الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


»عليك بإحترام دين الآخر ولكن ليس اكثر من إحترامك لإعتقادهِ بإن زوجته جميلة و اولاده اذكياء«

سيف البصري

2012 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تحية إنسانية مجيدة على الجميع،

كم كثيرة هي محاولات البشر في المجتمعات، وخصوصا في عصر الحداثة و في عصر ما بعد الحداثة الذي وصلت إليه بعض المجتمعات، لتهجين حدة الخلاف الفكري بين طوائف المجتمع الواحد ونشر ثقافة الإختلاف وتقبّل الآخر؟ رغم ذلك لم نصل بعد إلى صورة واضحة تُجسّد مبادئ هذه الثقافة النقدية التواصلية.

والدليل على ذلك هو اما إنعدامها على الصعيد الثقافي عند اغلب المجتمعات سواء على صعيد العوام او الخواص، أو بسبب سوء الفهم لمضمون و مبدأ هذه الثقافة.
والمذنب الأول هنا هو المثقف الذي لم يتمكن من صياغة مفهوم واضح وصريح من شأنه أن يُسهّل نشر هذه الثقافة وتجذرها في الفكر المعاصر. خاصةً ان أغلب مجتمعاتنا العربية قد نشأت على ثقافة خلاف تتجسّد في محيطنا وبيئتنا و هذا الشيء عمّق بدوره ترسّخها في اللاشعور العربي نتيجة للتخلّف والتأخّر و فشل المُثقّف العربي بصياغة ثقافة إختلاف بديلة ذات طول موجي يستقبله العوام بدون سوء فهم و بصورة سلسة. هذا الفشل وصل ذروته في ظل مجتمعات دكتاتورية قمعية و ثقافة دينية مُتعصّبة جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف ويرفض الإختلاف وشكلا و مضمونا.
و أنتشرت هذ العدوى في المجتمع و حتى عند الطبقة المثقفة، التي انشغلت بالنقد المستمر و عدم التركيز على معالجة هذه المشكلة. وهي مُشكلة حقيقية ولّدت العنف في المنطقة و آثارها تُصاحب الإنسان الشرقي يوميا.

كذلك علينا أن لا ننسى سوء الفهم الحاصل في استيعاب ثقافة الإختلاف، فعندما تنتقد اي فكر أو دين، سرعان ما تتعالى الأصوات منددةً بما يصفوه بالتجريح وعدم إحترام حُرّية المعتقد عند الآخر. وهذا للأسف سوء فهم لابد من أن يدركه الإنسان الشرقي العربي. فأنا بالتأكيد أحترم حقك في المُعتقد، وهذا ضمن الحقوق البشرية المذكورة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أنا أحترم حقك في التعبير عن رأيك، نعم! لكن لا تجبرني على إحترام مضمون الفكرة التي تطرحها إن لم أقتنع بها او المعتقد الذي تؤمن به! عبدة البقر مثلا لهم الحق بتقديس البقر و إقامة الطقوس الدينية التي تخصّهم. كما أحترم حقه بالتعبير عن سعادته و فخره بدينهِ. لكن ليس من حقه أن يطلب مني إحترام فكرة عبادة و تقديس البقر. و لن أواجه الفكرة و أُحاربها فكريا لطالما لاتمس حقوق الإنسان و لا تُسبّب ضررا على المجتمع. المهم أنه سعيد وهذا هو المُتطلّب، ان نبغي السعادة.
لكن للأسف غالبا ما يتم إتهام المُقابل الناقد بالعنصرية و عدم إحترام المُقدسات والإساءة لدين او طائفة معينة. و هذا في الحقيقة تلاعب في الحقائق لا أكثر. فنحن بحاجة اليوم إلى ثقافة تقبّل الآخر. إلى مرونة فكرية وعقلنة نقدية تواصلية ذات طول موجي ليس فقط يستوعبه المثقف، بل كذلك الإنسان البسيط الذي لم تتوفر له فرصة التعليم أو فرصة الحياة الرغيدة و الذي يقتات يومياً على قِسوة الحياة والفقر والتهميش. كيف أستطيع ان أُوصِل الفكرة لهذا الإنسان البسيط دون يفهمها بصورة خاطئة أو يُترجمها على أهوائه؟ هنا تَكمُن العِلّة!
حيث أن سوء الفهم هذا خلق مُسلّمات يَقبلُ بها الجميع تقريباً في مجتمعاتنا، دينيون أو لادينيون، بِأن الإيمان الديني هو فكرة ميتافيزيقية هشّة أمام النقد و خارجة عن إطار التجربة و العقلانية، وبالتالي يجب إحاطتها بجدار سميك من الإحترام و التقديس. و من يُحاول أن ينقُّد هذه المُسلّمات ويتسآئل عن شرعيّتها المنطقية والعقلانية، سُرعان ما يتحول إلى مُتهجِّم جارح للمشاعر و مزدرئ للأديان .
إذاً ما هو الحل؟ ما هي تجارب مجتمعات ما بعد الحداثة مع هذه المشكلة؟
في الدول المُتقدمة و الليبروديموقراطية¹، نجد أن الطفل تُغرس فيه ثقافة الإختلاف والنقاش و المُساءلة، و توُفّر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة سليمة تعتَرف به و بأفكاره و تُشجّعه على التميّز و الإختلاف. كما يتم تلقينه منذ الصِغر إحترام الرأي الآخر و إعتبار الإختلاف في الآراء و المُعتَقد من الطبيعة الفكرية البشرية و سُنّة من سُنن الحياة.
فالتعصّب و تقديس فكرة مُعيّنة هو ليس إلا تَحجُّر و تقوقع فكري لايقود سوى إلى الرجعية، العُنف و للتخلّف. فأرجوك يا عزيزي القارئ أن تتحلى ببعض المرونة الفكرية و أنت تقرأ هذه السُطور، فهذه هي بداية موّفقة نحو ثقافة الإختلاف!

¹) الليبرالية الديموقراطية: هو الشكل السائد للديمقراطية السياسية في القرن الحادي والعشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah