الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طارق رمضان و فقه الأقليّات: تحديث الإسلام أم أسلمة الحداثة؟

كريمة بوزيدي

2012 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تُعزى شعبية طارق رمضان بين الشّباب المسلم الذي يعيش في أوربا خاصة الى طبيعة القضايا و المواضيع التي يطرحها و التي تشغل بال المسلم الاوروبي خاصة من أبناء الجيل الثاني و الثالث الذين يحسّون بالإغتراب عن جذور المجتمعات ذات الديانة الإسلامية التي قدم منها اباؤهم و أجدادهم و انتماؤهم الفعلي الى المجتمعات الاوروبية التي شبّوا وترعرعوا عليها، لكنها غير مسلمة.
و قد حاول طارق رمضان ان يُخرج مسلمي الغرب من حيرتهم و يمتصّ جملة التناقضات بين الشريعة الإسلامية و القوانين الوضعيّة المعمول بها في الغرب و يقيم توازنات بين ما هو ديني و ما هو دنيوي و يقدّم رؤية مختلفة لكيفية تعامل الأقليّة المسلمة مع معطيات واقع بغالبية غير مسلمة.
فهل استطاع أن يفعل ذلك فعليّا؟

يطرح الرجل في كتابه (أن تكون مسلما في أوربا) العديد من الأسئلة منها:" من نحن؟" ،"أين نحن؟"، "ما هو انتماؤنا؟" ،"ما هي هويتنا؟"، "هل يتعارض أن يكون الإنسان مسلما مع كونه مواطنا أوروبيا؟"، "هل الانتماء إلى الإسلام كدين يعيق الأخذ بأسباب التطور؟" ،"وهل يجب على المسلم أن يفرّط في إسلامه حتى يحس أنه مواطن اوروبيا؟"1
هذه الأسئلة وغيرها كثيرة سلّط طارق رمضان عليها الضوء لتبيان الصّيغة العلائقية التي يجب أن يؤسسها المسلم بمحيطه غير المسلم الذي ينتمي إليه.وهو يتنزّل فيما يُعرف ب: "فقه الأقليّات" أو ما أسماه البعض ب : "الأورو إسلام". وهي محاولات تُعنى بإيجاد أجوبة لتساؤلات الشباب المسلم وإخراجه من إحساسه بأزمة الهوية وإحلال مصالحة بين الإنتماء العقدي والإنتماء الوطني.


من نحن؟ : في مسألة الهويّة والإنتماء
"من هم المسلمون الذين يعيشون في أوربا؟" إنّ هذا السؤال يمثل بؤرة اهتمام رمضان الذي يرى أنه يجب أن "نعرف من نحن حتى نعرف ماذا نمثل وماهي الواجبات المنوطة بعهدتنا.(1 ص: 187)
فالهويّة التي يراها رمضان هي ثابتة، إذ هي مرتبطة ارتباطا عضويا بالّدين و بالتحديد بمفهومه للإسلام الذي هو بدوره ثابت لا يتغير.ذلك أن جوهره القائم على التوحيد والإيمان غير محدودين لا في الزمان و لا في المكان. ووفق هذا المنظور، لا يوجد الا إسلام واحد في العالم. وما الحديث عن إسلام في صيغة الجمع مثل إسلام سعودي أو آخر تركي أو أوروبي ... هو مجانب للصواب. ذلك أنّ قواعد الإسلام هي واحدة و ثابتة لكل المسلمين في العالم، إذ هم يقرؤون نفس الكتاب ويصلّون نفس عدد الصّلوات ويحجّون إلى نفس البيت... وما نلاحظه من اختلافات في التطبيقات ما هي إلا اختلافات ناجمة عن اختلاف الثقافات والأعراف لا دخل للإسلام فيها.( (1 ص: 192)

و لعل هذا المفهوم الذي يقدّمه طارق رمضان للإسلام هو مدخله لتحديد الهوية الإسلامية التي تقوم إجمالا على أربعة عناصر أولّها التوحيد والشهادة وما يتبع ذالك من الإلتزام بالشعائر التي ترسّخ السلوك الروحاني والجمعي، ثانيها التمسك بالقرآن ككتاب مقدس مع مراعاة واقع المسلم المعيش. ثالثا يُعنى بالجانب الإجتماعي الذي يوليه رمضان اهتماما كبيرا و الذي ينطلق من الفرد، فالعائلة التي يجب أن ترسخ التربية الدينية للأبناء ثم إلى المجموعة- أي الأمّة- التي يجب أن تتكاتف مع بعضها البعض لتقوية الجانب الروحاني الذي انعدم أو يكاد في المجتمع الغربي حسب طارق رمضان. ومن هنا يخلص الى العنصر الرابع الذي يؤكد على ضرورة انخراط المسلمين، كأمّة، لهم خصوصياتهم لإثبات وجودهم في مجتمع غير مسلم في إطار ما دعت إليه الشريعة الإسلامية.(1 ص: 192 و ما يليها)

فالهوية الإسلامية، إذن، لا يمكن تحقيقها والحفاظ عليها إلا من خلال تحقّق الأمة الإسلامية التي ترتكز، إجمالا، على الإيمان الذي يؤسس لفكرة الميثاق، ليس فقط بما هو روحي في تلك العلاقة العمودية بين الله والإنسان، بل وأيضا بترسيخ فكرة الميثاق تلك، والارتباط بالآخر المسلم وفق علاقة أفقيّة يعقدها المسلم مع أخيه المسلم. وفي ذلك تاكيد على الإنتماء للأمة الإسلامية.
إن معرفة المسلم الأوروبي هويّته والتمسك بها هي البوابة التي ستحدّد أفعاله وأهدافه في المجتمع الأوروبي. فعلى المسلم إذن أن لا يتحرّج من أن يقدّم نفسه لهذا المجتمع وبثقة، على أنه "مسلم فرنسي" أو "مسلم ألماني" أو" مسلم سويسري" على غرار ما يقوم به طارق رمضان بالذات.
و لكن هل لا يوجد تعارض بين الانتماء إلى الأمة الإسلامية من ناحية، وإلى الوطن من ناحية أخرى؟ وما هو الأهم، الانتماء إلى الأمة أم إلى الوطن؟ بمعنى هل ينتمي المسلم في دولة أوروبية إلى الأمة الإسلامية أم إلى الوطن الذي يعيش فيه؟
لم يغفل طارق رمضان الإجابة عن مثل هذه الأسئلة. لذا نجده يقدّم أوّلا جوابا فلسفيا. إذ يرى أن " لا تعارض بين الانتماء إلى الأمة والانتماء إلى الوطن. ذلك أنّ الانتماء إلى الأمة هو انتماء إلى الهوية الإسلامية وهو إجابة عن سؤال "لماذا"، الذي، من خلاله، آمن المسلم بمفهوم معين للوجود والكينونة. في حين أنّ الهوية الوطنية هي إجابة عن سؤال "كيف" و هو يُعنى بالجوانب الحياتية التي يعيشها المسلم في مجتمع ما. ( 1 ص : 200 و 201).

لكن هذه الإجابة لا نجد لها موطئ قدم ومنطقا في الواقع العملي؛ ذلك أنّ طارق رمضان يؤكد أنّ على المسلم أن يحترم القوانين ودستور البلاد التي يقيم فيها ولكن بشرط ألاّ تتعارض هذه الدساتير وهذه القوانين مع تعاليم الشريعة الإسلامية؛ إذ يقول: "فعلى المسلم أن يبتعد عما يجعله يخترق قانون الشريعة الإسلامية". وإذا ما أشكل عليه ذلك يقترح رمضان أن يستنجد بالإفتاء، "الذي يجب أن يأخذ بواقع الحياة الغربية وبمصلحة المسلم دون إخلاله بالميثاق الديني."(1 ص:219 وما يليها).
و لتقريب الصورة يمكن أن نسوق بعض الأمثلة التي ساقها هو نفسه في هذا الصدد ففي حلّه مثلا للمعاملات البنكية بدون ربا، يقترح رمضان أن تُمنح تلك الفوائد البنكية كزكاة بما فيه دعم لتوحيد الأمة الإسلامية في البلد الذي يقيم فيه.(3 ص:177-178 )
و لكن لسائل ان يسأل: هل أصبح الرّبا حلالا بمجرد انتقاله من يد المسلم الفرد إلى يد الجماعة المسلمة؟

إن التفاف طارق رمضان على مثل هذه التناقضات يظهر أكثر عندما يحاول إيجاد حدّ بين الانتماء الديني والإنتماء الوطني في جوابه على المسألة التالية:
عندما تنشب حرب بين بلد مسلم وبلد غير مسلم، هل يشارك فيها المسلم الغربي بوصفه مواطنا ينتمي إلى هذا الوطن، وينخرط في الذّود عنه بروحه وبدمه؟ ام ينتصر للبلد المسلم الذي هو عدو وطنه؟
هنا يستنجد طارق رمضان بالقانون الديموقراطي وحرية الإنسان في الاختيار التي نصّت القوانين الوضعية. إذ يذكّرفي هذا السياق، بكل دهاء، بأن الإنسان، في تلك الديار، حر في اختياراته؛ لذلك وجب على المسلم، في هذه الحالة، أن يرفض المشاركة في هذه الحرب لأنها ضد إخوانه المسلمين في بلاد أخرى.
علاوة على ذلك، فقد غاب عن طارق رمضان أن الموقف من الحرب لا يؤخذ وفق الإنتماء الديني او الإنتماء للأمة الإسلامية، و لكن وفق طبيعتها و مدى تلاؤمها أو تعارضها مع مصالح الشعوب و من قضاياهم العادلة. و لعل موقفه ذلك يسوّغ، عن وعي أو بدون وعي، للحركة الصهيونية التي استعملت الديانة اليهودية لأغراض استعمارية.

يتّضح من هنا أنّ المواطنة التي يدعو إليها رمضان هي مواطنة من نوع خاص أو هي مواطنة مؤقتة قابلة للمراجعات في اي وقت. وهو يقبل بمعطى المواطنة على مضض إذ سرعان ما تنتهي صلاحيّتها اذا ما تعارضت مع الإنتماء الديني، أو بطريقة أوضح، مع ما حدّده طارق رمضان سلفا من مصالح الهوية الإسلامية التي تُبين شيئا فشيئا على أنها أكبر من أي انتماء وطني ضيّق. ذالك أن الانتماء للوطن محدودٌ جغرافيا في حين أنّ الانتماء إلى الأمة الإسلامية أعمّ وأشمل.
ولعلّ أبلغ صورة نسوقها هو ما ذكرته كارولين فوراست حين قالت:" يشبّه رمضان الهوية الإسلامية بالبحر في حين يمثل الوطن بالمسبح. بهذا المعنى تصبح الهوية الاسلامية وما يترتّب عنها من قوانين مرتبطة بالشريعة الإلهية هي فوق كل قانون".(2 ص:221). ولهذا تتساءل الكاتبة: "كيف يدعو طارق رمضان المسلم، إذن، إلى احترام القوانين الوضعية بما أن القوانين الشرعية هي فوق الجميع بلا استثناء؟" (2 ص: 221 و222).

فطارق رمضان كما هو بيّن، عوض أن يحلّ التناقضات بين القوانين الوضعية والشرعية بدليل عقلي وواضح، يجهد نفسه في إيجاد حلول توفيقّية تبيّن عقمها وتؤكد انعدام اتّساق أنساقها الفكرية وخلوّها من أي تماسك. وهذه المحاولات التوفيقية ليست إلا محاولة لأسلمة الحداثة وجعل الشريعة الإسلامية حاوية لكل تشريع ممكن.
فنراه تارة يشدّد على عدم خرق القانون الشرعي وفي ذلك إنكار للقانون الوضعي؛ وطورا يتوسّل بالقوانين الوضعيّة- التي أنكرها للحظة- لردم الهوّة بين الديني والوطني.
إلى جانب ذالك، نجده، رغم تأكيده على عدم إغفال الواقع ومتغيراته، يجعل الانسان المسلم في تمايز مع الإنسان غير المسلم، ويشدّد على أنّ وجود المسلم كانسان مرتبط بمدى انتمائه الى الهوية الاسلامية والعمل تحت مظلة قوانين تلك الهوية القائمة على قاعدة ثابتة ووحيدة، هي القاعدة الدينية متناسيا جملة العناصر الاخرى المكوّنة للهوية. إذ الهوّية إذ الهوية مفهوم مركّب و متعدد و متحول و هو لا يحيل على معطى وحيد كالدين بل على مجموعة من المعطيات التي قد تتفاوت من حيث الأهمية و تتبدل لدى الفرد الواحد أو الجماعة حسب الحاجة اليها.


2.أين نحن؟ من دار الحرب الى دار الشّهادة
بعد أن حدّد طارق رمضان هويّة مسلمي أوروبا راح يحدد " الدّيار" التي هم فيها حتى يدركوا دورهم و كيفية تفاعلهم مع الواقع المعيش.
يعود طارق رمضان الى تاريخ فقه الأقليات ومختلف المصطلحات التي سوّغها الفقهاء في هذا الصدد ومن ثمة نقدها.
فمصطلح "دار الحرب" الذي قال به الفقه الإسلامي الكلاسيكي يعتبره رمضان ضرورة فرضتها المرحلة التاريخية المبكرة من الإسلام لسببين. الاول جيو- سياسي لتحديد اللأمصار التي تدين بالاسلام و من ثمة نوع العلاقات السياسية و الإستراتجية التي تربط بينها وتميّزها عن باقي الأمصار. وأما الثاني فهو تشريعي حيث وقع التمييز في المسائل التشريعية بين المسلمين الذين يعيشون في العالم الإسلامي والذين يعيشون خارجه.
هذا المصطلح حسب رمضان فقد مشروعيته بتغير الظروف الموضوعية. اذ العالم الإسلامي ليس في حالة حرب مع بقية الدول. فضلا على أن تشابك و تعقيد العلاقات بين دول العصر الحالي تجعل من هذا المصطلح لا يعبر عن هكذا واقع.
.
مصطلح "دار العهد" او "دار الأمن" الذي اتخذه البعض للإشارة الى علاقة الأمن و التعاون التي سادت بين البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، يعتبره غير دقيق لسببين: ذلك أنه مازال يحمل في عمقه المعنى الكلاسيكي لرؤية العالم المقسّمة لدى المسلم الى "دار إسلام" و "دار حرب". وذلك أن الدّيار المسلمة كانت في حروب دائمة مع غيرها من الدول. ثانيا يرى أن هذا المصطلح قائم على معطى غير موجود اذ أن كلمة " عهد" تفترض أن تكون بين دولة أوجهات أخرى تضاهيها في السّلطة أو المكانة و ليس بين دولة و أفراد مختلفين معهم في العقيدة.(4 ص: 31)

أما مصطلح " دار الدّعوة" الذي إعتمده فيصل المولوي منطلقا من قراءته التاريخية لوضعية الرسول زمن الدعوة الاسلامية المبكرة، فيتمثل أساسا في قياس موقف الرسول في بداية الدّعوة الذي لم يعتبر مكة " دار حرب" بل اعتبرها " دار دعوة" أو " دار عهد" خاصة بعد صلح الحديبيّة.فعلى مسلمي الغرب الذين يعيشون من خلال العهود قائمة بين الدول المسلمة و غير المسلمة، و الأهم من ذلك ان المسلم عندما دخل بلاد غير المسلمين قد تعهّد باحترام تلك العهود و عدم نقضها.
يرى طارق رمضان ان هذا المصطلح رغم أهميته إذ يقرأ التاريخ بعيون حديثة وواقعية و قياسه الشاهد على الغائب، إلا أنه يبقى "غير دقيق و ملتبس و يعسر ترجمته بدقّة دون الوقوع في مغالطات في الفهم و الاستعاب". (4 ص: 63).
إجمالا يعتبر طارق رمضان أن الفقهاء لم يوفقوا في ايجاد مصطلح جامع وواضح في مسألة "فقه الأقليّات" وذلك يعود الى ضبابية الرؤية في تحديد ماهية ما اسماه ب الديار الغربية (4: ص34)La demeur Occidentale
اذ لازال هناك فريق من العلماء الذين رغم عيشهم في الغرب بقوا متمسكين بالتراث الفقهي الكلاسيكي ويرون أن مصطلح "دار الحرب" ساري المفعول الى الآن رغم عدم تحقق شروط إثباته. كمثل "حزب التحرير". إذ ينادي مريدو هذا الحزب بوجوب الأخذ بفتاوى علماء البلدان الشرقية حتى و ان كانوا غير ملمّين بالظروف الخاصة التي يعيشها المسلم في الغرب اليوم.(4 ص:34)

أما الشق اللآخر من علماء المسلمين مثل " القرضاوي " الذين يأخذون بمصطلح "دار العهد" أو "دار الأمان" بدعوى أن المسلم آمن في ذاك البلد و يطبّق شعائره بكل حرية. يرى رمضان أن هذا الشرط وحده لا يكفي الأخذ به ذلك أن هذا المعطى يمكن ألاّ يتوفر في ديار الاسلام نفسها التى لا تطبق الشريعة الإسلامية كاملة و قد تصل الى التّضييق على المسلم الذي يسعي الى تطبيق شرائع دينيه ( 4 ص: 36) من هذا المنطلق يعتبر رمضان ان هذا الشّرط لا يحدد الفرق بين المكانين بصورة واضحة ودقيقة.
يقترح رمضان بعد نقده لكل تلك المصطلحات مصطلحا جديدا هو مصطلح "دار الشّهادة" انطلاقا من الاية القرآنية التالية 2- 142: "و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا".

يرى رمضان أن هذا المصطلح علاوة على أننا نجد صداه في النص القرآني فإنه يختزل أيضا وظيفتين الاولى تحيل على هوية المسلم. و الثانية تؤكد على النّاحية الاجتماعية المنوطة بكاهله. إذ الشّهادة التي نطق بها المسلم لا تحيل على الرّكن الأول من أركان الإيمان و تذكّره بالجانب التطبيقي للشعائر الدّينية التي على المسلم القيام بها فحسب، ولكنها تؤكد أيضا على وجوب فهم العقيدة و التمسّك بها في جانبها السّلوكي و التّشريعي و معرفة ما هو مباح و ما هو محرّم وفق الشّريعة الإسلامية، و هي أيضا تذكير ضمني و دائم للوفاء بذلك العهد الذي قطعه المسلم مع الله من جهة ،و كمسلم يعيش في مجتمع غير مسلم وجب عليه أن يشرح عقيدته و يعلّم دينه للآخرين في كلّ المجتمعات غير الإسلامية أينما وُجد من جهة اخرى.

إذًا فمصطلح "الشّهادة" الى جانب تأصّله نظريا في النص القرآني هو صورة من صور تلازم القول مع الفعل/ الإيمان مع السّلوك وهو انخراط المسلم في عملية إصلاح عامة في جميع الميادين. فالمسلم من هذا المنطلق "شاهد" على الإنسانية جمعاء بما أنه يحمل رسالة ربّانية أتى بها الإسلام الصالح لكل زمان و مكان. و مصطلح "الشّهادة" اذن حسب طارق رمضان هو أشمل و أعم و أكثر وضوحا من المصطلحات المذكورة أعلاه لأنه يقرأ الواقع المعيش بأكثر دقة وموضوعيّة، و هو إلى جانب ذلك متناسق مع رؤيته المتعلّقة بمفهومه لماهية المسلم الأوروبي المرتبطة ارتباطا عضويا بالدّين.(4: ص57 و ما يلي).

لكن إذا قرأنا هذا المصطلح في ظل واقع حال المسلم في أوروبا نرى أن طارق رمضان يعي جيدا موقعه كأقلية مسلمة ، لذا فهو يتّخذ موقف " الشّهادة" أمام الله عنوانا لموقفه من الآخر وهو في جوهره دعوة المسلم الأوروبي للآخر غير المسلم إلى اعتناق الدين الإسلامي بالكلمة الحسنة و التعريف به و إبراز مميزاته من جهة و الإنخراط في المجتمع المدني سلوكا و فعلا من جهة أخرى لكن طبعا بما لا يتعارض و الشرع.

فطارق رمضان اذ يؤكد هنا على الجهاد بالكلمة أو بما اسماه ب "الشّهادة" أولا فإنه يعلم شديد المعرفة أنه أقلية و لا يستطيع ان يورط المسلمين في أكثر من ذلك، وأما فعل الجهاد بالنّفس هو مسألة مؤجلة وليست ملغاة تماما. ولعل احتفاء طارق رمضان بالفرد المسلم ثم العائلة فالمجموعة فالمجتمع ككل هو تمسّك بالتّمشي الذي دعا اليه جدّه حسن البنّا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين من قبل و هو يٌعرف بأسلمة المجتمع من تحت.

" الشّهادة" اذن، و من هذا المنطلق لا تعدو أن تكون إلا سلوكا تكتيكيا لا تختلف في الهدف البعيد عن مضمون مصطلح " دار الحرب" الذي أسّسه الفقه الإسلامي الكلاسيكي وما نقد طارق رمضان للمصطلحات الكلاسيكية و إحداثه لمصطلح جديد" دارالشهادة" إلا تنويع على نفس الوتر، اذ لا نرى فرقا واضحا بين مصطلح " دار الحرب " و مصطلح " دار الشّهادة" إلا في الظرفية أما في الهدف البعيد- وهو أسلمة اوربّا بالتدرج- فهما صنوان.

هذا فيض من غيض من التناقضات التي يطرحها طارق رمضان في كتبه و مناظراته العديدة جدا. و هي تبين الخط السّلفي الذي يتبناه الرجل رغم محاولاته جاهدا إخفاء ذلك بتشجيعه الأخذ بالقوانين الوضعيّة مرة، و الإنقلاب عليها مرات اخرى. إذ سرعان ما يسقط القناع ليبرز خطابه المزدوج حين يحذّر خاصة من المغالاة في الأخذ بالقوانين الوضعيّة و يذكّربضرورة التمسّك بالقوانين الشّرعية التي تصل الى حد رفض المواطنة كقيمة انسانية ضامنة للمساواة بين كل الناس بقطع النظر عن دياناتهم، و الدّعوة صراحة الى الإعلاء من شأن الهويّة الدينية و الشرائع المنصوص بها في القرآن و السّنة التي يعتبرها هي أصل كل التّشاريع بل والحاضنة لها جميعا. و لعلنا لا نستغرب عندما إعتبر كثيرون من دارسي طارق رمضان أنه "ذئب في صورة حمل". وما هو إلا سلفيّ في ثوب ليبرالي أو هو من " مجهادي الصّالونات" لا اكثر و لا اقل.(5: ص23).

المراجع:

1. Ramadan Tariq: Muslimsein in Europa: Untersuchung der islamischen Quellen in europäischen Kontext. MSV-Verlag.köln.2001.
2. Fourest Caroline. Frère Tariq: Discours, stratégie et methode de Tariq Ramadan. Ed.Grasset & Fasquelle. Paris.2004.
3. Tariq Ramadan: Der Islam und der Westen: Von der Konfrontation zum Dialog der Zivilisationen. MSV-Verlag, Köln 2000.
4. Ramadan Tariq: Dar ash-shhada: L’Occident, espace du témoignage. Ed. Tawhid. France.2004.
5.Katajun Amirpur, Ludwig Amman: Der Islam am Wendepunkt. Herder Freiburg.2006.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هؤلاء هم سبب فشل عامة المسلمين بالتعايش
بشارة خليل قـ ( 2012 / 2 / 28 - 08:50 )
استاذة يوزيدي المحترمة:اشد على اياديكم بفضح مخططات هؤلاء الفاشيين وكشف القناع عن تامرهم على انسانية البشر
مرة اخرة نتسائل ما الذي سيكون عليه حال الدنيا لو ان المنتمين الى عقائد اخرى ايمانية والحادية وهم الغالبية الساحقة في العالم تصرفوا بهذا النهج الانطوائي الانفصالى في مجتمعات التعددية؟
نتسائل كيف يتغافل هؤلاء عن اهمية الحرية في الاختيار ويعمقون ممارسة الوصاية على اتباعهم؟كيف يتغافلون عن مبدا المساواة في الحقوق والواجبات وينادون بالتمايز والتفرقة العنصرية القائمة على الانتماء الديني تارة والثقافي تارة اخرى؟
علينا نحن مهمة نشر مباديء الحرية والعدل والمساواة والاخوة والسلام والكرامة الانسانية وهي مباديء كالدخان في عيونهم او هي كالنور في جحورهم المظلمة وبصائرهم الرمضاء
تحياتي لك والى الامام لمقاومة الهدم بالبناء


2 - شئ غير مفهوم اصبح مفهوما الان
محمد البدري ( 2012 / 3 / 1 - 13:19 )
ترزح الشخصية الاسلامية التي تروج للاسلمة تحت حمل النفاق والكذب. فهي شخصية غير سوية وغير مستقيمة مهما صلوا ودعوا واستبلهوا واستهبلوا في دعائهم بطلب الهداية للصراط المستقيم. فالشخصية المعوجة لن تستقيم لمجرد استلهامها استقامة من معبودهم. فمعبودهم خلقهم باعوجاج. لكنهم يمتازون بغباء نادر ربما يحتاج علماء البيولوجي والوراثة الي معامل خاصة لاكتشاف مصادره في البناء العقلي لهم والذي اعتقد انا شخصيا انه كامن في الثقافة العربية الاسلامية، فالدعاة يعتقدون ان باقي الشعوب بها من الغباء ما يكفي لعدم اكتشاف هذا التدليس واخفاء النوايا المضمرة ضد المجتمعات التي تعيش بها اقليات مسلمة. تناقضات اقوال رمضان وغيره لا تمر علي اقل الناس ذكاءا، فهل يعتقد انها ستمر علي مجتمعات انجزت بناءا حضاريا وفكريا وثقافيا لم تستطع ثقافة رمضان ان تاتي بمثله. شكرا وتحية للاستاذز كريمة لفضحها هؤلاء المنافقين الذين يضمرون كراهية ليس فقط ضد اوروبا وباقي العالم بل وضد سكان الشرق الاوسط المسلمين ايضا.


3 - طارق رمضان .. وحوار الطرشان ؟
سرسبيندار السندي ( 2012 / 3 / 2 - 04:41 )
بداية تحياتي لك ياسيدتي المحترمة وتعليقي ؟

1 :عجبي من أمة إقرأ التي لازال حتى عباقرتها وفقهائها لايفخرون إلا بجهلهم وببعيرهم ، أللهم لاشماتة ؟

2 : إن طارق رمضان وغيره معذورن إن تسكعو بدينهم على أرصفة مقاهي الغرب ، خاصة بعد إفلاسهم في بلدانهم ، فلربما يصيبو شيئا قبل أن يفيق من لم يفق على بضاعة الفاسدة ؟

3 : لكي يدرك كل ذي عقل وضمير حجم دجل ونفاق هؤلاء عليه مقارنة نسخ القرأن باللغة العربية مع النسخ المترجمة ليدرك حجم التزيف والتضليل في كتاب ينسبونه إلى ألله ، بينما الحقيقة هو كتاب خير الماكرين ؟

4 : أخر الكلام تحياتي وشكرا لك على المقال وإلى ألأمام ؟

اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي