الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشروع الإسلامي والمشروع العلماني أو الدين ضد الإنسان

أحمد عصيد

2012 / 3 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


صرح رئيس الحكومة المغربي الإسلامي عبد الإله بنكيران أن أعداءه الذين يتربصون به الدوائر هم "العلمانيون" الذين اعتبرهم "متحالفين مع الشيطان".
لا شكّ أن من يقسّم الحياة السياسية إلى شياطين وملائكة، لا يفهم أبجدية السياسة العصرية في دولة ديمقراطية، يحترم أهلها القانون والإنسان، لكننا نلتمس عذرا للرئيس أنه لا يوجد لا في دولة القانون، ولا في حياة سياسية عصرية تحترم الإنسان المواطن، و لهذا يمكننا القول إنه الرجل المناسب في المكان المناسب.
كانت المعايير المطلوبة في رئيس الحكومة للمرحلة الحالية واضحة منذ الطريقة التي تمّ بها طبخ الوصفة الدستورية الجديدة بالمغرب: أن يكون خنوعا مطواعا جاثيا على ركبتيه مسلما بتقاليد دار المخزن عارفا من أين تؤكل الكتف ثرثارا على المستضعفين صموتا في حضرة حاشية السلطان ناكثا لوعوده منقلبا على عقبيه مواليا للسلطة ضدّ صوت الشعب، وهي خصائص ظهرت للجميع عيانا بمجرد أن استوى الرجل على كرسي الوزارة، فغضّ الطرف عن عشرات التعيينات التي مرّت من تحت أنفه، وطأطأ رأسه أمام تعيين المستشارين والوسطاء الذين سبق له أن ندّد بهم حدّ التشهير والتحريض، وانتزعت منه الوزارات التي لا يقبلُ دهاقنة كواليس السياسة أن يتولاها هو ومن معه، وتكاثر من حوله التكنوقراط والخدم والحشم الذين اندسّ بعضهم بين وزرائه ومختلف المصالح الحيوية، وتوسعت حكومة الظل وتعززت بوجوه طالبها الشارع المغربي بالرحيل، واتخذت على مرأى منه ومسمع تدابير لا أساس لها في الدستور، وتزايدت احتجاجات الشارع المغربي في مختلف مناطق البلاد بسبب انسداد الآفاق، كل هذا حدث والرجل ما زال يتحدث كما كان وهو في المعارضة يصارع طواحين الهواء، ويندّد بأعداء شبحيين، إلى أن قرّ قراره على أن أعداءه الألذاء هم "العلمانوين" المتحالفون مع "الشيطان"، وهي آخر تخريجاته، فمن هم العلمانيون الشياطين الذين يشتكي منهم رئيس الحكومة يا ترى ؟ وماذا يريدون ؟
يهدف العلمانيون إلى إقامة دولة القانون والمواطنة التي لا سلطة فيها تعلو فوق سلطة القانون، ويرفضون رفضا باتا أي استعمال للدين في المجال السياسي بهدف ترسيخ الإستبداد وتقديس الأشخاص، ويرون بأن الإنسان هو الغاية والقيمة العليا وأنه لا ينبغي تسخيره أداة في خدمة أية غاية أخرى مهما كانت، وبأن الحياة السياسية مجال للتدبير العقلاني البشري الأرضي بناء على قوانين قابلة للتغيير حسب مصالح الإنسان وحسب شروط حياته المتغيرة، وأن الدين ليس واحدا في أي مجتمع من مجتمعات العالم، وأنه شأن شخصي واختيار حرّ للأفراد على الدولة حمايته وتوفير شروط ممارسته في جوّ من الأمن والإستقرار والإحترام المتبادل بين جميع أعضاء المجتمع الذين هم في حقيقتهم مختلفون، ويعتبرون الحرية أسمى ما في الإنسان وأساس النظام الديمقراطي، ويرون في حرية المعتقد والتعبير والتفكير والإبداع محرك التاريخ وأساس عبقرية الحضارات المتفوقة، ويؤكدون على ضرورة المساواة التامة بين الرجل والمرأة بدون تحفظ باعتبارهما متساويين في الإنسانية قبل كل شيء، ويرفضون أن يمارس أي طرف وصايته الدينية أو الأخلاقية على المجتمع باعتبار أفراده راشدين ينعمون بحرية الإختيار والتقدير، في حدود احترام حريات الآخرين وحقوقهم، كما يعتبرون أنّ فرض نمط من التديّن على جميع الأفراد ذريعة لتكريس الثيوقراطية التي تجاوزتها الحضارة الإنسانية ولم يعد ثمة مجال لإعادة تكريسها من جديد، ويعتبرون العلم والعقلانية العلمية أساس الحضارة المعاصرة ومنطلق القوة والإبتكار والإختراع، ويرون أن السبب الرئيسي لتخلف المسلمين هو الإستبداد السياسي والتخلي عن العقل والعلم منذ زمن بعيد، ويرون في الفنّ والقيم الجمالية مرآة تعكس خلجات الروح وماهية الإنسان، مما يجعلها حرية خالصة غير قابلة لأية وصاية . هؤلاء هم العلمانيون "المتحالفون مع الشيطان".
وبالمقابل، يوجد الإسلاميون الذين هم الملائكة الأصفياء الطاهرون، ويهدفون إلى "إقامة الدين" في الدولة عبر "تطبيق الشريعة الإسلامية" كما فهمها السلف والفقهاء القدامى منذ أزيد من ألف عام باعتبارها نظاما شاملا، وقطع الأيدي والأرجل والرؤوس والرجم بالحجارة والجلد بالسياط، وتطويق الحياة المجتمعية بالمحرّمات ومنع الغناء والرقص والإختلاط ومظاهر المرح والبهجة والسرور، ومصادرة حرية المعتقد والرأي والتفكير والإبداع الجمالي والحق في الإختلاف، والمفاضلة بين المؤمن وغير المؤمن والمسلم وغير المسلم، وتسليط المواطنين على بعضهم البعض بزرع الكراهية والبغضاء بين أفراد الأسرة الواحدة بذريعة إقامة "الدين الصحيح" و"محاربة البدع"، واحتقار المرأة باعتبارها مختلفة بيولوجيا عن الرجل ودون كفاءته ومقدرته العضلية والعقلية، واعتبار العقل البشري محدودا وقاصرا والعلوم معارف مادية لا تنفع في الآخرة، والدعوة إلى "طاعة الأمير" حتى ولو كان ظالما، والإحتكام إلى منطق الإفتاء البدوي اللاإنساني والذي من آخر فتوحاته إباحة مضاجعة الرجل لزوجته الميتة (كذا (، وهي فتوى لأحد ملائكة الإسلاميين من "العلماء" المغاربة، الذي لم يسعفه عقله ـ إن كان له عقل ـ ليطرح السؤال حول ما إذا كان الرجل الذي يشعر برغبة جنسية في جثة باردة، عوض الشعور بالحزن والألم، شخصية سوية من الناحية النفسية والعقلية.
هؤلاء هم شياطين العلمانيين وملائكة الإسلاميين، يسعى الأوائل إلى جعل كرامة الإنسان هي العليا على ضوء آخر مستجدات الحضارة الإنسانية، ويعمل الأواخر على فرض الدين أولا وكما فهمه الفقهاء منذ قرون طويلة خلت، في مجتمع لم يعد من جميع وجوهه هو المجتمع القديم.
وإذا كانت السماء لا تتسع للشياطين والملائكة المقرّبين، ففي المجتمع العصري مكان للجميع، شرط احترام قواعد الديمقراطية كما هي متعارف عليها في العالم.
وإلى حين أن يؤوب رئيس الحكومة إلى رشده بعد أن تشحذه التجارب، نتمنى له ومن معه الهداية والرشد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تستغرب ....
محمد بودواهي ( 2012 / 3 / 9 - 22:34 )
لم يسبق لي أن سمعت كلاما رزينا وهادفا وسليما من بنكيران مند أن ابتلت الساحة السياسية المغربية بانخراطه فيها إد لم يصدر منه إلا التفاهات والأفكار البالية والتعابير السادجة .... ورغم دلك هاهو الآن رئيس للحكومة ... مما يبين لك استاد عصيد أننا في المغرب ...ولقد قال الأولون حكمة بليغة : ما دمت في المغرب فلا تستغرب ....
تحية لك أستاد عصيد ولكل العلمانيين الأفاضل


2 - يعرق دينا وتقوى
عدنان عباس ( 2012 / 3 / 10 - 06:50 )
هل صاحبكم يعرق دينا وتقوى؟؟؟
اذا كان كذلك فاكتب على الدمقراطيه وحقوق الانسان والمال العام والثقافه والعداله والقانون والادي والفن والانسانيه السلام فسوف يختلط الحابل بالنابل في بلدكم المبتلى كما هو الحال في بلدنا


3 - مايبنى على فساد فاسد
tarik berdai ( 2012 / 3 / 10 - 10:56 )
مايبنى على فساد فاسد; ولا يمكن استيلاد النور من العتمة.
لم يعرف المغرب منذ 1200 سنة افقا آخر غير المخزن و الاسلام.
نتيجة هذا التظافر هو : المغرب . بلد يتراكم فيه الاهتراء بكل أطيافه.
المراهنة على هذين القطبين, المسؤولين عن هذه الكارثة التي تدعى المغرب, هو موضوع دسم لخبراء المصحات العقلية.


4 - الفرق بين
نور الحرية ( 2012 / 3 / 10 - 16:31 )
مقال اكثر من هادف ومميز مقارنة رائعة اتحفتنا بها بين الملائكة والشياطين ولعمري لقد اوجزت وكفيت انا استغرب فقط كيف للاسلاميين بعد ان يقرؤو مقالا كهذا او مقالات علمانية هادئة كالتي تطرح في موقعنا هذا كيف لهم ان لايعتبروا ويفسحوا لعقولهم ان تتحرر من التقليد الاعمى


5 - انضرهم قليلا يا فارس السجال الأمازيغي
ميس اومازيغ ( 2012 / 3 / 10 - 16:59 )
يا فارس السجال الأمازيغي العلماني الديموقراطي الحرلقد اعتدنا خزعبلات البلاط وزبانيته لقد ادركنا ومنذ زمان ان ثروة بلادنا هي المستهدفة ولا يعنيهم امر شعبنا في شيء انهم لن يتراجعوا قيد انملة بالرغم مما اتسمنا به من صبر عل وعسى ينتهون وينتبهون لكن هل يعقل اللصوص قبل ان يجر بهم الى الزنازن؟
ان بن كيران لا يختلف عمن سبقوه هو وجماعته الملعوب بها والمصيبة هي انهم بمجرد ان يشعروا بقرب القصاص سيرجعون الى خربشات في الدستور كما فعل من سبقوهم بامر من رئيسهم ولا يعلمون ان المغرب تغير وان ابناء الأرض اليوم لهم بالمرصاد.
ان حكمة ابناء الأرض هي التي اخرت انفجار البركان واشتعال النار التي لن تبقي ولن تذر غير ان مسؤولينا ما يزالون في جهالتهم يعمهون.لا يهمهم اقتتال مواطنينا فيما بينهم ما دام انهم واضعين ايديهم على حقائبهم المملوئة بما خف وزنه وغلى ثمنه.ليس بمقدور صاحبنا تغيير الأوظاع المزرية التي يتخبط فيها المواطنون لذلك لم يجد من بديل غير الكلام كما اعتاده سابقا ونحن ننضرهم قليلا والغد لناضره قريب.


6 - المشروع الاسلامي هو اختيار الشعب
عبد الله اغونان ( 2012 / 3 / 10 - 21:04 )
الحضارة العربية الاسلامية قامت على اساس الدين منذ القديم والى اليوم.عبثا استيراد التمط الغربي والغاء الهوية الاسلامية والخصوصية التي ميزتنا كشعوب .الدمقراطية التي تتشدقون بها حجة ضدكم.اذ الشعوب العربية الاسلامية اختارت مشروعها ومن يمثلها.لامجال للمزايدة
حكومة الاستاذ المحترم عبد الاله ابن كيران ماضية في مشروعها وما يهمها الان تطبيق برنامجها وعلى راسه محاربة الفساد وهاهي البوادر الفعلية حيز التطبيق والكل يشيد بها.طبعا هناك صعوبات واكراهات ومخلفات وما تم هو هي حد ذاته انجاز.انتهينا من هذه الاسطوانة المشروخة فصل الدين عن الدولة. غير
ممكن اطلاقا فصل الدين عن الدولة من درس التاريخ يعرف ذلك
الصلاحيات التي اقرت ليست هينة وشيئا فشيئا ستزداد وتتوطد.لم لم تجرؤا على قول هدا الكلام ابان حكومة اليوسفي اتها معارضة ضيزى مقصودة ومعروف خلفياتها.
اما الكلام عن المخزن فلاتنسوا انه هو الذي مكنكم في اطار الفصل19من استعمال التفناغ وتدريس الامازيغية واحداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وقناة الامازيغية وتمويل كل هذه المشاريع وما زالت كل الاوراق بيده ولاتملكون الا جمعيات معزولة وكتابات صحفية
ضحفية


7 - أتركوهها إنها مأمورة
أديب خان ( 2012 / 3 / 11 - 11:22 )
عندما تقرأ التعاليق تدرك أن الأطر الفكرية للفهم هي من تتكلم ، ولا مجال لأن يفهم هذا رسالة الآخر ،إذا كانت الفجوة جد شاسعة بين الفريقين
العلمانيون يتكلمون عن مفهوم يوتوبي لانسان المستقبل وللحريات ، بناءا عل فهم مسبق و تامل عميق في الدين و التجربة التاريخية اللاسلامية و البشرية عامة
و الاسلاميون مندفعون بالحس و الوجدان الغريزي لمقاتلة الأشرار
و إنجاز الوعد وتحقيق الميثاق،
و ذلك الوحي الذي يراودهم كالوسواس القهري ، المنبعث من الأطر الفكرية المنغلقة ،التي تشكلت و تبلورت من التامل العميق في تجربة واحدة
هي التجربة الكلاسيكية الاسلامية
لقد فات الأوان
، على العلمانيين ان يوجهوا جهودهم للأجيال اللاحقة و ذلك بتغيير الأطر الفكرية التي يفهم المرء في ظلها نفسه و اللآخر و العالم
و لا يتم هذا الانجاز إلا في فهم درس الأنتربولوجيا الدينية
وفهم كيفية إشتغالها
لأن الإديولوجيا الاسلامية السائدة اليوم
هي خطاب إحتجاجي على اللامعنى الذي كرسته خمسين سنة من العلمانية المشوهة
إنها رد فعل لفعل مجهول ،
فهي إذا مصطلمة ولا ترى أمامها شيءا ،
أتركوها تبلغ ذروتها و سوف تنهار من تلقاء نفسها

اخر الافلام

.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس


.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي




.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س


.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية




.. 131-An-Nisa