الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران.. الطرف الثالث

سامي فريدي

2012 / 3 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


سامي فريدي
ايران.. الطرف الثالث

في الدرس اللغوي تعتمد لغة الخطاب على طرفين هما (أنا وأنت)؛ لكن الضمائر في لغة المفرد هي أكثر من أثنين، هي ثلاثة، (أنا/و أنت / وهو). ويسمى الضمير الجديد بالشخص الثالث. هذا الشخص هو المنتهز أو المتربص،- وهذه من خصائص ابليس في الفكر الديني-، فهر يراقب الاثنين وينتهز الفرصة للايقاع بينهما أو الاستيلاء على الأضعف فيهما عند سقوطه.
في التاريخ السياسي الأوربي، يوجد شاهد على هذا الدور، والذي لعبه بجدارة ونجاح هي دولة النمسا في عهد الهابسبورغ.
في القرون الوسطى، تراجع شرق أوربا سياسيا، بعد أن كان له دور رئيس في التاريخ الأوربي القديم حتى أواخر عهد الرومان. وصارت مناطق النفوذ الجديدة في شمال وغرب أوربا تتنافس للسيطرة عليها واعتبارها امتدادا لنفوذها، وفي مقدمة اولئك روسيا القيصرية. للمقارنة.. حال العرب بعد سقوط دولتهم بيد المغول وتنافس الفرس والترك على محاصصتهم، وقد تكرر الأمر بعد سقوط دولة العثمانيين وتنافس انكلتره وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة لاقتسام العرب-!.
وقد دفعت شعوب شرق أوربا خسائر فادحة في الأرواح والأموال جراء صراعات السيطرة تلك بين الروس والترك. وكانت عائلة الهابسبورغ تراقب عن كثب وتتدخل من وقت لآخر في سبيل الوساطة وحلّ الخلافات، واستطاعت مع الوقت والمثابرة وعدم اليأس أن تضع حداً للصراع في منطقة ما، لقاء اقتسام الغنائم بين ثلاثة وليس بين الاثنين المتصارعين فحسب. فامتدّ نفوذ دولة الهابسبورغ شرقا في أرض يوغسلافيا السابقة، مخترقة أرض المجر.
علما أن عائلة الهابسبورغ التي استمر حكمها قرابة ألف عام، واعتبرت الوريثة الشرعية لقيصر روما، كان لها نفوذ اسمي في ثلاثة عوائل ملكية حاكمة في غرب أوربا. ورغم انتهاء دورها السياسي منذ الحرب العالمية الأولى قبل قرن تقريبا من الآن، فما يزال لها وزنها الاجتماعي، ولها عضو في برلمان الاتحاد الأوربي.
*
وفي البلاد العربية تلعب ايران دور الوسيط هذا. فهي لا تمارس دورها كطرف ندّ للعرب أو أي جهة أخرى، وانما هي طرف ثالث، وصي أو وسيط في خلاف.
وأصل دورها التاريخي هو في حلّ الخلاف الاسلامي بين أهل قريش وأهل البيت (علي وذريته).
لم تستطع العائلة مواجهة قريش عددا، لذلك لجأت إلى عنصر جديد يدعم موقفها في المواجهة. هو الاستعانة بالنصوص.
- العنصر الجديد هو ايراد نصوص كتابية أو نبوية يمكن الاستعانة بها لالقاء الحجة على قريش.
- تم ايراد نصوص نبوية تثبت حق الولاية والخلافة لعلي من بعد محمد. ومن نص منسوب إلى خطبة الوداع، إلى وفرة في النصوص والمبالغة في فحواها وأهميتها حتى صارت جزء من ألفباء التعليم الشيعي الذي حل محلّ ألفباء التعليم الاسلامي.
ولكن.. ازاء عدم تراجع قريش عن موقفها..
- ظهرت فكرة وجود نصوص قرآنية تدعم حق أهل البيت على المسلمين وقد تخذ هذا الأمر مستويين:
- في المستوى الأول زعم وجود نصوص صريحة بأسماء أهل البيت وأحقيتهم، وإزاء عدم وجودها تمّ الزعم أن عمر رفعها من القرآن، وفي رواية أن رفع تلك النصوص كان دافع عثمان الأول في إعادة تدوين المصحف واتلاف ما عداه، وفي مجال المحاججة تم ادعاء وجود نسخة (مصحف فاطمة) [يدعى أيضا مصحف علي/ باعتباره أحد كتاب الوحي]. ويظهر من ذلك أن طريقة حلّ الخلاف أخذت طريق توسيع شقة الخلاف واختلاق نقاط خلافية جديدة عويصة أكثر من السابق، مما يخدم تفنيد ظاهرة الاسلام عبر نسف أعظم أسسه ممثلا في [المصحف والحديث].
- أزاء استمرار واتساع شقة الخلاف، والعجز عن كشف [مصحف علي المحفوظ لدى فاطمة]، لجأ بعض أنصار التشيع إلى إعادة تفسير أو تأويل نصوص قرآنية واردة في [مصحف عثمان] بشكل يعلن أن المقصود منه (علي أو أهل بيته). وقد قاد هذا الزعم إلى أدخال إشكالية جديدة في الاسلام، تمثلت في فكرة المعنى الظاهر والمعنى الباطن في نصوص القرآن.
*
ان كلّ الطرق والمزاعم المبذولة في سبيل حلّ الخلاف القريشي العلوي كان لها فعل عكسي زاد من شقة الخلاف الاسلامي/ الاسلامي، وانعكس أثره في شق جماعة المسلمين إلى جماعات، تأخذ كلّ منها برأي، رأي يعلو على أساس المعتقد. وبدلا من طابع البساطة والسهولة التي اقترنت بظهور حركة الاسلام، اخترقت أفكار الباطنية النص والمجتمع الاسلامي، مما عزل بين المظهر والجوهر، وخلط بين الأصول والفروع، وزاد من قطيعة الأطراف عن المركز.
وفيما كانت حاضرة البصرة ميدانا لاتجاهات النشاط الفكري والاجتهاد الفقهي، تم جعل النجف وكربلاء –وهي مما حوالي حاضرة الكوفة-* ميدانا تطبيقيا لتنفيذ رؤى الخلاف، وصولا إلى رفع مركزية مكانة (النجف) [مقام ضريح عليّ] في القداسة باعتبارها عاصمة مركزية للشيعة إلى مستوى يضاهي وينافس مركزية (مكة) كعاصمة ومركز للاسلام.
هذه النتيجة التي بلغها السجال العقيم بين الطرفين، وهي نتيجة لا يمكن التراجع عنها أو التجرد منها وإلغاؤها بطرفة عين، بعدما أغنت المكتبة العربية والعالمية بكم هائل من المدونات والأفكار التي تضمنت جهود المجتهدين في تقديم نسخة جديدة من اسلام مغسول بمياه فلسفة الأغريق وبخور الزرادشتية والباطنية اليهودية؛ هذا السجال بين الطرفين ما كان له أن ينمو بدون طرف ثالث متربص ومساعد هو الطرف الايراني- الاجتهاد الايراني في النص الاسلامي.
يحفل تاريخ الاسلام اليوم بمؤلفات كبيرة ودسمة عن قصص الخلاف والجريمة. وفي حين كانت الفكرة تقديم ظهور الاسلام وعصور الخلافة بطريقة تتسم بالانسجام والتطور المتناغم، يظهر تاريخ الاسلام في كل تفاصيله التي تعود إلى أول أمر الخلافة أو تفاصيل حياة محمد، في صورة نزاع وصراع حول مسائل شخصية وقبلية وعرقية، مع مبالغة في مدح أو قدح.
بعبارة أخرى.. أن تاريخ الاسلام والمسلمين لم يخدم جوهر الاسلام. ودراسة تاريخ الفقه والاجتهاد في الاسلام يكشف عن مزيد من عيوب وأشنات مما لا يخدم مسيرة العقل أو ينسجم مع روح الحكمة.
ان كلّ ما له علاقة بالاسلام هو مقسوم على أثنين أو أكثر، والمسلمون تبعا له يتوزعون في خندقين، بل أكثر. فكيف تقوم قائمة لفكرة أو جماعة منقسمة على ذاتها؟..
لم يعد ثمة تفسير متفق عليه، لا يتعرض للدحض والتفنيد بتفسير آخر. ولا توجد رواية اسلامية في أي مجال لا تقف لها بالمرصاد رواية مفندة. حتى سيرة محمد تعددت فيها الروايات، مما أنتج أكثر من صورة للرجل. وأحاديثه على درجة من التناقض، فلا يمكن أن تكون صادرة من الشخص نفسه. وقد دخلت سوق الحديث والرواة ما يشبه سوق عكاظ، فبلغت كمية الأحاديث المنسوبة للنبي مما لا تكفي حياة إنسان أن تستوعبها، وأن من تنوعها ما يناقض نص القرآن، وفي كلّه الدسّ والتملق والمبالغة والتخريب واضح.
هذه المراجعة السريعة لدور الطرف الثالث في شق وحدة العرب وعقيدتهم، لا بدّ تدفع للتساؤل عن مبرر واحد لشرعنة الفرقة والتقسيم والمخالفة بدل الوحدة والتوحد والانسجام، وأنه لابدّ من وجود غرض من الأهمية بمكان بحيث يقود حياة العرب وثقافتهم إلى حال لا يحسد عليها قوم.
الازدراء.. هو الطابع العام لنظرة الشخص الايراني إلى شخص آخر من غير قومه، وقد تكون هذه الظاهرة عادية لدى اليهود أو العرب أو الترك أيضا، ولكنها تختلف بالدرجة. الازدراء كصفة نفسية مشحونة غالبا بدرجات متفاوتة من الكراهية أو الساديّة، وتزداد بشكل جنوني حين تقترن بحافز أو استفزاز. فالنظرة اليهودية إلى عراق آشور ونبوخذ نصر لم تستطع حركة التاريخ على تجاوزها، كذلك نظرة الفرس إلى عرب اسلام الذين قضّوا عظمة عرش كسرى يزدجرد.
فبعد قرن أو قرنين من انهيار دولة فارس وعقيدة الزرادشتية، لم يكتفِ الطرف الثالث بتخلل كيان دولة بني العباس سياسيا، وانما كانت سطوة اعلامية وثقافية، تجند لها أتباعهم من المجوس متسلحين بعقيدتهم المثنوية، ومن اليهود متسلحية بعقيدتهم الباطنية، لتقديم نسخ معدلة عن العرب والاسلام، ملقحة بسماتهم العقائدية والثقافية والاجتماعية ناهيك بما يملح من فلسفة الأغريق والهند.
إذا كان العرب قد هزموا الفرس عسكريا، فقد اختار اولئك الردّ باستخدام الكتب والتخريب الثقافي والفكري.
السؤال هنا لماذا لم يؤلف الايرانيون كتبا قبل مواجهتهم مع العرب؟؟.. ولماذا اقتصرت تآليفهم واستقصدت به العرب؟؟..
في سنوات الحرب الأهلية في لبنان، لم تنسَ ايران الاسلامية أهمية الساحة الثقافية، وعملت عن طريق وكلائها بشراء عدة دور ومطابع لبنانية، احتفظ بعضها باسمه القديم ومنحت الأخرى أسماء مموهة، تخصصت بانتاج واصدار كتب باللغة العربية لاختراق ثقافة العرب المهترئة أصلا، بعد تراجع دور الدولة في رعاية الكتاب وطباعة كتب المؤلفين. وما زالت ايران تنفق في مجال النشر والتأليف والمجلات الدعوتية الايرانية معروفة ومتيسرة مجانا في سفاراتها ومراكزها الثقافية والدينية.
السؤال هنا، ما هي دور النشر العراقية التي استولت عليها ايران بواسطة وكلائها وتعمل اليوم في خدمة أغراضها بشكل مباشر أو مموه؟..
ومع واقعة الغزو الأميركي/ الايراني للعراق أغرقت سوق الكتاب العراقية بمطبوعات ايرانية، يحمل كثير منها عناوين دور نشر لبنانية.. وأحيانا هي غفل من بيانات النشر أو حتى المؤلف أو المترجم. فالاحتلال الايراني ليس عسكريا، ولا تتقدمه أصوات المدافع والقذائف وانما تتقدمه مطبوعات ومنشورات، مراكز تثقيف وتوعية وتوجيه ودعوة وتجنيد وكلاء ومستخدمين.
ايران الموجودة في كل مرافق العراق وتشدد بقبضتها على مرافق الدولة والمجتمع فيه، لم تحتل العراق مباشرة في غزو عسكري أو سياسي، وانما هي طرف ثالث في الخلاف بين الولايات المتحدة والعراق، وكطرف ثالث تمنح نفسها بعض الامتيازات، وما يتركه الأميركان، يكون من حظ الايرانيين وحكومتهم. وبالمرة هي لا تحكم العراق ولا تسوده بشكل مباشر، وانما عبر مجنديها ووكلائها وعملائها التي سبق وأغدقت عليهم منذ عقدين أو ينيف، فهم يعملون باملاءاتها، ويخدمون مصالحها الاستراتيجية، ولابدّ أنها مستمرّة في تجنيد وتربية أجيال بحسب التشيع الايراني لترسيخ سيطرتها على البلاد كطرف ثالث، يخدم التآخي الشيعي الشيعي. على أن للبازار الايراني لغته وخصائصه، مما يضمن لهم حق ازدهار تجارتهم، سيما وأن الولايات المتحدة الشريكة معهم في الاحتلال، تفرض حصارا اقتصاديا متعسفا على ايران ومن حقها تنفيسه في العراق.
سامي فريدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• ينقسم فقه اللغة العربية في أصوله إلى مدرستين، هما مدرسة الكوفة التي تتبع منهج النقل، ومدرسة البصرة التي اتبعت منهج العقل. ويبدو أن هذا التقسيم سرى لاحقا في الفقه الديني، سيما في مدرسة البصرة وتعدد اتجاهاتها الاجتهادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إيراني لرويترز: ما زلنا متفائلين لكن المعلومات الواردة


.. رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية يأمر بفتح تحقيق




.. مسؤول إيراني لرويترز: حياة الرئيس ووزير الخارجية في خطر بعد


.. وزير الداخلية الإيراني: طائرة الرئيس ابراهيم رئيسي تعرضت لهب




.. قراءة في رسالة المرشد الإيراني خامنئي للشعب حول حادث اختفاء