الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظروف المحيطة بتعريب الجيش الاردني

حسن محمد طوالبة

2012 / 3 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


شكل يوم الأول من آذار عام 1956 يوما مفصليا في تاريخ الأردن حيث شكل تحديا لبريطانيا العظمى آنذاك.كما انه يوم مشهود للراحل الحسين ( طيب الله ثراه ) .
من اجل الإحاطة بذاك اليوم , ومعرفة الظروف التي أحاطت به لا بد من التوقف عند العناوين الآتية :
1 . تأسيس الإمارة وزعامتها, وعلاقتها ببريطانيا.
2 . الأحزاب الأردنية
3.البرلمانات الأردنية
4. الكيان الصهيوني والأردن.
أولا: تأسيس الإمارة وزعمائها.
خضعت منطقة شرق الأردن للانتداب البريطاني بموجب اتفاقية ( سايكس ـ بيكو ) 1916 , وكان في الأردن قبل مجئ الأمير عبدا لله بن الحسين ثلاث حكومات هي عجلون والسلط والكرك ,فوحدها الأمير في حكومة واحدة برئاسة رشيد طليع عام 1921 . عمل الأمير من اجل نيل الاستقلال , ولكن بريطانيا ماطلت كثيرا ,واكتفت بإبرام معاهدة ثنائية في 20 شباط 1928 , قيدت الأمير بشروط كبيرة , الأمر الذي حذا بزعامات الأردن الوطنية أن تثور ضد تلك المعاهدة ,وتدعو لعقد اجتماع حضره أكثر من 100 شخص , عرف ذاك الاجتماع بالمؤتمر الوطني الأول عام 1928 , ومن اجل مواصلة قرارات المؤتمر الأول عقدت أربعة مؤتمرات أخرى في الأعوام 1929 , 1930 ,1932 , 1933 .
لا أريد الخوض في تفصيلات تلك المؤتمرات ولكني أتوقف عند بعض القرارات مثل : اعتبار وعد بلفور مخالفا لوعود بريطانيا للعرب , وتصرفا مضادا للشرائع الدينية والمدنية في العالم . واعتبار إمارة شرق الأردن دولة عربية مستقلة ذات سيادة بحدودها الطبيعية المعروفة .
استثمر الأمير تلك الضغوط الشعبية ففاوضت حكومته بريطانيا لتعديل تلك الاتفاقية الجائرة, فتم تعديلها مرتين تم منح الأمير بعض الصلاحيات البسيطة.
وعندما نشبت الحرب العالمية الثانية ( 1939 ـ 1945 ) شارك الجيش الأردني الفقير بمعداته في أربعة معارك إلى جانب القوات البريطانية , وقد نال الجيش الأردني كتاب شكر من قائد قوات الحلفاء المنتصرة , كما شاركت سرية أردنية في استعراض القوات المنتصرة في طهران , فاستثمر الأمير ذلك فبدأ مفاوضة بريطانيا من اجل الاستقلال حتى تحصل عليه عام 1946 .
لم يمضي عام على الاستقلال حتى صدر قرار تقسيم فلسطين رقم ( 181 ) في 29 / 11 /1947 , وبعد ستة أشهر وقعت نكبة فلسطين في 15 / 5 / 1948 ,الأمر الذي قاد إلى وحدة الضفتين في 24 /4 /1950 عقب أربعة مؤتمرات لوجهاء فلسطين في عمان وأريحا ورام الله ونابلس . ولم يمضي عام حتى اغتيل الملك عبدا لله 20 /7 / 1951 في القدس , ونودي بابنه طلال خلفا له , غير أن مرضه دفع البرلمان إلى تسليم العرش إلى اكبر أبنائه حيث تسلم الملك حسين اكبر أبنائه الحكم في ظل وصايه عليه ,وهو الذي قاد عملية تعريب الجيش .
ثانيا : الأحزاب الأردنية .
شهد الأردن نشأة الأحزاب السياسية منذ وقت مبكر , فمنذ عام 1919 تأسس أول حزب هو حزب الاستقلال , وهو امتداد للجمعية العربية الفتاة التي أنشأها العرب أيام الحكم العثماني , ثم نشأ حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني الأول عام 1928, ونشأ إلى جانبها ثمانية أحزاب أخرى .
لقد برز دور واضح لشيوخ العشائر في انشأ الأحزاب , وما يؤخذ عليها أنها أحزاب نخبوية عضويتها للأعيان وشيوخ العشائر , كما أنها أحزاب آنية , وأحزاب برنامجية ليس لها أية إيديولوجية محددة وواضحة , وكانت أحزاب بسيطة غير منظمة , ولكن كان هدفها الأول هو الاستقلال والتحرر والإصلاح .
أما الأحزاب في عهد المملكة فقد صار لها أهداف وإيديولوجيات,
ويمكن تقسيمها إلى أربعة تيارات :
1 . التيار الأول : هو التيار الاممي اللاديني , يمثله الحزب الشيوعي بشقيه الماركسي والماوي ,وسبب انتشاره انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية مع دول الحلفاء على دول المحور ( 1939 ـ 1945 ) , وبدء الحرب الباردة بينه وبين الولايات المتحدة , ودفاعه عن الفقراء والعمال , وتبنيه المنهج الاشتراكي في مقابل المنهج الرأسمالي .
لقد وجدت تلك الأفكار قبولا من العرب الذين كانوا في مرحلة التحرر والاستقلال, ويتوقون للعدالة الاجتماعية.
2 . التيار الثاني : التيار الاممي الديني , ويمثله الإخوان المسلمين ,
الذي نشأ في مصر عام 1927 على يد حسن البناء , ويؤمن بإقامة دولة إسلامية تضم العرب وغيرهم من المسلمين , وطرح شعار .الإسلام هو الحل .وقد لاقى هذا الطرح رواجا من قبل العرب المسلمين البسطاء .
3 . التيار الثالث : هو التيار القومي , ويمثله حزب البعث الذي نشأ في سوريا عام 1947 , ودعا إلى الوحدة العربية والتحرر والعدالة الاجتماعية ( الاشتراكية ) . ووجد هذا الحزب رواجا لدى الذين ينادونا بالوحدة العربية, كما تلاقى البعث مع الحزب الشيوعي في مسألة الاشتراكية, فأطلق عليهما التيار اليساري.
4 . التيار الرابع : هو التيار الوطني , ويضم الأحزاب ذات الشعارات المحلية مثل الإصلاح في أنظمة الحكم وفي الاقتصاد والتعليم والحياة الاجتماعية .
ثالثا: المجالس النيابية.
بدأت الحياة النيابية عام 1929, وكان اسمها ( المجالس التشريعية ) , وقد تم انتخاب ( 5 ) مجالس تشريعية حتى عام 1947 . لقد كانت مهمة المجلس الأول, كما خططت لذلك الحكومة آنذاك, الموافقة على المعاهدة ( الأردنية ـ البريطانية ) لعام 1928 الأنف ذكرها.
بدأت الحياة البرلمانية بعد الاستقلال وبالذات عام 1947 وقد تم انتخاب 9 مجالس نيابية حتى عام 1976 ,وفي ذاك العام تم تعطيل المجلس النيابي ,فتم تعين 3 مجالس استشارية حتى عام 1984 .
أعيدت الحياة النيابية عام 1984 وتم انتخاب 8 مجالس نيابية حتى عام 2011 . وبذلك يكون عدد المجالس التشريعية والاستشارية والنيابية منذ 1929 ـ 2011 ( 25 ) مجلسا , وبدأ عدد أعضاء المجلس ( 20 ) عضوا ثم أصبح 40 , 60 , 80 , 106 , 120 .
بدأت الحياة البرلمانية بعد الاستقلال أي في الأول من شباط عام 1947 , حيث نص دستور عام 1947 على تأليف مجلس امة من مجلسي الأعيان والنواب , ومدة المجلس أربع سنوات , ويكون عدد الأعيان نصف عدد النواب .
ويعد مجلس النواب الذي انتخب في 25 / 10 / 1956 من المجالس التي يشار إليها بالبنان , حيث شهد الرأي العام بنزاهة تلك الانتخابات , ولا سميا أنها تمت على أساس التكتلات الحزبية , وقد فاز الحزب الوطني الاشتراكي ب ( 11 ) مقعدا , وقد كلف الملك الحسين سليمان النابلسي زعيم الحزب الوطني بتأليف الوزارة , رغم انه لم يفز في تلك الانتخابات النيابية .
تكمن أهمية هذا المجلس في انه والحكومة المنبثقة عنه, الغى المعاهدة ( الأردنية ـ البريطانية ) لعام 1948. وبإلغائها تم انفتاح الأردن على الدول العربية وخاصة مصر وسورية والسعودية,
حيث وعدت تلك الدول تعويض الأردن المنحة المالية التي كانت بريطانيا تقدمها للأردن.
رابعا :الاعتداءات الإسرائيلية على الأردن .
ظن العرب أن توقيع بعض الدول العربية على اتفاقية الهدنة مع سلطات الكيان الصهيوني , ستكون بداية لفترة هدوء على الحدود بينها وبينه , ولكن هذا الظن لم يكن إلا حلما , لان الكيان الصهيوني يرغب في استمرار التوتر على خطوط الهدنة .
لقد اعتدت القوات الصهيونية على المواطنين العرب في القرى المحاذية بهدف إرهابهم وإجبارهم على الهرب من أراضيهم وقراهم
فقد شنت هجمات على قرى : دير أيوب , وشرفا ت في ضواحي القدس ,وبيت جالا , وقفين , ورنتيس , وقبية وكان الهجوم على قبية واسعا ومؤثرا حيث تم نسف ( 42 ) من بيوتها وقتل ( 66 ) من أبنائها .
لقد كان الزعيم ( اشتون ) البريطاني قد تلقى نبأ الهجوم على قبية
ولكنه لم يتخذ ما يلزم لمواجهة القوات الصهيونية . وبعد التحقيق تبين تقصير الزعيم اشتون , وعلى الفور أمر الملك الحسين عزله من الجيش , وكان هذا أول أمر يصدر في الأردن بحق ضابط بريطاني . وتكررت الاعتداءات الصهيونية على القرى العربية
وعلى المخافر الأردنية الأمامية , وكانت قوات الحرس الوطني تتصدى لها بما تملك من أسلحة قليلة , كما كانت الطائرات المعادية دائمة التحليق فوق الأجواء الأردنية . ورغم وضوح الاعتداءات الصهيونية على الأردن إلا أن بريطانيا التي يفترض أنها حليفة للأردن أعلنت انحيازها إلى جانب العدو .وخلال المدة ما بين 1949 ـ 1957 قتل 111 وجرح 72 من العسكريين الأردنيين ,
كما قتل 504 , وجرح 275 من المدنيين .
على اثر حادث قبية طلبت الحكومة الأردنية من بريطانيا أن تتقدم لمساعدتها حسب نصوص المعاهدة بين البلدين , لكن وزير خارجيتها ( إيدن ) تنصل من التزامات بلاده إزاء الأردن , وفي الوقت نفسه صرح رئيسه تشرشل مؤيدا الكيان الصهيوني . وبدلا من التزام بريطانيا بالمعاهدة وعدت الأردن بمنحه 8 ملايين دينار
للقوات الأردنية .اثر هذه المواقف ساد العلاقات بين البلدين شئ من البرود , فاتجه الملك الحسين إلى الدول العربية لتامين المنحة التي
تقدمها بريطانيا , فلم يحصل الأردن إلا على القليل .
في تلك الأثناء عقدت تركيا والعراق اتفاقها المعروف ( حلف بغداد ) ودعت الأردن للانضمام إليه , ولكن الجو المحيط بالأردن , وكذلك الرفض الشعبي للحلف حال دون توقيع الأردن عليه , رغم ما كانت الحكومة تعتقده من منافع ومكاسب من ذاك الحلف .
وقد قام الرئيس التركي ( جلال بايار ) بزيارة إلى الأردن في 2 / 11 / 1955 0 بهدف إقناع الملك الحسين دخول الحلف , ولكن الزيارة وفكرتها قوبلت بالرفض من الشعب الأردني , الأمر الذي حذا بالملك الاستجابة إلى رأي الشعب .
ما قبل التعريب :
اختمرت فكرة تعريب الجيش في ذهن الحسين , نظرا لمواقف بريطانيا السلبية من مطالب الأردن الخاصة برفد الجيش بالأسلحة والمعدات التي تمكنه من مواجهة العدو الصهيوني .
في صباح يوم 9 /4 / 1955 دعا الملك إلى اجتماع عسكري حضره رئيس الوزراء وعدد من الوزراء ورئيس الأركان واحد ضباط الاستخبارات البريطانيين. في ذاك الاجتماع حدد الملك مطالب الأردن بالنقاط الآتية:
1 . يجب أن تتوفر في الجيش الجدارة والكفاءة الكبيرة , كما يجب أن يكون مستوى الضباط عاليا , ومن نقاط الضعف عندنا أن أكثر الضباط وصلوا إلى مراكزهم بحكم الاقدمية دون مراعاة للكفاءة والجدارة . واجبنا أن نرفع مستوى الضباط وفق برنامج معد حتى نملا جميع المراكز في جيشنا بشباب قادرين على العمل المنتج من أبناء البلد.
2 . يضطلع جهاز القيادة في الجيش بأمور ليست من اختصاصه, فقيادة الجيش مثلا لا اختصاص لها بسلاح الطيران, وهذا يقال عن الشرطة والدرك ودائرة المباحث.
3 . يجب أن تقوم الخطة العامة على الدفاع عن كل شبر من أرضنا, ويجب أن لا يكون هناك تراجع, والخطة العسكرية يجب أن تعنى بالهجوم المعاكس أيضا.
4 . تنفق أموال الجيش أحيانا فيما هو غير ضروري كبناء العمارات الأنيقة والنوادي وابتياع المواد اللازمة من بريطانيا بثمن يزيد على ثمنها في الأسواق المحلية.
5 .الذخائر الاحتياطية غير كافية.
6 . إننا في أمس الحاجة إلى سلاح الطيران يصد عنا العاديات ويحمي خطوط مواصلاتنا ويقصف مواقع الأعداء.
7 . يجب أن تشكل كتيبة فدائيين , وان نقوي قلم الاستخبارات العسكرية , وان ننشئ جهازا للدفاع المدني .
8. كان الملك يطمح ان يتولى الضباط الاردنيين مواقع مهمة في قيادة الجيش . بحيث يتم ترفيع الاكفاء منهم ليحتلوا هذه المواقع .
إن هذه المطالب التي قدمها الحسين تعبر عن عدم رضاه على القيادة البريطانية , وعدم تشجيعها الضباط الأردنيين على تولي قيادات مهمة في وحدات الجيش .
في يوم الخميس الموافق الأول من آذار 1956 عزم الملك أن ينهي خدمات رئيس الأركان ( كلوب باشا ) , فطلب إلى رئيس الوزراء أن يعقد جلسة طارئة لمجلس الوزراء , لبحث الرغبة الملكية , فاستجاب هو والوزراء لرغبة الملك فاتخذ القرار الأتي :
بناء على الرغبة الملكية قرر مجلس الوزراء الأتي :
1 . إنهاء خدمة الفريق كلوب من منصب رئاسة أركان الجيش العربي الأردني .

2 . ترفيع الزعيم راضي عناب لرتبة أمير لواء وتعينه لمنصب رئاسة أركان حرب الجيش العربي الأردني .
3 .إنهاء خدمة القائم مقام ( باترك كوجهل ) مدير الاستخبارات .
4 . إنهاء خدمة الزعيم ( هانون ) مدير العمليات العسكرية .
وعلى الفور استدعى رئيس الوزراء كلوب وابلغه قرار إنهاء خدماته وطلب إليه مغادرة عمان صباح اليوم التالي, ثم استدعى اللواء راضي عناب وابلغه إسناد رئاسة أركان حرب الجيش له .
في اليوم التالي ألقى الحسين عبر الإذاعة كلمة قال فيها : " أحييكم أينما كنتم , وحيثما وجدتم , ضباطا وحرسا وجنودا . وبعد : فقد رأينا نفعا لجيشنا وخدمة لبلدنا ووطننا , أن نجري بعضا من الإجراءات الضرورية في مناصب الجيش , فنفذناها متكلين على الله العلي القدير , ومتوخين مصلحة امتنا وإعلاء كلمتها , وإنني أمل فيكم ـ كما هو عهدي بكم ـ النظام والطاعة .
وقد جاء في اسباب القرار على لسان الحسين " ان الراي العام كان يجهل ان قضية عزل الجنرال كلوب من منصبه كانت قضية اردنية , لانه كان يعمل لحساب حومتي " .
وهكذا اكتمل حلم الملك الحسين بتعريب الجيش وتسلم شباب الأردن قيادته , ويعد الجيش العربي أنموذجا في الوطنية والإخلاص والاستعداد للدفاع عن الوطن , فالمجد للجيش العربي , والرحمة للحسين , والعزة لابنه الملك المجدد عبدا لله الثاني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما الذي تأمله تركيا من تقدم المعارضة في سوريا؟


.. مشاهد جوية تظهر دمارا في بلدة المطلة على الحدود اللبنانية




.. مجزرة بقصف إسرائيلي على تجمع للنازحين جنوب غزة


.. طفلة خائفة تصرخ: وينك يابا.. بعدما أضاعت عائلتها على طريق ال




.. البرلمان الفرنسي يحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء ميشال بارن