الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أساطير العالم ألحديث

كامل علي

2012 / 2 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في بحث سابق (آساطير ألأولين- الفردوس المفقود) تناولنا اساطير العصر الذهبي بالتفصيل وقلنا في المقدمة:
منذ أنْ زالت المشاعة الابتدائية ألتي عاشها الانسان القديم، وفقد الفرد سلطته على وسائل انتاجه لصالح الآخرين، تحوّل العمل من متعة وتحقيق للذات الى عبودية واغتراب، ومن طقس جماعي مُرْضٍِ الى وحدة قاسية بلا هدف او غاية الّا لقمة العيش اليومية التي تدفع للاستمرار يوما آخر. ومع نضوج المجتمعات الابوية التسلطية وإحكام حلقاتها على الافراد، صار الإنسان الى حالة احباط دائمة هي شرطه الاساسي في حياة تبدوا بلا معنى ولا تسعى الى غاية، سوى موت يضع حدا لفصل مؤلم.
ولكن المجتمع التسلطي استطاع انْ يحرّم الفرد من كل شيء إلّا من رغبة في التغيير بادية او كامنة و حلم. تجلت رغبة التغيير في ثورات البشر عبر التاريخ في سبيل حياة اكثر وحرية اكثر. وتجلّى الحلم، بديلا عن الفعل، في ادبيات البشر التي تصف عالما قادما، هو حرية كاملة ومساواة مطلقة وراحة من لعنة العمل المفروض على الانسان.
عالم لا مرض فيه ولا عناء ولا شيخوخة ولا موت. فكانت اساطير الجنة لدى كل الشعوب، تعبيرا سلبيا عن رغبة في التغيير لم تخرج الى حيّز الفعل، او فعل تمّ إحباطه فصار حلما ينتظر.
في هذا البحث سنحاول التطرق لبعض اساطير العالم الحديث كالشيوعية الماركسية والاشتراكية الوطنية الالمانية ( الفكر النازي).
1- ألشيوعية ألماركسية وأسطورة ألعصر ألذهبي:
إذا تركنا الحديث عن مصيرها التاريخي والسند الفلسفي للماركسية، وتوقفنا عند البنية الاسطورية للشيوعية، عند دلالة مذهبها في المآل وفي النهاية القصوى، وعند الوعود التي اطلقها والتي صادفت رواجا شعبيا. وأيا كان مقاصد ماركس العلمية، فمن الجلي أنّ صاحب (البيان الشيوعي) يستعيد واحدة من الاساطير الكبرى الخاصة بالنهاية والمآل، في العالم الآسيوي المتوسطي، ويواصل ألأخذ بها.
إنّها الاسطورة المعنية بالدور الانقاذي الذي يطّلع به العادل والمصطفى، والقدّيس، والبريء، والمبشّر. وتسميته الشيوعية ( البروليتاريا ). وإنّ العذابات وألألام التي يكابدها المُنقِذ مدعوة لأنْ تُحدِث تغييرا في البنية الانطولوجية ( علم الوجود بما هو موجود ) للعالم. على هذا النحو، فإنّ مجتمعا بدون طبقات يدعو اليه ماركس، وما ينتج عنه من زوال للتوترات التاريخية، يجد له السابقة الاكثر صوابا في أسطورة العصر الذهبي ألتي تُمَيِّزُ -بحسب تراث شعوب عديدة_ بداية ونهاية التاريخ ( يدخل ألأفكار ألمهدية ألإسلامية ضمن هذه ألأفكار ).
لقد عمل ماركس على إغناء تلك ألأسطورة الشهيرة مستفيدا من الايديولوجيا المُبشِرة بالخلاص في في كل من المسيحية واليهودية، هنالك من جهة أخرى، الصراع النهائي بين الخير والشر. ويمكننا بسهولة أنْ نقارنه بالنزاع بين المسيح والمسيح الكاذب الدجّال، والمتبوع بالظفر النهائي للمسيح الحقيقي.
وثمة دلالة هامة في متناول ماركس لفائدة مذهبه، دلالة الامل الذي يراود المسيحية واليهودية بنهاية قصوى للتاريخ تكون تكون بمثابة ألمآل. إنّ ماركس في هذا المنحى، يختلف عن سائر الفلاسفة من اصحاب النزعة التاريخية، الذين يعتقدون أنّ التوترات التي يطلقها التاريخ تلازم بالجوهر، الشرط الإنساني، وبالتالي لا يُمكن لها، ابدا، أنْ تضمحل وأنْ تتلاشى بتمامها.

2- ألإشتراكية الوطنية ( ألنازية ):
على عكس الشيوعية الماركسية، تشكو الميثولوجيا ( علم الاساطير ) التي اخذت بها الاشتراكية الوطنية ( النازية بالتحديد ) من تهافت لا يوصف، بالقياس إلى عظمة الاسطورة الشيوعية، وإلى التفاؤل الواسع الذي اثارته عند مُريديها. ولا تُعزى تلك الحالة إلى محدودية الاسطورة العرقية فقط، إذ لا يخطر في البال أنْ تقبلها عن طيبة خاطر، انحاء شاسعة من اوربا، وإنما يعود الميثولوجيا الجرمانية، على وجه الخصوص، إلى نزعة التشاؤم الاساسي الكامنة فيها.
مع ذلك ترتب على الإشتراكية الالمانية أنّ تبذل، بالضرورة، الجهد الحثيث من أجل إحياء الميثولوجيا الجرمانية القديمة. وفي سبيل ذلك عملت على محو القيم المسيحية بقصد لقاء الينابيع الروحية ل ( العرق الجرماني ) أي الوثنية التي انتشرت فيما مضى في اوربا الشمالية.
وبحسب منظور علم نفس الاعماق، إنّ محاولة مماثلة للعودة إلى ينابيع العرق الجرماني هي مجرد دعوة إلى ألإنتحار الجماعي، ذلك أنّ النهاية القصوى أو ألمآل المعلن عنه، والمرتقب من قِبل قدماء الجرمان يبدو في الدمار النهائي ألشامل ( رايناروك ). أي أنّ نهاية العالم تكون بكارثة. ذلك ألمآل يقتضي حصول معركة هائلة بين ألآلهة وألابالسة تنتهي إلى موت جميع ألآلهة وألأبطال، وتُفضي بالعالم إلى حالة السديم والعشوائية.
وفيما بعد سينبعث عالم جديد من بين الانقاض وسيعود إلى حياة جديدة. لذا فإنّ قدماء الجرمان عرفوا بدورهم المذهب القائل بوجود دورات كونية ( كما في ألدين ألزرداشتي والهندوسية ) وأخذوا بأسطورة خلق العالم ودماره بصورة دورية.
ألتساؤل الذي يطرح نفسه بشدة هو:
كيف أمكن لرؤيا تتناول نهاية التاريخ، إلى هذه الدرجة من التشاؤم، أنّ تُلهِبَ مشاعر شريحة، على ألأقل من الشعب الالماني؟ لهذا التساؤل اهميته البالغة، ولم يكف عن طرح المشكلات أمام علماء النفس.

مصادر البحث:
ألأساطير وألأحلام وألأسرار...... ميرسيا إيلياد
مغامرة العقل الأولى...... فراس السوّاح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال ممتع
وليد يوسف عطو ( 2012 / 2 / 29 - 13:30 )
الاستاذ كامل علي الجزيل الاحترام . مقال ممتع وهو حلم الانسانية في جنة سماوية كانت ام ارضية لتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على قوى الشر الراسمالية وعلى ابليس وهي قائمة على نسق المسيح المخلص والمهدي الموعود الذي سيملاء الارض عدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا ويبقى الحلم لذيذا وما اضيق العيش لولا فسحة الامل ؟ تحياتي لك


2 - الحلم
كامل علي ( 2012 / 2 / 29 - 17:11 )
تحياتي استاذ وليد يوسف
العدالة الاجتماعية ستبقى حلما للإنسانية والحلم هي الخطوة الاولى في مسيرة الالف ميل
شكرا لإغنائك الموضوع


3 - دورات كونية
شاميرام خوري ( 2012 / 2 / 29 - 19:33 )
دورات كونية ( كما في ألدين ألزرداشتي والهندوسية ) وأخذوا بأسطورة خلق العالم ودماره بصورة دورية.

وتجدها في المندائيه ان قرآت عنها ومشروحه بالتفصيل
شكرا لك


4 - سنقول - هنا بلد التخلف -
حكيم العارف ( 2012 / 3 / 1 - 00:59 )
يا استاذ كامل انت تتكلم عن الماركسيه والاشتراكيه والشيوعيه هذه كانت افكار تحاول الوصول الى الافضل وقتها

ولكن مانخجل منه هو ان نقول تحت الحكم الاخوانى والسلفى ..

-هنا القاهره-..


بل سنقول - هنا بلد التخلف - او - هنا بلد المليون ميكرفون - او اى شئ غبى نتباهى به امام العالم كدليل على جمود الفكر

اما نحن فى مصر فسنظل نتباهى بأمية الشعب المصرى تمسكا بأمية محمد واسوة به..


5 - دورات كونية
كامل علي ( 2012 / 3 / 1 - 07:02 )
عزيزي شاميرام خوري
شكرا لإغنائك الموضوع


6 - تخلّف
كامل علي ( 2012 / 3 / 1 - 07:13 )
عزيزي حكيم
الجهل والامية من اكبر مصائبنا فالشعب الذي اكثريته جهلاء سينتخبون جهلاء ومتدينين مثلهم وهذا ما حدث في العراق ومصر وتونس وسيحدث في سوريا
شعوبنا تحتاج للتنوير ويتوجب البدء به من المدرسة
ولكن شعوبنا ستجتاز حكم الجهلاء بعد معاناة طويلة فكل ولادة تسبقها مخاض عسير
شكرا لإغنائك الموضوع


7 - احلامنا مشروعة ولكن جدلية وليست فنتازية
سامى لبيب ( 2012 / 3 / 1 - 12:31 )
تحياتى عزيزى كامل
أذيل مقالاتى بعبارة -من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته - - حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع
يرى الكثيرون انه حلم طوباوى وقد يأخذون عليا إنتفاء المادية الجدلية فى التعاطى مع هذا الشعار
بداية أنا كماركسى لا أنفى الحلم بل أراه ضرورة حياتية للإنسان فبدون الحلم فلم نعرف العيش والحلم هو الأمل وليس الفنتازيا أى حلم له أرجل يضعها على الأرض وليست فى السماء
ليست مشكلة أن تصف الرؤى لشيوعية بالأسطورة والحلم ولكننا كماركسيين نؤمن بالحلم ونعلم أنه سيتحقق ليس غرورا ولا طوباويات وأمانى هائمة فى الهواء بل من دراسة علمية جدلية للظرف الموضوعى وإدراك جدلية وديالكتيك التاريخ وموقف الإنسان منها - لذا نحن لا نعيش الأسطورة التى تقتات على الخرافة والأوهام والبخور ولا تجد لها أى أرجل على الأرض فأحلامنا وأمانينا نحو عالم إنسانى متحرر تبنى ذاتها وتضع أرجلها عى تراب الأرض مغموسة فيه .
يمكن أن نفسر أحلامنا بشكل علمى وجدلى ويمكن أن نثبت أن حلمنا وأملنا سيتحقق بهكذا طريقة فليس هناك شئ خارج قانون المادية والديالكتيك
خالص مودتى

اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran