وضوعه بأنفسهم مخالفا للدستور؟ لا أعتقد أنهم لم يستوعبوا مضمون الدستور ولم يستطيعوا تفسير مواده كما ينبغي، بل العكس لقد أستوعبوه جيدا !!، استوعبوه لدرجة انهم حاولوا التلاعب بالعبارات في محاولة منهم للتخفيف من حدة القيود التي فرضها عليهم، فقد إستغلوا الثغرات العديدة التي تضمنها (أنظر" مثالب وعيوب الدستوري" مقال سابق) لكي يحولوا الإصلاحات البسيطة التي تم إدخالها على هذه المؤسسة إلى بخارا يتصاعد مع الدورات الأولى لها.
ومن بين الشعارات التي رفعتها الحكومة الحالية، هي "محاربة الفساد" حيث حاولت أن تقنعنا بأخذها المبادرة في هذا المجال، بعدما تم عتقال المدير السابق للطياران، والتحقيقات التي فتحت مع مجموعة من الأشخاص الذين تقلدوا المناصاب السامية سابقا والذين ثار حولهم نقاش حاد، بل ووصل الأمر إلى حد متابعة أحد برلمانيي الحزب الحاكم .... وغيرها، لكن لنتسأل..؟؟ ألا يعتبر وضع نظام داخلي مخالف للدستور محاولة لشرعنة بعض الممارسات المخالفة للدستور؟ ألا يعتبر ذلك شكلا من أشكال الفساد؟ أو على الأقل محاولة لتعبيد الطريق أمام إفساد المشهد السياسي؟ (الفاسد أصلا)
فمثلا حينما نجد أن الدستور منع الترحال، حينما نصت في فصل 62 على أنه البرلماني الذي تخلى عن انتمائه السياسي يجرد من صفة عضو، ونجد أن النظام الداخلي يشير إلى أن اللامنتمين يمكنهم الإلتحاق بحزب ما، ألا يعني هذا بأنه ترحال سياسي في شاكلة جديدة؟ فبعد القصور الذي تضمنه الدستور في الفصل62، حيث جعل تجريد البرلماني من صفة العضو يحدث فقط حينما يتخلا بملء إرادته عن إنتماءه السياسي، أي أنه إذا ما حدث وطرد عضو برلماني من الحزب، لا يجرد من صفة العضو، فماذا يصبح آنذاك؟ يصبح بطبيعة الحال غير منتمي، وبالتالي يمكنه الإنتقال إلى أي حزب يريد، بناءا على ما جاء به النظام الداخلي، هذا يعني أن البرلماني الذي يريد الإنتقال إلى حزب أخر، ما عليه إلا إفتعال صراع مع حزبه يؤدي إلى طرده، و بعد ذلك يصبح بإمكانه التنقل والترحال بكل حرية.
هذه كانت فقط إحدى القيود التي فرضها الدستور على أعضاء مجلس النواب، التي تفننوا في تفاديها وتجاوزها، مما يطرح آلاف علامات الإستفاهم حول مدى مصداقية هذه المؤسسة ومدى جديتها فعلا في خدمتها للمصلحة العليا للبلاد وحرصها على خدمة المواطين ورد الاعتبار للعمل السياسي بهذا البلد.
خلاصة القول إن الفساد بمنطق بسيط، والذي يمكن أن يفهم أي كان، حتى وإن كان لا يملك وعيا سياسيا، لا يمكن أن يحاربه إلا الشرفاء، لكن حينما نجد أن مهمة محاربة الفساد تولاها الفاسدون، فلا يمكن إلا أن ننتظر المهازل السياسية، لا يمكن إلا ان ننتظر إنتاج وإعادت إنتاج نفس الكوارث، نفس الأفات الإجتماعية، نفس المسرحية مع تعديل بسيط على مستوى الشخصيات والسيناريو، لكن بنفس المخرج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج