الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نازيون بالوراثة

عبد الجبار سبتي

2012 / 3 / 13
المجتمع المدني


نازيون بالوراثة
قبل بزوغ نور الثورة الصناعية على اوربا وما رافقها من ثورات في علم الاجتماع والفلسفة والسياسة والاقتصاد والفكر العام والتنظير للعلاقة بين الحاكم والرعية , كانت اوربا ترزح تحت وطئة الجهل والفقر والظلم والظلام ..حتى سميت تلك الحقبة الزمنية والتي سبقت الثورة الصناعية بالعصر المظلم ..
عانت اوربا كثيرا في سبيل خلاصها من براثن تلك الظلمة واثار ذلك العصر البغيض لتتنفس الصعداء بدخولها الى عصر آخر وزمن آخر وفكرٍ جديد ينادي بحقوق الانسان ويرفع لواء الحرية والقانون المدني وحرية الاقليات والحد من سلطات السلطة الحاكمة فبزغت شمس الفكر والحكمة ونور العلم بدلا من ظلام الجهل والاستبداد وقهر الاستعباد والاضطهاد وصولا الى الثورات الكبرى التي غيرت من انظمة الجكم او حددت من سلطات الملك ليصبح رمزا ليس الا ..
ورغم ما اصاب اوربا من دمار بعد ذاك وكوارث نتجت عن الحربين العالميتين الا ان تلك القارة امتازت عن بقية القارات والامم بانها كانت تحمل وما زالت مشعل الحرية ومنبرا يقتدى به من قبل العالم اجمع ونورا تمثل بتنظيم العلاقة بين الفرد والفرد ,والفرد والمجتمع, من خلال التنظير العلمي والتطبيق العملي والفعلي لمعظلة شكلت ومنذ امد بعيد وما زالت تشكل اشكالية تتمحور حولها باقي الاشكاليات والخلافات في امم اخرى واماكن اخرى , تتمثل تلك الاشكالية في التحديد الاقرب الى الصواب والاجدر في ان يتبع تنظيما وتطبيقا للحقوق والواجبات التي تترتب على كل من الفرد والمجتمع , بحيث يضمن ذلك التقنين ان يتمتع الفرد باقصى ما يمكن له من حرية واكبر قدر من الحقوق على ان يضمن ذلك التقنين ايضا تحديد تلك الحقوق والحريات عدم المساس بحريات الافراد الاخرين وحقوقهم , وبمعنى اخر ان القانون يكون هو الضامن الوحيد لمنح الافراد في داخل المجتمع حريات متساوية وحقوقا متساوية لا تتقاطع ولا تحتك فيما بينها ,وايضا منع الحريات الغير منضبطة والتي قد تمس بحريات الاخرين وكرامتهم وسلوكهم وافكارهم ..
منح النظام الاوربي الجديد العالم كله فرصة فريدة قد لا يكون لها شبيه في تاريخ البشرية لان يصبح للقانون وحده الوصاية على الفرد والمجتمع ككل ..فليس لاحد ومهما كان منصبه او على مكانه وطبقته الاجتماعية او التنظيمية ان يكون وصيا على سلوكيات وافعال الغير .. بل ان القانون قد يحاسب اولياء الامور ان هم اساءوا لابنائهم لان القانون الاوربي ينظر الى الاب او الام والى الابن او البنت نظرة واحدة وهم امامه متساون في المنزلة كشخوص وافراد وانما منح ولي الامر ضمانة باالوكالة ,عن القانون/ الوكيل الاصلي والحصري/,على افراد اسرته حتى يبلوغوا الرشد , وهو اي ولي الامر قد يعرض نفسه للمسألة القانونية ان هو اساء استعمال تلك الوكالة او انتهك حرمتها او تهاون في اداءها ..
ومن كل ذلك نستشف ان للقانون السلطة العليا التي لا تعلوها سلطة والصوت الاعلى الاكثر احتراما وقدسية وسطوة على المجتمع ككل بحيث يضمن اكبر قدرا من العدالة الاجتماعية والمساواة في اداء الحقوق والواجبات .
لكن تلك التجارب التي تحدثنا عنها تعرضت في ازمان متفاوته الى هزات وربما كوارث وانتكاسات حينما اسلمت بعض الشعوب الاوربية ,وتحت وطئة حمى التنافس فيما بينها , قيادها لدكتاتوريات مقيتة كادت ان تعيدها وربما العالم الى عصر ما قبل الناعة , فبروز هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا وانتشار الفكرين النازي والفاشي في هاتين الدولتين حولهما الى دول عنصرية تطالب بتعالي قومية على اخرى وجنس على اخر .. فكان ذلك الفكر السلبي والتيار العنصري اللا انساني سببا في معاناة كبيرة ,وسُلَما لتبرير اعتداء هاتين الدولتين على دول وامم اخرى ومحاولة تمرير صور ابادة واضطهاد لشعوب اخرى .. حيث انتشر وشاع الفكر النازي في المانيا بداعي تحقيق العدالة للشعب الالماني وانتزاع الامجاد للاممة الالمانية التي كانت لربما تشعر بالغبن والعار لتحميلها نتائج هزيمتها في الحرب العالية الاول .. لكن محاولتهم تلك في استعادة الحلم للهيمنة على العالم اجمع جاء بنتائج كارثية ليس على المانيا والدول المتحالفة معها فحسب بل وعلى العالم اجمع فقد فاق عدد من قتل في تلك الحرب الـ 10 ملايين انسان وتشرد واصابة اضعاف ذلك العدد ..
تلك النتائج اوضحت بما لايقبل الشك للعالم عموما وللالمان خصوصا ان الفكر العنصري والافكار العدوانية انما هي افكار خطيرة جدا وهدامة ولا يمكن السماح لها بالانتشار او التغلغل في النسيج المجتمعي والفكر العالمي وتحت اي ذريعة كانت لانها يمكن ان تتسبب بكوارث لا يمكن التنبوء بها ويصعب حصرها او معالجتها لاحقا ..
وبعد تعرض المانيا النازية للهزيمة والدمار وخسارتها للحرب ,بادر الحلفاء المنتصرين الى اصدار قانون او تشريع يسمح لالمانيا ان تأهل نفسها من جديد وسمي ذلك القانون بمشروع مارشال ,بهدف مساعدة الالمان على النهوض من جديد وبناء دولتهم , وذلك لاثبات حسن نوايا الحلفاء اتجاه الامة الالمانية , وثانيا لمنع الالمان من الانصات مجددا لاصوات نازية جديدة بحجج المظلومية والغبن واستعادة الامجاد ,مما قد يؤدي الى صراعات جديدة قد تنهي الحياة الانسانية اجمعها .
ادى مشروع مارشال غرضه ونهض الشعب الالماني مرة اخرى واثبت وجوده واثبت انه شعب حي يمكن الوثوق به ومد جسور التعاون معه ,وحقق كل ذلك من دون الحاجة الى فكر عنصري , لكنه اثبت ايضا ان الامجاد لا تدرك عن طريق الافكار العدوانية او العنصرية او اللا انسانية وان هناك طريقا اسلم وءأمن واكثر تحضرا للوصول الى الاهداف وتحقيقها , وان طريق الظلم والتعدي والاعتداء ومحاولة ابادة الاخر انما هي طرق لا تجر الا الى كوارث غير محسوبة النتائج , وانه طريق مهلك وسبيل يجلب الدمار للجميع , لذلك سنت المانيا الجديدة قانونا يمنع الفكر النازي من التداول لتحمي نفسها اولا , رغم ايمانها بالديمقراطية فكر وتطبيقا .. وتعلمت باقي الدول الحرة ان من غير الصحيح بل والخطير ايضا بناء مصالحها على حساب مصالح الدول والامم الاخرى وان الشعوب والامم التي تصاب بعارض غير ايجابي تحتاج الى مد يد العون وان يتحمل المجتمع الانساني مسؤوليته اتجاهها , وان التعصب لا ينتج الا تعصب مقابل , وان الاعتماد على الحلول العسكرية والآلة الحربية لا يكون الا في اضيق الحدود وآخر الحلول ..
المثال الالماني ليس فريدا من نوعه ولا هو الاول في التاريخ ولا اظنه سيكون الاخير , فما حصل في المانيا يمكن عكسه على مناطق اخر وعلى امم اخر تشعر بالغبن والمظلومية وتنادي ليلا ونهارا بالمطالبة باستعادة امجادها من دون رغبة في بذل الجهود ولا حرص على تحقيق العدالة الاجتماعية في داخل مجتمعاتها , ولا تنادي بالفكر والعلم لتحقيق انجازاتها ,بل تسعى جاهدة لبث ونشر افكار التعصب والاعتداء في داخل عقول شعوبها ظنا منها انها ستصل الى طريق الفضيلة والى امكنة الاستعلاء والاستكبار من خلال طريق اقصر او مضمون النتائج ,مثلما تحاول هي ان تبرر هذا الفكر المنحرف عن طريق حقائق مغلوطة او عن طريق اثباتات لا تصلح لزمان تغير .. وبدلا من ان تسعى لاستكمال وفهم ما وصلت اليه الانسانية من تحضر ونشر نور الحكمة وسلطة القانون ومنع الافكار المنحرفة من الانتشار ورفض الدرن المتخلف من سلوكيات و افكار غير لائقة بانسان اليوم ,نراها تستعلي بجهلها , وتستنكف ان تتعلم من الاخرين الذين تنظر اليهم بعين عوراء على انهم اقل شأنا منها واخفض درجة في سلم الانسانية , فتنظر لنفسها على انها الاقدس والاكثر حضوة او الجنس السوبر وبقية خلق الله ما هم الا بشر دونها درجة , متكلة على العنصرية المقيتة , وعلى مظلومية لم يفرضها عليها احد غير اتكالها وعدم مواكبتها للركب العالمي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سفير إسرائيل بالأمم المتحدة: قرار واشنطن وقف بعض شحنات الأسل


.. بعد إعلان إسرائيل إعادة فتح معبر كرم أبو سالم.. الأمم المتحد




.. كاميرا العربية ترصد أوضاع النازحين في مخيم المواصي


.. مستوطنون يعتدون على مقر وكالة الأونروا في حي الشيخ جراح بالق




.. بعد فض اعتصامهم.. طلاب من جامعة السوربون يتظاهرون أمام مقر ب