الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أميرة تريد أن تلعب- قصة قصيرة

جمال القواسمي

2012 / 3 / 7
الادب والفن


منذ أن عاد إلى البيت، كان مكتئباً. طلبت منه ابنته أميرة أن يلاعبها، لكنه رفض متذرَّعاً بالتعب؛ اقترحت عليه زوجته أن ينام فرفض، وطلب منها إعداد فنجان قهوة وتابع نشرة الأخبار وتأسَّى على الهزائم التي تهطل على رأس شعبه الواحدة وراء الأخرى، وكانت ابنته أميرة احياناً تمرق من أمامه وتحجب عنه التلفاز، فانزعج. وسأل أميرة عن قناة الأطفال التي تفضل أن تشاهدها.
لكنها رفضت مشاهدة التلفاز وقالت: بابا، العب معي!؟
-ايش بدِّك العب معاك!؟ سألها ولمح معها بطاقات عليها صور وحروف. واكتشف ان بعض البطاقات مكرَّرة، فاقترح عليها ان يلعبا لعبة الذاكرة. علَّم ابنته ذات السنوات الخمس والنصف كيف تلعبها. عشر ازواج من البطاقات. قلبا البطاقات. لعب أولاً وكشف بطاقتين. اخطأت مرة وكشفت ثلاث بطاقات، فنعتها بالغشاشة، وقال لها: ما بسمح لك تغشي عليّ.. ما بسمح لك..
وترك ابنته في الجولة الأولى تميز معظم الأزواج المتشابه. نضح البيت من قهقهات ابنته، وهي تميز كل بطاقتين متطابقتين. أما هو فقد كان صامتاً. واكتفى بنظرات شزراء صامتة واحتسى قليلاً من القهوة التي أحضرتها زوجته، التي راقبت ما يجري بحماسة بالغة وبهجة غامرة. 
قالت له ابنته: فُزتَك. فُزتك بابا..
قالت لها أمها: قصدك أن تقولي: غلبتك.
قالت أميرة ضاحكة: غلبتك غلبة حلوة..
قال لها والدها: كمان لعبة.
قالت له: بابا، ليش بدَّك تلعب كمان مرة!؟
قال: عشان أسدها.
ضحكت زوجته وصفعته على كتفه مداعبة قائلة: أنتَ بتحكي من عقلك؟
قال لها: لأ، بحكي من تمي!!
فتركتهما زوجته وهي تضحك. ترك ابنته أميرة تلعب أولاً؛ لم يترك خدعة في ذاكرته الا واستعملها لكي يهزم ابنته. كيف يربط الأماكن بحروف الصور، بألوانها؛ وحتى حينما قلَّت أعداد البطاقات، كان بمكر ودهاء وخفة يد يغيِّر مواقع البطاقات فلا تتمكن الأميرة الصغيرة من الفوز بزوج متطابق، وكان يضحك ويقهقه، والمسكينة لا تفقه ما يجري، ورفع يديه علامة الانتصار، وقال لها: غلبتك يا مغلوبة! مسحتك يا مهزومة، الله الله ما احلى الانتصار!!
طفح البيت والحارة بعويل متقطَّع جارف، وظهرت زوجته، وحضنت ابنتها. الأميرة الصغيرة لم تتوقف عن البكاء، فالتفتت الى زوجها لتفهم ما جرى.
قال: حرموقة!! غلبتها وحرمقت.
بعد السيطرة على انفعالها، قالت أميرة: انتَ غشيتني! غشني ماما..
قال: ما غشيت عليك، كنتِ ضعيفة وهزمتك، هههه.
قالت أميرة: غشّاش انت بابا.. ما بسمح لك تغشني، ما بسمح لك..
وقفت زوجته أمامه وهي تدير ظهرها لأبنتها الصغيرة أميرة، ويداها معقودتان على صدرها؛ قالت عيناها الصامتتان له كل ما تريد ان تقوله مع رشة قليلة من الاشمئزاز.
قالت أميرة: غشيتني، وغيَّرت مكان البطاقات!! كمان لعبة.. كمان لعبة.. 
سألته زوجته: غيَّرت مكان البطاقات!؟
فضحك وهزَّ رأسه بنعم، ثم سأل ابنته أميرة: ليش بدَّك تلعبي كمان لعبة!؟
قالت: عشان أسدها!!
قال: شوفي، غلبتك مرة وغلبتيني مرة؛ هلأ بنلعب كمان لعبة، اللي بفوز فيها بكون هو البطل، فوافقت.
خربش البطاقات، كانت لعبة حامية الوطيس. ووجدت الأم انها تساعد ابنتها في التحزير والتذكر، ولم تستطع الابنة ان تفسر عدائية أبيها المفاجئة ولماذا أصبحت لا تطيقه، ولم تفهم زوجته سبب تصرفه الوقح بل العدائي مع ابنته ولماذا أصبحت لا تطيق وقع الفاظه وكلامه وانفعالاته التنافسية المدمرة. وقد انزعجت ايما انزعاج وهو ينتصر عليها وعلى ابنته الصغيرة، ويرفع يديه علامة الانتصار وتتبادل معه التهم..
قالت الزوجة: انت تعرف البطاقات أكثر مني، كفاك غروراً..
قال الزوج: مسحتكما، هزمتكما، انا أقوى، أنا أفضل، ليمجدني التاريخ..
وفجأة انتبها إلى ان أميرة اختفت. واكتشفا انها خرجت من البيت وجلست وحدها في بيت الدرج تبكي حظها وهزيمتها. تكلمت معها أمها فقالت لها أنها لا تريد أباها، بل تريد أباً آخر، آبا لطيفاً لا يضحك عليها، ولا يغش عليها، ولا يكشّر في وجهها. حضنتها أمها وأبوها، واعتذر منها ووعدها انه سيتحسن قريباً، وسرعان ما نامت على صدره وهو يهدهدها ويلعب بشعرها.
قالت زوجته: كله منك. ما لك!؟ بتحط راسك براس البنت!؟ شو ذنبها!؟ شو صار لو جعلتها تفوز عليك؟ 
صمت للحظات وهو لا يدري ما يقول، ثم همس كأنه وجد ضالته: اريدها بهذا السن المبكر ان تعرف معنى الهزيمة، بلاش تعرفها متأخرة كتير بحياتها وتنصدم..
- يا سلام!! يا ريتك كان معك مراية تشوف وجهك.. ليمجدني التاريخ!!! ها!؟
ثم صمت للحظات وقال لزوجته: بتعرفي!؟ شعور الانتصار شعور رائع حتى لو شعرنا فيه متأخر كتير... رائع، رائع النصر.. غلبتك انت وبنتك، سحقتكم، هزمتكم..  
وحين وضع ابنته في سريرها والتفت، كانت زوجته واقفة خلفه فناولته مخدة وحراماً، وخرجت من غرفة النوم، فتبعها الى الصالة: ماذا!؟
قالت له: المنتصرون يقضون ثلاث ليال وهم يحتفلون في أرض المعركة يلمُّون الغنائم..
قال لها: بعلمي انت غنيمتي..
قالت له: بعلمي، انا غريمتك المهزومة، مش غنيمتك.. بتقدر تعتبرني اسيرتك وغرفة النوم زنزانتي، خليك برة منتشي بنصرك وهيك بتكون منتصر وسجَّان..
- فهمت الآن ليش بنتك حرمقت لهالدرجة.. حرموقة مثلك تماماً.. يا عيني، الهزيمة لها ثمن.
- صح يا حبيبي، والنصر له ثمن...   
 
29-2-2012 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب