الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (3)

العربي عقون

2012 / 2 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


....//....
لم تختف الشعبوية - التي عرفت عصرها الذهبي- بعد، لأنّ الهيئات لا تزول دفعة واحدة قبل أن تأتي التي تحل محلها، ولكنها تراجعت في الأذهان والممارسات السياسية، وطيلة سنوات الستينيات وبعضا من السنوات التي تلتها إلى اليوم الذي نضجت فيه الأحداث تحت الرماد الحي، كانت الشعبوية مسيطرة وطبعت الدراسات والبحوث التي ركزنا هنا على شيء من استمرارها وتوجّهها الخاصّ الذي يبدو انه يحظى بالإجماع وتبعا لذلك لا تزال الشعبوية تسعى للتجديد بالبحث عن طرق أخرى.
تمّ تحرير " مقدّمة في تاريخ الجزائر " على امتداد سنوات 60 -68 بالتوازي مع التحضير لكتابة تاريخ الجزائر في سفر (صممت مخططه بالتفصيل) مسترشدا بالمناخ الأيديولوجي - السائد في تلك الفترة - الذي جعلني أستلهم من الأمة - في وحدتها النظرية - التوجه الذي يتعين علي الأخذ له.
إلى هذا، كنت اقتفي اثر الوقائع التاريخية التي تبيّن الفتوحات واختلاط الشعوب المتوسطية على الأرض الأفريقية ودرجة الانصهار بين هذه الشعوب ونصيب اللغة في ذلك وكذا الأديان والتقنيات من كل نوع، وحصة الإبداع العائد لسكان البلاد الأقدمين، وصولا إلى انقسام البلد في النهاية بعد القرن XVII إلى جزائر الدولة والمدينة وجزائر ريفية، الأكثر عددا المتطورة بطريقة أقل ما يقال عنها مستقلّة، وكان يبدو لي أنّ احتضان كل هذه الحقائق والنظر إليها بعين واحدة للعثور فيها على مبدأ الوحدة أمرا صعبا، ـ أو لعلّه سابق لأوانه وهو في كل الأحوال يفوق قدراتي نظرا لما توفّر لي من وقت وهو غير كافٍ، وحينئذ تبيّن لي أنّ من الأجدى أن أبدا في عمل تحضيري بتقديم مختلف المفاهيم التي استخلصناها من تاريخنا عبر العصور (وهو الموضوع الرئيسي في هذا "التمهيد") .
منذئذ، ظهرت معطيات جديدة، فقد قدّمت المفاهيم الشعبوية الدليل على ضعفها أمام الحقائق فالاشتراكية لا تحمل دائما ما ينتظر منها من حلول تحت غطاء التضامن والوحدة الوطنية ولا يمكننا الاستمرار في إخفاء التمايز الطبقي وصعود الحساسيات الثقافية والتفاوت في التنمية بين جهات البلاد، والروح الجهوية التي نسودها: قرى، فلاحون ومربو حيوانات في السهول ورحّل، مدن ذات ملمح خاصّ ... والنشاط الإداري والسياسي (إصلاح زراعي، ثورة صناعية، ثقافية) تصطدم بالماغما الاجتماعية وبنى أصبحت أكثر حيوية في مقاومتها، إسلام جديد يتشكّل ويمتدّ ليكون بديلا للإسلام الوطني والشعبي الذي ظل في كل المناحي يسهم في بقاء واستمرار التوازن والانسجام في مجتمعنا وباختصار ظهرت أجيال جديدة تتطلع إلى المستقبل وإلى الحداثة وبهذه الأجيال وفي زخم هوياتي هناك شرائح المجتمع القديمة المتمسكة هي الأخرى بالحداثة تجمل وجدانا حيويا معتزا بالماضي الوطني.
وبالتوازي مع كل هذا هناك الأوضاع الاجتماعية التي تشهدا تحوّلا، فجزائر غداة الاستقلال التي كانت متواضعة على الصعيد الاجتماعي. ومقابل القادة الجدد الذين احتفظوا بنمط الحياة الشعبية ظهر مجتمع مختلف إلى حدّ ما فقد كانت السيطرة الكولونيالية قد سوّت ولو جزئيا أوضاع المجتمع (الأهلي) ولم تكن الفروق التي أحدثها الاحتلال لتصل إلى حدّ تجذير الانقسام (الطبقي).
وشيئا فشيئا مع ازدهار القطاع العامّ وكذا القطاع الخاص والمؤسسات بعددها المتزايد كل ذلك سمح بظهور طبقات جديدة وتجمعات ومصاهرات تبعا للمصالح وتآزر مدعوم بالروابط الثقافية أو بصلات أخرى.
وبعد عشرين سنة أصبحت جزائر 1980 شيئا آخر غير جزائر 1962 تبدو مهزوزة في واقعها الجديد الذي آلت إليه ولكن راسخة الوحدة في عمقها.
لقد خضعت لإعادة التشكّل ليس لأن التغيير مسّ البنى القاعدية للمجتمع عموما ولا حتى لان التغيير كان عميقا جدّا، لأنه ينبغي دائما الذهاب بسرعة إلى التاريخ وأخذ المقاربات من الظواهر المماثلة لأكثر القضايا أهمية على أنّ الذي يبدو لنا بالغ الأهمية ولا بد من الإشارة إليه هو أنّ :
التغيير حدث والانطلاق فيه بدأ ومسار التحوّل شرع فيه وكان ذلك التحولّ المتّئد قد أحدث ثورة في الأذهان وفي حقل الأفكار، في الآداب وفي الفنون، أكثر مما هو في حقائق المجتمع والاقتصاد والمؤسسات. ذلك هو المشهد الجديد والمناخ المحيط به.
كانت جهود النضال الوطني منصبّة على إقرار وجود أمّة على قاعدة سياسية راسخة؛ وكان للأيديولوجيا المنبثقة عن الاستقلال رغم نقائصها وشعبويتها إلى حدّ ما، داعمة لذلك النضال، لكنه لكي تتقدّم الأمّة في أيامنا هذه فإنّ الجزائر بحاجة إلى أن تخرج من الخطاب الأيديولوجي منتهي الصلاحية، الذي يعيق البلد عن التقدم، فقد عمل النضج الفكري عمله والشعب واعٍ بذاته ويمتلك قواه الذاتية، والذي ليس له معنى إلى حدّ الآن هو تهميش الحرية والديمقراطية فليكن ذلك ماضٍ ينبغي تناسيه فلا حاجة إليه مستقبلا، ولا بد من العودة إلى قوة التماسك الوطني على أساس إعادة الاعتبار للعنصر الامازيغي الذي هو العنصر الأساسي في تكوين الأمة الجزائرية، وإحلال الحضارة العربية مكانتها في منظومة التكوين ثمّ الانفتاح على الحداثة في مجاليها الثقافي والتكنولوجي، والنظر في مسألة الدين في ارتباطاته بجميع النشاطات الاجتماعية، وعلى الخصوص ما نراه من انقسام الإسلام بين صيغته الحديثة التي يراد لها الهيمنة والسيطرة التامّة وشكله التقليدي والوطني الذي عرف كيف يتكيف مع الحاجيات الحقيقية لمجتمعنا؛ هذه هي مواضيع الساعة التي يدور حولها نقاش أكثر إثارة وحدّة.
كذلك لقد ترتبت عن الأحداث (الكفاح السياسي قبل 1954، حرب التحرير وانتصاب سلطة جديدة بعد 1962) التي قادت البلاد إلى انتزاع استقلالها السياسي مشاكل من نوع جديد تطلّب حلّها اللجوء إلى التاريخ الذي أصبح على نحو متزايد باعتباره معرفة وعلما بالبلد المرجع الأساسي، لأنه هو الحقيقة التي لا مراء فيها، والتي لن يفلت منها أحد، فهو الحكم بين الأيديولوجيات وهو "الفرقان" (**) معيار الفحص الذي يبين الحقيقة من عدمها.
ليس هناك استمرارية بل العكس هناك قطيعة بين مفهوم الأمّة في أيديولوجيا الكفاح الوطني التي استمرّت بعد 1962 والمفهوم الذي أخذ في الظهور بشكل مضطرد في جزائر اليوم.
ظلّ أحد المفهومين مجمّدا ويبدو أنّه استنفد طاقته، في حين ارتبط الآخر الذي هو تعبير عن رغبة شعبية عميقة احتمالا عن غير قصد بتطور تاريخي كوني ذي طابع عالمي منبثق عن الحرب العالمية الأولى (1914-1918) وهو الذي دفع بالشعوب نحو إبراز شخصيتها المشروطة بمطلب الحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله