الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميتيران يزحلق الشرق الأوسط !

احمد مصارع

2005 / 1 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ميتيران يزحلق الشرق الأوسط
كان الرئيس الفرنسي الراحل , والذي حكم فرنسا , بنفس الطريقة الشرقية , إذ لم يترك كرسي الرئاسة , إلا عندما اختطفه الموت عنوة .
لقد كان الرئيس ميتيران بحق من أقوى العقول الحارة , التي استطاعت وبقلب بارد , دفع عموم الشرق الأوسط الكبير نحو هاوية اليوم , وعن طريق زحلقته , لتنزلق مركبته , ويغرق في مستنقع خانق .
ومن بين النخب المثقفة على درجة عالية , وفي فرنسا حصرا , وجد العديد من العبقريات التي تكتب , وتواري حقيقتها بشكل متقن الصنع , ويحتاج القاري إلى فراسة وعمق لكي يدرك أبعاد شخصياتهم , بقراءة ما وراء سطور كتاباتهم وأعمالهم .
الفيلسوف والأديب جان بول سار تر , كان واحد من هؤلاء , ولكن قراءته بعمق , يكشف عن روح نازية عميقة وموغلة , وليس من السهل تلمس غورها , ومع ذلك اقترب من اليسار والاشتراكية والماركسية , وهو في الحقيقة ليس من هؤلاء جميعا .
الرئيس ميتيران لم يكن اشتراكيا بهذا الاتجاه , بالرغم من زعامته للاشتراكية الفرنسية , التي هي محصلة لفرنسا الديغولية , ولافضل لتوازنها إلا لمؤسسي الجمهورية في ذلك , فالقطاع العام يشكل النصف , وأكثر بقليل , كما يشكل الرأسمال النصف الآخر , وكل تغير أو تبدل في سياساتها ومن حزب لآخر , يبقى هامش التعديل , لا يتعدى حاجز الخمسة بالمئة لصالح أحد القطاعين .
لقد كان المطلوب في عهد ميتيران أوروبيا وأمريكيا ,إلحاق الشرق الأوسط الكبير بمصالحهم المشتركة , ولكن اختلافا خفيا عن الأنظار كان يحدث آنذاك , مابين العقل الأوروبي , والعقل السياسي الأمريكي .
الخلاف كان في الأساليب والطرق , وليس في الأهداف , وفي طريقة كل منهما , يمكن ملاحظة الطبيعة الشخصية لهما , ودور التراث التاريخي لكل منهما في صياغة استراتيجيته .
لقد كان الشرق الأوسط الكبير يعش ازدواجية في غالبيته , حيث تعلن غالبية بلدانه المكونة , من بدلات عسكرية وكاكية , تراوح مابين الثورية والتاريخية , واليسارية والاشتراكية , ظاهرا , ولكنها حكومات رجعية وموالية للغرب , تدور في فلكه , في تبعية اقتصادية مفضوحة .
لقد لاحظ الزعيم الراحل بومدين تلك الازدواجية وتحدث عنها مبكرا وحين أعلن استغرابه من بلدان الشرق الأوسط , صغيره وكبيره , حين ترفع شعارات من أجل تحرير أوطانها , بينما هي تعتمد في اقتصادها على السياحة ؟ تعلن في شعاراتها الثورة وتعتقل الثوار الأحرار وتزج بهم في السجون , وتدعي الوطنية وتحارب الوطنيين والقوميين ..؟! وشواهد الحملة على من كانت مرجعيتهم النهضوية الإسلام , فقد وقع عليهم العبء الأكبر من التهميش ..
أليست ازدواجية مقيتة , أن يسجن الاشتراكي بقصد عزله عن التأثير والتأثر , بوصفه لا اشتراكيا , وكذلك الثوري واليساري والشيوعي والوطني والقومي ..الخ .
من صفات الطغيان استلاب نتاج عمل الآخرين , و يصعب تمثيلها , للتطهر منها , وحتى العقل السياسي البريطاني نفسه لا يستطيع عند عكسه توضيح مثل هذه الظاهرة , فكل حسنات السياسة الأوروبية هي بريطانية , وكل حسنات السياسة الأمريكية هي بريطانية , بينما العكس غير صحيح !
لقد كان الأوضاع الحكومية الطاردة في الشرق الأوسط آنذاك تسمح بكل وضوح إلى طرد أبنائه , خارج البلاد , أو داخل السجون , ولو كان هناك استراتيجية شيوعية هجومية آنذاك لوجدت أبناء الشرق الأوسط , محاربون أشداء في أمريكا اللاتينية مع الجماعات الثورية هناك , كما وجدوا في أفغانستان والبوسنة والهرسك , وذلك تبعا لمبادئهم التي يؤمنون بها , كل ذلك لأن لا فرصة لهم في بلدانهم , لأن الحكومات أممت كل شيء , وصادرت حتى مبادئهم , وألأدهى والأمر , أن الحكومات أدوات أنظمة الطغاة , أغلقت الباب حتى على الكوادر العلمية التي تكونت في البلدان المتقدمة , بل وفرطت بهم , وخلقت صعوبات وعراقيل في وجه عودتهم ,بطرق شتى , والقصد منها الاستئثار بالسلطة والثروة , وبعبارة ساخرة فان لديهم من ( العباقرة ) المحليين ما يكفي , أو على طريقة القاضي الفرنسي كوفنهال : الجمهورية ليست بحاجة للعلماء .
أصبحت لوحة الشرق الكبير واضحة المعالم , أنظمة مرتبطة اقتصاديا بالغرب فعليا , وسياسيا بالكتلة الشيوعية شكليا , وما يمكن تسميته بالمكافحين من أجل حياة أفضل والمهمشون في بلدانهم أفرادا وأحزابا وجماعات , مهيئون لبيع طاقات عماهم لمن يشتري .
لقد لعبت بعض البلدان النفطية , من الطغم المالية دور السمسرة والوسيط , مع الغرب لزحلقة الأنظمة والأفراد وفقا لمصالح الإمبريالية الجديدة , وهي جديدة لأنها تهاجم بشراسة وحتى بعد سقط خصومها .
لما يفرض على المغتربين عن بلدان الشرق , وعبر عدة عقود , تحويل غربتهم المؤقتة إلى هجره؟
لماذا تحطم كل جسور عودتهم بحجج واهية ؟ لماذا تستثمر طاقاتهم بلدان أجنبية ؟
ما تقوم به الإمبريالية الجديدة في سيناريو أسود تلخصه الجملة الساخرة واللاذعة عراقيا :
يقصه لحما , ويثرمه كبابا , ويذبه عظاما ...!
ميتيران هو الذي طبق بحزم فكرة الدعوة إلى ( أسلمة ) أنظمة الشرق , موحيا بقدرة الرفاهية والعامل الاقتصادي وهذا من وحي الاشتراكية الخلبية , وكان يوحي للأنظمة شبه الثورية والنفطية خاصة , بسلوك طريق بلدان الطغيان النفطية , وللحالمين بالديمقراطية بضرورة فسح المجال لقوى يعرف طبيعتها جيدا , واستطاع بذكاء تأجيج الصراع بينها وبين بلدانها , لأنه لم يمهد لها تمهيدا كافيا , فألقى في ساحاتها بؤر صراع مرير , لم تخمد نيرانها بعد .
ولأن الاستراتيجية سيئة الصيت التي قادها العقل السياسي المتيراندي , واسعة فسأكتفي بالتلميحات اللازمة , من الأمثلة , من مثل تغذية حرب الخليج الأولى , وتفتيت النسيج الجزائري , ونظرية الحصار التي فرضت على العراق , لعقد كامل ..!!
في حرب الخليج الثانية , أرادت أمريكا الهجوم بقوة على العراق , كما فعلت بالصومال مثلا , ولكن المسيو ميتيران أوقف اللعبة , ليجعلها نظامية وفعالة , فإسقاط نظام لا يكفي ..؟؟
في العراق يوجد ( الشنفرى ) وهو ثعلب الصحراء , ولإخراجه توجد طرق ناجعة , لقد كان يعيد علينا سيرة سيئة الصيت يضاعف فيها , أضعاف التدمير الذي تحدثه أنظمة الطغيان , وفي الحصار الطويل سجلت الذاكرة الإنسانية , معاناة حقيقية لشعب عزل عن العالم لأكثر من عقد من الزمن وهذا ما لم يحدث في تاريخ البشرية بأسرها على ضخامة أضراره وعلى كل الكائنات الحية فيه .
لقد أصبحت أخشى على الشرق من وحدة الاشتراكيين الأوروبيين , أكثر من وحدة الاريستوقراطيين فيه !!
احمد مصارع
الرقه -2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل