الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعلان وتكريس المفاهيم التقليدية

عائشة خليل

2012 / 3 / 3
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


يتحدث الكثيرون عن أهمية الإعلام ودوره المحوري في التواصل، ونقل المعلومة، والحدث، والرأي، والرأي المضاد. وقد هبت علينا رياح التغيير مع الربيع العربي، الذي خلف وراءه فضاءات إعلامية مفتوحة إلى حد ضاق بها ذرعًا القائمون على الأمر في مصر، الذين ما فتئوا يتحدثون عن ضرورة الالتزام بالمهنية، والحيادية، ويطالبون الإعلاميين بعدم إثارة الرأي العام، ويصفون مخالفيهم في الرأي بالعمالة. فقد امتلأ بر المحروسة بالمحللين السياسيين في أعقاب الثورة من شتى الأطياف الأيديولوجية. ومع ذلك يغيب دور المرأة المأمول عن التحليل الرصين - حتى بين من يدعي الدفاع عن المكتسبات النسوية، وأهمية الدور الرائد للمرأة في المجتمع المصري بعد الثورة.
فلقد خرجت علينا شركة ملابس داخلية بإعلان يبث منذ أيام على عدد من القنوات الفضائية، يمكن وصفه بأنه مهين للنساء، ومع ذلك لم نسمع بأحد يندد به، مع أن إعلانات ذات الشركة أثارت منذ أقل من ستة أشهر عاصفة لم تهدأ إلا بسحب الإعلان من التداول. وامتدت العاصفة لتشمل صفحات ومنتديات تندد به، وتطالب بمقاطعة منتجات الشركة، وأقلام تتحسر على الرجولة الضائعة (انظر المصري اليوم عدد 2627 بتاريخ 23 أغسطس 2011 مقالة د. غادة شريف "الرجولة ما بتجيش بسهولة") ناهيك عن البكاء على الأخلاق التي ذهبت بلا رجعة. ولا شيء من هذا يعني أنني ضد تلك العاصفة، وإنما وددت لو رأيت مثلها على الإعلان الجديد، لأشعر أن المرأة ستتبوأ مكانتها المنشودة في مصر بعد الثورة.
دعونا إذاً نلقي نظرة على الإعلان: يتحدث صديقان يبدو أنهما يقطنان معا في نفس العقار على الهاتف، ويقول أحدهما للآخر : إنه ينوي الزواج، فيحذره الثاني من مغبة الأمر ويدلل على صدق قوله بأمثال من الأزواج الذين يقطنون في ذات العمارة، فماذا لو كانت زوجته مثل زوجة فلان الذي يقطن معهم في الدور الفلاني، والتي تخنقه؛ أو زوجة فلان والذي يقطن معهم في الدور الفلاني التي لا توليه أي اهتمام، أو زوجة فلان التي حاصرته بإنجابها عددًا كبيرًا من الأطفال. وينصحه بأن يبقى أعزب وحرًّا مثل فلان والذي يقطن معهم أيضًا في الدور الفلاني. ولا بد أن أشيد أولا بالإخراج الفني للإعلان، والذي استطاع أن يعبر عن الفكرة في كل لقطة من خلال حبل الغسيل وما عليه من ملابس داخلية : فالزوج الذي يفترض أن زوجته تخنقه ملابسه محكمة بالمشابك، والجار الأعزب ملابسه شبابية، وهكذا دوليك.
وربما كان الإخراج الجيد هو ما ألهاني عن مضمون الإعلان، فلم ينفرني منه عند أول مشاهدة. ولكنني كلما تمعنت في معانيه أدركت كم هو مهين للنساء والزوجات. فإلى متى سوف نلقي على الزوجات بالمسوؤلية في الإنجاب؟ أوليست العلاقة الزوجية هي فعل يقوم به طرفان ويتحملان معًا المسؤولية عما يترتب عليها من حمل وإنجاب؟ وإلى متى سنهادن الأقوال المرسلة التي تدعى بأن المرأة تتآمر على الرجل لتجنب منه، وبالتالي لتربطه؟ نعلم جميعًا أن النساء هن من يتحملن تبعات الإنجاب، فهل علينا أن نعدد ما تقوم به النساء من مهام لتربية الأطفال في مقابل ما يقوم به الزوج من أدوار؟ فالزوجة هي التي تطهو، وتطعم، وتجلي الأواني، وتنظف المنزل، وتعتني بالملابس من غسيل، ومكواة، وتراجع مع الأطفال دروسهم، وتقوم بعدد لا يحصى من المهام بشكل يومي وعلى مدار أعوام حتى توفر بيتًا ملائمًا وصحيًا للزوج والأطفال؛ في مقابل ما يقوم به الأب من العمل لتوفير المعيشة للأطفال، ليعود كي يستريح في البيت الذي ترعاه الزوجة، بالإضافة إلى عملها خارج المنزل. فمهمة الزوج تنتهي مع انتهاء يوم العمل، بينما تستمر مهام الزوجة في ’الفترة الثانية’ داخل منزلها.
ومما أثارني في الإعلان أيضاً هو اختزال دور الزوجة في الرعاية، وإطلاق الأحكام عليها من منطلق مدى رعايتها ’المتخيلة’ لزوجها، ونقدها كما في السيناريو المطروح لكونها: إما متسيبة فهي إذاً لا تهتم بزوجها، وإما متشددة فهي بذلك تخنقه، أو أنها المتآمرة الكبرى على حياته بإنجابها العديد من الأطفال. ففي هذا أيضًا تسطيح للعلاقة الزوجية التي هي “مودة ورحمة” وتحميل تبعاتها بالكامل على المرأة. بحيث يقدم شبابنا على الزواج ولديهم فكرة مشوهة مفادها أن دور الزوجة يتمحور حول تلبية احتياجاتهم، وأن تلك الزوجة في المقابل ستكون بلا احتياجات شخصية. وعندما تتبدد أحلامهم الوردية بسبب عجزهم عن التعاطي مع المرأة بكونها إنسانا ذا مشاعر، وأحاسيس، وتطلعات، وأحلام، تنهار الأسرة لأنها لم تبنَ على توقعات واقعية، وإنما على أوهام متخيلة.
ولست أبالغ في تأثير المخرجات الثقافية على وعي شبابنا، فالصور الثقافية تتسرب إلينا من خلال تلك المخرجات (مثل الأفلام، والأغاني، والإعلانات وغيرها) لها أكبر الأثر على تشكيل وعي الشباب عن الأدوار الاجتماعية المرسومة في الثقافة، وبالتالي المتوقع منه. وعلينا عدم التساهل فيما نطرحه من أفكار إن كنا بحق نأمل في بناء مصر الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالرغم من مردوده المادي الضئيل... نساء تعتمدن على إعداد الخب


.. وادي الضباب في تعز الهدوء والجمال الطبيعي في زمن الحصار




.. المرأة الريفية صمود ونضال أمام واقعها المهمش


.. المسؤولة الإعلامية في منظمة كفى زينة الأعور




.. جنان الأعور إحدى المشاركات في المحاضرة