الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل المناضلة نعمي أيوب رمو

غالب محسن

2012 / 3 / 9
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


نقد الذات قبل نقد الوقائع / تأملات 33


عاشقة الترحال *


لم يتوقف القلبُ عن الخفقان
عبر الزمان
وحدود المكان
في أسفارِ البيوتِ السريةِ
والأسماء المستحيلةِ
في الخلايا الحزبيةِ
وفي مواكب الرحمن
في أسرار الليل والنهار
في خفايا الجنة والنار
هي الصورة
والأسطورة
هي الدرةِ المهجورة
بين زوايا الذكريات
وفي أبعاد القرارات
أيامٌ ، وأعوامٌ ، وقيامات
ترحل
وتعود
حكايات
مثل البدر مكتملاً
وسط النجوم والأقمار
ليسوع الناصري ، تسابيحٌ
وأشعار
أبانا الذي في السماوات
منك الخبزَ
ومنّا الأحزان
من غير زيادة أو نقصان
ليس مثلها أنسان
يبحث عن مكان
بل شراعٌ يعشق الأبحار

لها ، لكلِ من عرِفها ، لكلِ من لمِس يدَها ، لكلِ من في قلبهِ خفقةٌ ، لعاشقةِ الترحال ، نجتمع اليوم والحزنُ عنوان ، مثلي وغيري كثير، هو بركان ، من غيرِ حممٍ أو دخان ، بل رحمةٍ وغفران ، لرحيلِ مناضلةٍ ، فذّةٍ ، ورفيقةُ درب الشُجعان منذ أن صاحَ الزعيمُ الطيب " يا أخوان " حتى سقوط الطاغية صدام .

أنها المكافحة والشهيدة نَعمي أيوب رمو ، زوجةُ الشهيد البطل ألياس حنا كوهاري الذي أستشهدَ في زنازينِ جلادي شباط الأسود عام 1963 . وهي ذاتها أختُ الشهيد المقدام سالم أيوب رمو الذي أستشهدَ هو الآخرَ بذاتِ الأيادي القذرةِ بعد عشيرين عاماً . لكنَ نَعمي ، سليلةُ الشهداء ، لم ترثُ الشهادةَ رغمَ أنها كانت تجري في عروقِها وذاكرتِها ، بل عمِلت لها بكلِ جدٍ ومثابرة . ولمن يهزُ كتفيه مستفهماً ، بنيةٍ حسنةٍ ، ليس عليه سوى مراجعةُ سيرتها ومسيرتها وسيرى حتماً أن البطولةَ ليست الأستشهادُ في ساحاتِ الوغى فحسب بل وفي التغلبِ على المصاعبِ والمصائبِ وغدرِ الزمان . هكذا كان أوديسوس وهكذا كان يوحنا المعمدان .

أنني أعلنُ هنا أنها ليستُ شهيدةُ وطنٍ ، بل ما شئتم من الأوطان وأليكم حكاية وردة المرجان :

وحدَها ، وهي لمّا تتجاوزالثانية والعشرين ربيعاً ، وقفت في مواجهةِ قوى الظلام منذ أن ترَمَّلت و زُجَّ بها في غياهب السجون ، هي وبناتها ، وطلعت ما زال جنيناً في أحشائها ، طليعة كانت بنت أربع سنوات ومنال ، رفيقة دربي ، كانت قد أطفأت شمعةً واحدةً ليس إلا . كانت نَعمي مثلَ لبوؤةٍ في غابةٍ شبت فيها النيران ، ترتحلُ مع صغارِها من مكانٍ الى مكان ، بيوتٍ حزبيةٍ ، بياناتٍ سرّيةٍ ، في الطُرقاتِ وخلفَ الجدران ، في الوطنِ الأمِ وما بعدها من أوطان . أضطرت مثل الملايين من العراقيين لمغادرة بلدها في غربةٍ ليست لها حدود كما الأحزان ، من العراق ، بلغاريا ، سوريا ، قبرص ، الأردن ، العراق ، سوريا وأخيراً السويد . وحيدةً كانت في معظم الأحيان ، خطىً ثقيلة ، أكتافٌ نحيلة ، عنادٍ وصبرٍ وفضيلة ، ليس من قوةٍ سوى الأيمان .

نَعمي الرابطية الرائدة والشيوعية بصمت ، الصاخبة في الميادين ، أختارت الرحيلَ بهدوءٍ مُذهلٍ كأنها تَمنَحُنا حكمتَها الأخيرة ، فكانت أيامُها قبل الوداع مثل حقبةِ سنين . رباطةُ جأشٍ وهدوءٍ حكيم ، وأطنانٌ من الصبرِ والحنين . وهي في المشفى كانت تغط في غيبوبة تلو الأخرى كأنها تستعدُ ، وتخففُ صدمةَ الرحيل ، وعندما تفتح عينيها التي أنهكها الألم ، تسألُ " شلونكم " كيف هي أحوالكم وتتأسف لأنها أتعبتنا ثم تعود فتنام في غيبوبةٍ جديدةٍ أرادتها الأخيرة هذه المرة .

من أين أتاكِ كلَّ هذا الصبرِ والحنين
ستبقى ذكراك دائماً ، ما بقيت السنين
وداعاً عاشقة الترحال
فقد حان موعد الوصال
سلاماً ورِفقاً بروحِكِ
وصبراً جميلاً لكلِ مُحبيكِ


د . غالب محسن

------------------------------------------------------------------------------------
* توفت في 6 آذار 2012 في مدينة يتوبوري في السويد












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟