الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعمم والمكفف والمنقبة

حسن الناصر

2012 / 3 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


المعمم والمكفف والمنقبة
أجبرت قلمي على الصوم طيلة الفترة الماضية لعلي أعيد ترتيب أفكاري او ان ادع الزمن يجري إصلاحه كون مانراه في الأمس يختلف في تقييمه عن الآن ولكون عجلة الزمن تغير وتتغير, ولعلها فترة لاستراحة المحارب , لكن مظاهر عدة طافية أجبرت قلمي على الإفطار كان أولها الذي أثار قريحتي للكتابة منظر معمم يستقل سيارة حديثة جدا بدون أرقام خارج من منطقة (تجاوز) جلّ قاطنيها من الفقراء والمعدمين والذين يطلق عليهم ب(الحواسم) وهو ينظر شزرا للمارين ويتكلم بمحمول باهظ الثمن . تمعنت بوجهه بتمهل على غير عادتي مع الناس , وشاهدته شاب ثلاثيني له جبين متقرّح بشدة تتسع لتشمل جبينه بما لا يتلاءم وسنه وهذا دليل على زيف ناتج عن نطاح تربة الصلاة بشدة او لعلها وسيلة أخرى تجعل جبين المذكور يختزل عقوداً في أداء الصلاة ليصل لنفس المستوى او اقل . ويرتدي معممنا هذا أيضا عدة محابس بانت على أصابع كفه الذي يحمل جهاز المحمول ولم يسعني معرفة كفه الأخرى ماذا تحوي . تساءلت مع نفسي ما علاقة هكذا مخلوق مع فئة من الناس تعاني الحرمان والفاقة وتستشري بين أوساطها الأمية والفاقة والمرض؟ فهو في وادٍ وهم في آخر , فهو اما واعظ مترف على شاكلة وعّاظ السلاطين او ان يكون مقيما بنفس الحي والرأي الأخير معلم واضح للسرقة كونه يستقل سيارة تكفي لشراء منزل فكيف يرتضي وضع يده على ملكية عامة ؟ لكن أمثال هؤلاء لا يعنيهم هذا الرأي فهم يجيّرون طاقات الفقراء لمصالحهم الشخصية ويجعلونهم غرض لهم ,ويعدونهم دائما بغد مشرق لا يأتي , وينشرون بين ظهرانيهم سخافات وأوهام على (بوسترات) وجداريات ولوحات لرجال دين تكفي لإطفاء سغب بعض هؤلاء البؤساء وأطفالهم الجياع او تمد أجسادهم المتخمة بالأمراض بعلاج ولو بسيط , ولعمري لم يكن منظر هذا المعمم له أية علاقة بالورع والتقوى اللتان من أهم صفاتهما غض الأبصار.
وبرغم بزوغ ظاهرة العمامة بشكل صارخ خلال هذه السنوات نتيجة انعكاس المد الديني – السياسي على جوانب الحياة العامة الا انه ترافق بموجة استنكار واستهجان لهذه الظاهرة ومريديها لم تقتصر على الوسط المثقف فحسب وإنما امتدت للأوساط البسيطة فأصبح منظر المعمم يثير الاشمئزاز سواء ظهر بوجه عابس مكفهر وهذا الديدن السائد او استجدى ابتسامة مفتعلة مدد بها أسيل خده المتيبس من طول العبس والنكد , وكم يدمي القلب (روزخون) من هؤلاء يرتقي المنبر فيبدأ بوعظ الناس بالاستقامة والزهد وعذاب الآخرة ويفلت من شدقيه بين الفينة والأخرى جشاء يدلل على التهام هذا الواعظ وجبة دسمة ثقلت على أحشاءه فأعقبها بمشروب غازي لا يستغني عنه اغلب هؤلاء.
والظاهرة الأخرى التي تنامت هذه الفترة هي ارتداء البعض الزي العربي بإفراط وبالأخص من قبل الوسط الشبابي فضلا عن شريحة الكهلان والشيوخ ورغم ان الحفاظ على التراث ملمس ايجابي يرمز الى الهوية الا إن بروز هذه الظاهرة وسط الموجة الاسلاموية الرائجة الآن يدلل على انتكاس الحياة المدنية وتنامي العرف العشائري الذي مدّ مجساته في قلب المدينة وأرّيفها بشكل مروع ,واستشرت بالتتابع لغة التفاخر والتنابز واجترار الماضي بين الأفراد وبين القبائل وأصبح اللقب ضرورة ملحة أكثر من كونه اسم او رمز والتصق الفرد بالعشيرة عوضا عن مؤسسات الدولة التي – من المفروض - وجدت لحمايته والحفاظ على حقوقه ومصالحه وهذا تقهقر مرير للحياة المدنية والتحضر .
والحق يقال بان موجة أريفة المجتمع بشكل ممنهج اشرأبت منذ انقلاب 8 شباط عام 1963 وشيوع المدّ القومي السيئ وتولي حواضن القرى والقصبات زمام الحكم تجاه انكماش أبناء المدن ,حيث كان هذا الأمر فوضويا قبل هذا التاريخ ولا يشكل ظاهرة رغم الهجرة المكثفة من الريف الى المدينة التي تفاقمت أواخر الخمسينات الا ان مؤسسات الدولة حينها لم تصطبغ بصبغة الريف لحين ما تغير الهرم الحكومي وقدوم أبناء القرى للسلطة . وليس لي رغبة بان يظن القارئ بانني انظر الى أبناء القرى والريف العراقي نظرة دونية او ان أقزّم دورهم في البناء ,لكن المعروف بان الانحدار الحضاري والتمدن يبدأ حينما يتسيّد العرف العشائري الساحة ويطغى على لغة الحداثة التي ينبغي ان تحرك بوصلة الإدارة ,وهذا يتأتى بالطبع نتيجة تبوء أبناء القرى لمواقع المسؤولية كونهم يتماهون مع أعرافهم التي تتمطى لتغلف عنوان الإدارة وأنظمتها ومسمياتها مع وجود الاستثناءات للبعض بالطبع لكن الاستثناء يؤكد القاعدة وهذا ما حدث في العراق بالفعل.
ان اندحار المدنية وتمدد العرف العشائري ساهمت في ترويجه مثابات سياسية كان للحكومة الراهنة الباع الأكبر فيه بل ان مؤتمرات عشائرية ضخمة كانت تموّل وتدار بأموال عامة , وليس بعيدا عن هذا المنوال مجالس الإسناد التي هي بديلا عن الميليشيا الحزبية وبمثابة جيش شعبي جديد تأسيا بمنظومة البعث . ومن المخجل ان نخسر زخما هائلا من المال والدماء والجهد والزمن لننتج بالتالي دولة هجينة تجمع اعراف الريف وحداثة المدينة وهما متضادان لا يمتزجان ولا يلتقيان فحينما يتصرم الاول ينهض الثاني بشكل جلي.
والظاهرة الثالثة موضوعة البحث رواج النقاب لدى نساء العراق سنة وشيعة الذي استشرى أيضا بقوة متزامنة مع العمامة والكوفية ودون الخوض في أصل الحجاب وهل هو ديني المنشأ ام تقليد مكتسب من شعوب أخرى فقد تباينت حوله الآراء بشكل كبير , نرى ان الحجاب رأي شخصي وحرية توجه ينبغي ان تحترم وتبجل , لكن لا تفرض بالقسر والإكراه مثلما حدث للكثير من النسوة في بعض أنحاء العراق وصل الى حد التهديد بالقتل او ان ترمى عليهن قاذورات بصورة تنتهك أدميتهن .
والحجاب كما اعتقد يزين المرأة اذا كان معتدلاً لا إفراط ولا تفريط فيه , فلا هو شافٍّ ولا لافٍّ , لكن تحفظنا على النقاب المبالغ فيه الذي يلغي هوية المرأة ويجعل منها كتلة من القماش تتخبط خلف محرمها كما يشتهي البعض!!! واذا كان غرض الداعين له هو عفاف النساء حسبما يروجون لذلك ويجيلون حوله نصوص النقل والعقل فالعفة كما هو واضح على الساحة لا ترتكز على النقاب ولا حتى الحجاب إنما هي مثل وقيم خلقية تكتسي بها المرأة العفيفة حتى ولو كانت سافرة بملابس محترمة ومحتشمة بل ان بعض المنقبات – مع الأسف - يروجن لأنفسهن بهذا الزي لغرض الزواج بعد ان لاح شبح العنوسة وتغوّل وبالأخص من لا تمتلك حظوة جمال يجعلها تظفر بزيجة تبدو عسيرة الآن بعد ان تهلهلت عروض الزواج وامتنع أكثر الشباب عن الاقتران لأسباب شتى وهاجر البعض الآخر الى الخارج . وأمام هذه المأساة الاجتماعية التي تحيط مجتمعنا نرى المعممين والوعاظ من كلا الطائفتين يسوّقون فتاوى تميط اللثام عن شرههم الجنسي القميء بدعاوى زواج المتعة والمسيّار والمصطاف والمطيّار والمسافر ....الخ بدلا عن إيجاد حلول كريمة لمشاكل جيل من العوانس ورجال تخطاهم الزمن ولم يتمكنوا من الزواج بسبب ارتفاع التكاليف وضعف الإمكانيات او بسبب تقدم العمر او السفر.
لا شك ان كلامي لا يستسيغه البعض من الماضويين وقد يشهر ضدي سلاطة لسان ليست غريبة عن ذاته , لكن لا جرم فطالما تصارع عبر التاريخ خصمان كانت الغلبة للأخير وان طال الزمن : الأول أصولي راكد والثاني إصلاحي يطلب التحديث .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يافرحة المادامت
ثناء ( 2012 / 3 / 11 - 16:33 )
نعيب زماننا والعيب فينا .. وما لزماننا عيب سوانا
العزيز حسن
سلم قلمك .. اي وجع هذا واي خيبة امل وانتكاسة اصابتنا وخنقت فرحتنا بزوال الطاغية لنغرق في ظلمات الجهل والتخلف ولنكون ضحية للاسلام السياسي الذي يشوه الدين قبل المجتمع ...املنا بك وبامثالك من العقول النيرة للنهوض بهذا الوطن المنزلق نحو مصير مرعب


2 - تحياتي لك
حسن الناصر ( 2012 / 3 / 11 - 17:40 )
تحياتي لك ثناء ...فانت صوت انثوي هادر يصدح ليحرر نساء العراق من نخاسة الروزخونية وعمائم المجون... وشكرا على المداخلة

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah