الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة فكرية في الاستبداد الاجتماعي

زهير مبارك

2012 / 3 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تأتي المقولات الفكرية في رصد المجتمع ليس من باب الرفاهية، بقدر ما هي مساهمة معرفية _ رغم بساطتها_ من أجل تحديد الداء كأحد مقومات التحرر والانعتاق من الأصنام المجتمعية التي تفرض نفسها مع الإصرار المستميت بالبقاء في الكهف بما يحوي من جمود القوالب السلوكية والفكرية، وغياب الحرية المؤدية إلى القهر والقمع والاستلاب.

ترتد بذور الاستبداد المجتمعي- على مستوى الممارسة- في المجتمع العربي السلطوي على وجه الخصوص إلى الأسرة، وتنتقل العدوى المجتمعية تدريجياً إلى مستويات أخرى وتتفشى فيها: كالمدرسة تحديدا والجامعة غالبا، تمس هذه العدوى الاستبدادية كل مكونات المجتمع، وبالتحديد الطفل، فعلى المستوى الأول وهو الأسرة، فإن معاملتها الاستبدادية تحول دون تمكينه من استقلاله الذاتي، كما ينتج عن ذلك شخصية مضطربة تعاني: من عدم الثقة بالنفس، ومن ضعف الشعور بالمسؤولية، ومن الجبن إلى جانب الاتكالية على الشخصية السلطوية؛ ما ينتج عن هذا كله فرد مُغيب الإبداع الفكري والموضوعي في المجتمع، بل يغلب عليه تقبل الأحكام المسبقة والقوالب الفكرية الجاهزة.

فالتشريح السابق يقود إلى أن الأسرة في المجتمع العربي الأبوي تلعب دوراً أساسياً في تشكيل الفرد المُستبد فمنذ الطفولة تعمل على مكنونات التكيف مع المجتمع الأبوي السلطوي. يأتي ذلك انطلاقاً من الواقع الذي يعيش فيه الطفل في مجتمعنا العربي واقعاً يحاصره، ويتعامل معه من خلال قوالب جاهزة لا تفسح الطريق لرغباته الحقيقية، ولا تدع لفكره المجال كي يتنفس ويعبر عن ذاته، ولهذا؛ فإننا نقول: إنه في الوقت الذي يُعامل فيه الطفل بقسوة، وتقمع إرادته، يعطى صورة مشوهة عن الطبيعة المحيطة به، وذلك كاستمرار للموقف الاستبدادي الذي يتُخذ من الطفل. يتجلى هذا الموقف الاستبدادي من الطفل في مظاهر مختلفة أهمها لجوء الأسرة في المجتمع العربي الأبوي إلى استخدام العنف في معاملته استخداماً يجعل من العنف وسيلة إرهاب وقمع، وليس وسيلة تربوية كما يظن مستخدموها.

على ضوء ما تقدم؛ يُنتج المجتمع الاستبدادي لدينا شخصية سلطوية تعاني من القمع الذي تحاول إسقاطه إما على الذات أو على الآخرين، وهو ما يمهد لترويض الفرد وإفقاده حريته عند "الكبر"، فعند قيامه بأي فعل يغيب عنه التعبير الحر عن الإرادة والاختيار غالبا، فينفذ بما يتناسب مع نموذج السلوك الذي حدده المجتمع الأبوي سلوكاً مثاليا،ً وهو الأمر الذي يعكس غياب الحرية، ويرشح من الأفعال شخصية صفتها "المثالية" من وجهة نظر "المجتمع المثالي"، وللحقيقة نقول: كلما طبقت رغبة المجتمع الأبوي ابتعد الفرد عن ذاته، وهذا يفسر المعادلة المجتمعية الآتية: كلما رُوض "المواطن" العربي على تقبل نموذج المجتمع الاستبدادي كلما قتلت فيه روح الفكر والإبداع والشعور بالحرية، وأصبح مطبعاً ومتأقلماً مع محيطه الذي سحقه وهو طفل، بل ربما يصبح مدافعاً عن هذا النموذج الذي سَلَب منه حريته.

أما المستوى الثاني، المدرسة، وهو الشق الثاني في التربية بعد الأسرة أو المتلازم معها من حيث تحمل المسؤولية في تشويه الفرد، فالتربية الحرة لا تتحقق إلا في ظل وجود مجتمع متحرر من التسلط، وهو ما لم يتوفر بعد، فالمجتمع الأبوي ينتج معلمين أبويين غالباً، كما أنهم يسهم في إنتاج طلاب أبويين لاحقاً.
حالة التلاقح ما بين الأسرة والمدرسة متلازمة؛ بمعنى أن الأولى يغلب عليها بعض أشكال التسلط والاستبداد وهذا ما هو إلا انعكاس لواقع المجتمع العربي بشكل عام وعلى الثانية على وجه الخصوص، وهنا تجدر الإشارة، إلى أن المجتمع الحر يفرز تربية حرة، " أما المجتمع الذي يطغى عليه التسلط فغالباً ما يُنتج تربية تعمل على تقييد عقول الأفراد، وكبت حريتهم، وتكبيل تفكيرهم"، وهذا يقود الى وجود ما يمكن تسميته بوجود "نهج اغتيال العقول والنفوس"، كيف يتم ذلك وما هي أبرز أدواته؟
أبرز معالم قمع الفرد يتم من خلال التلقين بعيداً عن العصف الذهني والبحث خارج الصندوق، فكل ما يقال هو الحقيقة المطلقة يتم ذلك بصورة جامدة مجردة، وفي جو من الخوف والتهديد، ويجب أن يردد المتلقي ما يحفظ دون فهم، ودون ربط منطقي، والحق يقال: إنه لا يتوفر أبسط مقومات الربط العلائقي في داخل "جمجمة الرأس" لما تم تلقينه؛ لأن رهبة المؤسسة الرسمية تفرض نفسها من خلال أدواتها، فالمهم أن يتم تخزين ما لُقن به ضمن إطار الكهف لا خروج على النص المسلم به كحقيقة مطلقة. ما الوصف السابق الا أمية مقنعة ولا ينتظر أن يظهر إبداعاً، فالأمي لا يبدع، واليد الباردة لا تكتب، وعليه، لا بد من تجاوز التلقين والتقرب من فلسفة العلم التفكير خارج الصندوق/ الكهف ومحاولة تجاوزه، والتطوير عليه، وتطوير المفاهيم وطرائق التفكير المؤسسة لكل معرفة علمية بعيداً عن الكهنوتية في التعليم ولذا؛ يرى محمد عابد الجابري " أننا لم نتمكن بعد من إعداد التربة الصالحة لغرس شجرته، وليست هذه التربة إلا الفلسفة، فلسفة العلم بكيفية خاصة" وهنا لا بد من التنويه إلى أنه لا مكان ومنبت لما سبق إلا بحرية الفكر والتعبير بعيداً عن أصنام المجتمع الأبوي الاستبدادي وقوالبه الجاهزة التي لا تلين، والتخلص من النزعة الأبوية عبر حركة تنويرية نقدية تقوم على إعادة إنتاج البنى والهياكل الأساسية في المؤسسات المجتمعية التي تحدثنا عنها سابقاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف