الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألمعرفة بين الدين وبين الفلسفة والعلوم!

سنان أحمد حقّي

2012 / 3 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا جدوى من المقارنة بين جانبي المعرفة في الدين وبينها وبين المعرفة في الفلسفة والعلوم فالأمر مختلف تماما وجميع من يلجأ للفلسفة والمنطق والعلوم لإثبات بعض الحقائق أو نقضها فهو على صواب من حيث جوهر العلاقات الماديّة ، والفلسفات المختلفة لها مواقف مختلفة أيضا عن بعضها البعض فالمعروف أن لكل نظريّة فلسفيّة منطقها الخاص بها وهو المنطق الذي تحلل به مختلف القضايا المطروحة أمامها وقلنا مرارا أن هناك منطقا شكليا أو صوريّا وهناك منطقا جدليا وآخر رياضيا وتاريخيا وهكذا ولا يصحّ استخدام أحد أشكال المنطق في معالجة مقولات أو قضايا فلسفيّة تطرحها نظريات تعتمد منطقا مختلفا حيث نقع في مغالطات فكريّة ويكون المنهج غير سليم لا في التحليل ولا في النتائج فللعلوم والفكر العلمي منطقه ومبادؤه وهي كل يوم يحصل فيها تطوّر وتقدّم نابع من جوهر المنجزات العلميّة باستخدام المعطيات الماديّة وعبر نظريّة المعرفة الماديّة المعروفة وهي التي تبدأ بالتأمّل الحيّ ثم بالفكر المجرّد ومن ثم الممارسة الفعالة ثم تعود العمليّة إلى حيث بدأت وهكذا أي أنها تمثّل خوارزميّة يمكن أن تعبّر عن برنامج صالح للحاسوب وكلما كررنا العمليّة فإننا نقترب من حقائق قريبة من نتائج عالية الدقّة أي كما لو كنّا نستخدم مسلسلات لا نهائيّة في الرياضيات وللتوضيح للقارئ غير المطّلع على تلك المسلسلات نقول لو أن جيب أيّة زاوية يمكن التعبير عنه بحدوديّة أي مجموعة حدود تعتمد على قيمة الزاوية بالقياس نصف القطري فإن حساب بضعة حدود سيعطينا قيمة جيب تلك الزاوية وكلما أضفنا حدودا أكثر تحصّلنا على نتائج أكثر دقّة ولو جمعنا حدودا لا نهاية لها من تلك المتسلسة فإننا نتحصّل على ناتج دقيق جداوأننا كلما أضفنا النتائج أو المخرجات لتعديل المدخلات( أي إسناد المخرجات إلى متغيرات المدخلات وإعادة تدوير البرنامج) كلما كانت النتائج النهائيّة أدقّ بقدر كبير وهكذا هي عمليّة المعرفة في الفكر الفلسفي المادّي والعلمي أو في مضمون الفكر الجدلي ولكننا لا نستطيع أن نطبّق هذه العمليات على الفكر الميتافيزيقي ومهما كان موقفنا منه فإن عدم تحقق أو حصول نتائج مقبولة عند تطبيق الفكر الفلسفي على الفكر الميتافيزيقي أو الغيبي أو الديني أو الماورائي قل وسمّه ما تشاء لا يعني أن العمليّة التي نقوم بها سليمة للأسف إذ أن الفكر الديني أو الميتافيزيقي لا يقوم على حصر وتقويم وتحليل الظواهر العلميّة بالطرق التي نستخدمها في ميدان العلوم والمعرفة الفلسفيّة بل يستخدم أشكالا من البلاغة والإستعارات والمجاز والتشبيه والتمثيل وأسس البيان والبلاغة وليس المنطق الذي هو علم الفلسفة الأساسي كما بيّنا في مناسبات عديدة ولا أريد أن أدخل في تجريد مكثّف لتلك العمليات ولكن نستطيع أن نضرب بعض الأمثلة فيقول الشاعر مثلا :
مطرٌ يذوب الصحوُ منه وبعدهُ..........صحوُ يكادُ من الغضارة يمطرُ
هذا ليس كلاما علميا ولكنّه مقبول ومستساغ والشاعر يُشبّه الصحو وكأنه يذوب في المطر أو بسببه ثم يعود ليقول أن الصحو كان كثيفا وكأنه سيمطر، هل هذا يقع في الكلام العلمي والمنطق ودعائم المنطق أيّا كان نوعه أو ارتباطه بأي فكر فلسفي؟
طبعا لا لأنه تشبيه وتمثيل وعمليّة بلاغيّة وبيانيّة وليست عمليّة علميّة ففي العلوم نقول أن دورة القمر حول الأرض حلقيّة أو دائريّة أو منحنى مغلق ونذهب كثيرا لتمثيل دورة القمر بما يُطابق حقيقة شكلها فعلا بأدقّ الوسائل والعبارات الرياضيّة ولكنّنا في الجانب الآخر من المعرفة الفكريّة والبيانيّة قد نلجأ لتعبير وتمثيل آخر كما قال الشاعر آنفا صحو من شدّة كثافته يكاد أن يتساقط كالمطر ! وقلنا هذا ليس تعبيرُ علميّ ولكنّه تعبير معرفيّ حسب قواعد البلاغة والبيان
ونقول ظهرت الحقيقة كالشمس الساطعة ونتقبّل هذا التشبيه بالرغم من أنه ليس في الحقيقة ما يشبه دورة الشمس ولا في تركيبها إلاّ في جانب واحد هو أنها حقيقة واضحة ونحن نقوم في معظم حياتنا بتمثيل وتشبيه الأشياء من حولنا بأشياء قد تختلف عن حقيقتها تماما ولكننا نتقبّل ذلك التشبيه بل نستعذبه أحيانا بسبب سحر البيان و جماله ونقول أن الله نور السموات والأرض وقد لا يكون نورا كنور القمر أو الشمس ولكننا نتقبّل ذلك التشبيه ليس على تحديد المعنى العلمي والفلسفي المادّي بل على أساس البلاغة والبيان وقد لا يكون نوره كنور الشمس ولكنه قد يكون كنور الليزر أو أشعة أكس أو كاما أو كنور العلم والمعرفة بلاغيا والسادة اللغويون من أرباب المعرفة في البيان والبلاغة يعلمون هذا جيّدا ويعتبرون أن البلاغة وحدها هي التي يبلغ بها المعنى مراده وليس التبيان والعلوم التي نوّهنا لها آنفا كعلوم الطبيعة والفلسفة والعلوم الماديّة ، إذا ليس صحيحا أن نأخذ التعابير في النصوص الميتافيزيقيّة أو الدينيّة أو التي تختصّ بعلوم ما وراء الطبيعة حرفيّا بل يجب أن نحيط بتأويلها فإن قرأنا أن الله بسط الأرض لا يعني هذا أنه يقول أنها منبسطة بل هو تعبير بلاغي يُراد به التشبيه كما سبق وأن تكلمنا عن الصحو الغضير عند الشاعر ولهذا وبكل بساطة لا يجوز لنا أن نحلل الظواهر الدينيّة على أسس المنطق العلمي أو الجدلي لأن الظواهر والتمثيل العلمي له قياس وعلم للقياس مختلف تماما مع علم القياس في تحليل وتمثيل وتشبيه الظواهر الدينيّة أو المختصّة بما وراء الطبيعة .
فالأديب يقول في وصف وجه حبيبته أنه كالقمر وهناك أوجه غير علميّة وليست صادقة في التمثيل الموصوف في الوقت الذي توجد جوانب صادقة أخرى في مثل هذا الوصف ولكن بالتأكيد لا يوجد من يقبل مثل هذا الوصف في المجال العلمي الذي يتطلب الدقّة وأسس محددة في القياس وخصوصا عند عمل نماذج سواء كانت رياضية أو طبيعيّة لتمثيل مختلف الأشياء
أرجو أن لا يتبادر للذهن أو لذهن الباحث بشكل خاص أنه عندما يحلل نصّا ميتافيزيقيا على أساس أحد أشكال المنطق العلمي أو الفلسفي أن عدم المطابقة تقدّم برهانا على دحض ما مطروح أمامنا من أفكار دينيّة أو مختصّة في ما وراء الطبيعة لأن أسس القياس في التعبير والتمثيل والتشبيه والإستعارة والمجاز مختلفة وما نتقبّله هنا لا يجوز لنا تقبّله هناك كما هو الأمر في الفن والأدب والشعر الذي يختلف عنه في العلوم والفكر الفلسفي فالأمران ليسا سيّان
وأكاد أن أُمثّل الفكر العلمي والفلسفي بفكر العالم الظاهر وأن الفكر الديني والميتافيزيقي هو فكر العالم الباطن هذا لو صحّ التعبير .
وللحديث صلة والسلام عليكم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف سيؤثر تقدم اليمين الشعبوي في الانتخابات الأوروبية على مس


.. يوسف زيدان يتحدى علماء الأزهر ويرفض تجديد الخطاب الديني | #ا




.. جهود أميركية مستمرة لإبرام هدنة في غزة على وقع عمليات إسرائي


.. اندلاع حريق شمال هضبة الجولان إثر عبور طائرتين مسيرتين من جه




.. نتنياهو أسير اليمين…وأميركا تحضّر للسيناريو الأسوء! | #التاس