الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر ، نظرة جديدة للتاريخ الوطني أكثر من ضرورية (4)

العربي عقون

2012 / 2 / 28
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


....//....
لقد جدّد التطوّر الذي عرفته الجزائر خلال السنوات الأخيرة إذن الدراسات التاريخية وليس لهذا النص الذي نصدّر به هذه الطبعة الجديدة لكتابنا تمهيد" من هدف سوى تبيان ما هو جديد في الموقف إزاء الماضي الوطني.
انتهى إذن تصور الأمة المطابق لذاتها وأنّ السيطرة الاستعمارية وحدها هي التي طمست وجودها، كما كان دائما في الأذهان.
انتهت فكرة الوحدة التي تحجب التنوع وتبعا لذلك تحجب الثراء الحقيقي الذي عرفته الجزائر في مسارها عبر التطور حينا والتراجع أحيانا، وعبر الاختلاف والتوافق والتأثيرات المتبادلة التي تعترضها وكذا تعايش شعوب مختلفة عبر الماضي.
لا تنغلق الأمّة البتّة في مفهوم نظري مجرّد لجماعة (Communauté) بشرية مستقرّة لا شيء يشغلها سوى الهمّ الاقتصادي والدفاع عن مصالحها واستقلالها، فالأمّة في الوقت الراهن، قضيتها مع ذاتها وروحها هي التي تتفاعل وهنا يكمن المشكل الأساسي وهو الذي يقود الباقي، إنّه جوهر الأمة ذاته الذي يثير الإشكالات لأنّ ما دون الأمّة (في المنظومة المجتمعية) يوجد المجتمع الذي هو المجال الذي ينتظم فيه الأفراد في حياتهم، ودون حجر الأساس هذا لن تكون الأمة شيئا يذكر كما أنّها ستكون منقوصة الكينونة في غياب الدولة التي تعبّر عن إرادتها.
تواجه الأمة خصمين هما الاستعمار الذي ألغاها، ونقيضه الذي استبدل هوية بأخرى هي هويته الخاصّة.
ليست الحياة التي نحياها في بلادنا ذات خصوصية في خطوطها العريضة، والأمم المستقلة حديثا في عمومها بعد الحراك الكبير الذي واجهت به الاستعمار، تكتشف يوما عن يوم أنه لا مفرّ من العودة إلى ذاتها تحت طائلة العيش على أمجاد أسطورية أو واقع مفترض، هذه الأمم لا تزال تواجهها مشاكل اقتصادية لأنها دائمة ولها النصيب الأكبر في الحياة اليومية للأفراد والدول أمّا المشاكل الثقافية وتبعاتها السياسية فهي جديدة، وتميّز المرحلة التي تلت السنوات الأولى أو عقود التخطيط للاستقلال وانتصاب المؤسسات القاعدية.
إلى أيامنا، يعود العديد من الكتاب (أفارقة وأسيويون وأوربيون) إلى الجذور؛ إلى الزنجانية (Négritude) والأفريقانية، والمزغنة (Berbérité) والعربنة (Arabité) والفرعونية، إلى العمق المتوسطي القديم، ويميلون إلى البحث على نحو مضطرد، ودون التوصل إلى النتائج المرجوة، لعلهم يعثرون على مسارات متميّزة في تكوين الأمم في العالم الأفريقي والأسيوي وتحديد الدور الذي لعبته القبائل الكبيرة في تلك المسارات التي لم يستخلص منها شيء بخصوص تحديد الأشكال الخصوصية التي قد يكون الإقطاع اصطبغ بها في هذه المناطق من العالم؛ وفي الأخير تراهم ينظرون نظرة جديدة إلى التأثير العميق والحاسم أحيانا الممارس منذ القرن XVI وعلى الخصوص خلال القرون XVIII و XIX وXX والمعزو إلى توسع الحضارة الصناعية التي انطلقت من أوربا.
خسرت نظرية الثبات والدوام ذات الطابع الوطني أرضيتها (ضمنيا أو بوضوح أقلّ أو أكثر) وقد أعطتنا الأبحاث والدراسات الشاملة - وهي على قلتها في الجزائر كثيرة خارجها - النتائج بإظهار وجه الهويات الوطنية الذي يختلف عن الوجه الذي أعارته إياها الأدلجة السطحية، أو قدسية تقاليد متصلّبة لم تخضع أبدا لرؤية علمية ولا نعرف أو بالأحرى لا نريد أن نعرف جزءها منتهي الصلاحية من جزئها الذي يحتفظ بحيويته.
لهذا نرى أنّ التجديد في البعد العالمي يهمّ البلدان الأفريقية أكثر من نظيرتها الأسيوية، وأقل من بلدان أمريكا اللاتينية وأستراليا حيث الشعوب القديمة أو السكان الأصليين (Aborigènes) كما يقال انقرضت تحت طائلة الفتوحات الأوربية في حين خضع السكان الزنوج للعبودية واعتنقوا النمط الأوربي في الحياة.
في مجموع هذه البلدان وبدرجات متميزة لكل منها ظهر تفكير علمي جديد مدعوم من طرف ذهنية جديدة يتمثل في نزعة قوية وتيار موجّه في ذات الوقت نحو شيئين يجتمعان في الممارسة ويفترقان في الفكر أي نحو وعي بالماضي وبالهوية يزداد حدّة من جهة ونحو نقد ذلك الماضي في شكله الخام الذي لم يعد يحظى بالرضا.
من غير الممكن في دراسة خاصة التجرّد من هذا السياق الكوني الذي يمثل إضافة نستنير بها لتأكيد ما اكتشفنا في بلادنا.
لقد سيطر المؤرخون والمنظرون الأوربيون على علم تاريخ الشعوب والحضارات واستخرجوا منها مبادئ قيم كونية لا جدال فيها، لا أحد يمكنه تجاهلها إذا كان يرغب في المزيد من المعرفة ولكن هذه المبادئ لم تأخذ في الحسبان إلا جزئيا تجارب المجتمعات القديمة المتخلفة والتي ظلت لفترات طويلة تحت السيطرة ولا ريب أن جهود الباحثين من تلك البلدان المندمجين أكثر مع محيطهم ستأتي بكل تأكيد بمساهمة معرفية معتبرة من حيث الكمّ للتاريخ الكوني ولكن ستكون نوعية في الجانب المتعلق بترقية المفاهيم الجديدة وتحديث نمط التطور الذي لم تعرفه أوربا أو في بعض الحالات نمط ضاعت ذكراه، ولم يعد له تأثير على التصورات التاريخية العامّة.
هذا مثال متميّز يوضّح ما كنا نشير إليه وهو إمانويل لوروا – لادوري (Emmanuel Leroy-Ladurie) عالم اجتماع ومؤرخ معاصر ذائع الصيت، ففي كتابه : "مجال المؤرّخ، باريس 1971" (***) استخرج مبدأ يقول فيه أنّ الحضارة الريفية في العالم الأوربي كانت في الأساس حضارة مجتمعات خاضعة، هكذا قدّم فكرة مطلقة لا أرضية لها ودون تمييز، فهذا المبدأ قد يعتبر نهائيا وطبِّق في الأساس على جميع الحضارات القروية والحال أنّه في مجموع ما يسمّى العالم الغربي شكّل تنامي مركزية السلطة ظاهرة مسيطرة منذ حوالي سنة 1000 بصفة شبه كلّية وهو ما جعل الاستقلال الذاتي للجماعات الريفية في تراجع مستمر، لكن الأمر اختلف في مسار مناطق جنوب المتوسط، حيث نرى في الدراسات التي نعدّها عن الحضارة القروية والريفية أنّ الجماعات الريفية وعلى الخصوص في الجزائر والمغرب وبصفة أقل في تونس قد لعبت دورا تاريخيا من الطراز الأول في الفترة ما بين القرنين XVI و XIX.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية