الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استخدام الدين لأهداف سياسية أو لماذا أعدم الحلاج؟

زكرياء الفاضل

2012 / 3 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا المقال، الذي أضعه بين يدي القارئ، سبق ونشر منذ حوالي خمس سنوات مضت في الجريدة الإلكترونية المغربية "هسبريس". وقد ارتأيت إعادة نشره لاعتقادي أنه لا يفضح استغلال الدين فقط، من طرف البرجوازية، لأهداف سياسية بل ولتشابه أحداث تاريخية مضت منذ قرون مع ما يحصل اليوم ببلادنا.
هناك شخصيات فذة استطاعت نفوذ طبقات الزمن و توصيل فلسفتها و نظرتها في الكون و المجتمع إلينا رغم كيد أعداء النور و التنوير و محاولاتهم لإخماد شعلة فكرها الحر و إطفاء مشكاة علمها و هزم عزيمتها و تشويه سمعتها. شخصيات سجنت روحها في بدنها فضاقت بها الدنيا و تاقت إلى الحرية الحقة حيث الرجوع إلى الأصل بين الأزل و الأبد و سُجن بدنها لكنها بقيت حرة و هي وراء القضبان لأن حريتها مصدرها نور قدسي داخلي لا يعرف المجاملة و لا يقبل المساومة.
من بين هؤلاء الرجال الأشداء رجل تناقضت الأقوال فيه فمن قال بجهله و هو صاحب ستة و أربعين كتابا و من قال بتناقض شخصه لأنه كان يحث الناس على قتله فلما داهمه الخطر هرب و اختفى و من قال بكفره نظرا لعمق فكره و فلسفته و غموض كلامه لأنه عارف و العارف لا يفهمه إلا العارف. و قد احتار المؤرخون في إسمه الحقيقي إذ عرف له إسمان و لا يعرف السبب في ذلك:
1 – الحسين بن منصور
2 – محمد بن أحمد الفارسي.
و حتى كنيته اكتشف أن له ثلاث:
ا – أبو المغيث
ب – أبو عبد الله
ج – أبو عمارة.
و قد اشتهر الحسين بن منصور أو محمد بن أحمد الفارسي بلقب الحلاج لأنه حلج القطن في صباه ثم حلج الفكر فيما بعد ذلك. و عرف هذا الشيخ الصوفي و الفيلسوف نهاية شنعاء لا تليق بدولة كثيرا ما يصورها أنصارها على أنها قمة في العدالة و الحرية، إذ قُطعت أطرافه و صُلب بعد ذلك كالمسيح، ربما تكفيرا عن خطايانا، ثم ضُربت رقبته في اليوم التالي فأحرق جثمانه. إن كانت هذه هي العدالة و حرية الرأي فكيف يكون الظلم و القمع؟؟؟ كل هذا لأنه أحب الوطن و رغب بشدة في إصلاح أحوال الأمة في زمن كثر فيه الظلم و انتشر به الفساد و تفاقم الفقر المتفشي بين أفراد المجتمع بينما عاش الوجهاء في غنى فاحش غير مكثرتين بآلام أمتهم مما جعل نار الفتن تشتعل و سُم التفرقة يتسرب و يتوغل بسرعة في شرايين الدولة فالقرامطة يثورون و يفلحون في تكوين دولة لهم باليمن و أجدادنا الأدارسة ينشقون عن الخلافة بالمغرب و الشيعة يتربصون و يتحينون الفرصة للإنقضاض على الخليفة و حاشيته. في هذه الظروف العصيبة للدولة وقف أهل العلم و التنوير مواقف مختلفة فمنهم من انحاز للبلاط طمعا في العطاء و منهم من انكمش على نفسه و زهد في المجتمع. و ما وقف في وجه الظلم و الجور إلا القلائل من أمثال أبي العباس ابن عطاء الحنبلي و .. و الحلاج و قد تعرض الرجلان للسخط و العقاب. و بالرغم من المحن التي تعرض لها هذا الصوفي الورع فإنه ما فكر في نهج التغيير عبر سياسة العنف و التطرف بل على العكس من ذلك سعى إلى تغيير سلمي أي "ثورة صوفية لا تهرق فيها دماء و لا يشوه جمالها سلب أو نهب أو سبي: ثورة بيضاء أو بالأحرى انقلاب ثوري يحظى بتأييد تلقائي من الأمة جمعاء فيزيل الضغائن و يُنسّق المصالح و يُوحّد الرجاء و يستنبط من اليأس غبطة.." لأن الحلاج كان يعرف و يحق أن العنف لا يورث إلا العنف و الفتن و الفوضى و يجعل البلاد و العباد عرضة لمخاطر داخلية و خارجية. إلا أن أفكاره السلمية هذه ما نجّته من كيد الأعداء حيث تآمروا عليه و لفقوا له التهم كي يتخلصوا من ضمير عصرهم و أمتهم. فالمحكمة الصورية، التي ترأسها حامد بن العباس وزير الخليفة العباسي المقتدر و عدو الحلاج، و جهت له و من دون خجل تهمة الفسق و هو القائل:
أ تفرح بالذنوب و بالخطايا و تنساه و لا أحد سواه؟!
فتب قبل الممات و قبل يوم يلاقي العبد ما كسبت يداه!
و ما اكتفوا بهذا بل اتهموه بالكفر و هو الشيخ الصوفي الورع يقوم الليل و يصوم الأربعينات زاهد في الدنيا و نفسه تواقة للقاء الحق و الخلود:
أنا سقيم عليل فداوني بدواك
أجري حشاشة نفسي في سفن بحر رضاك
أنا حبيس فقل لي: متى يكون الفكاك؟
حتى يظاهر روحي ما مضّها من جفاك
طوبى لعين محبّ حبوتها من رؤاك
و ليس في القلب و الل بّ موضع لسواك
كل التهم كانت واهية لا تستند إلى حجج و براهين و لكن رغبة حامد بن العباس في القضاء على الحلاج كانت أكبر من القضاء و العدالة فحكم عليه بالإعدام.
و من هو حامد بن العباس هذا وزير مرتشي عُرف ببيع مناصب جهاز الدولة و كان يرمي في مطمورة ألف دينار كل يوم حتى إذا امتلأت حفر غيرها و هكذا بينما كان الإنسان البسيط من فلاح أو عامل قد تمر عليه السنين و لا يعرف شكل الدينار الواحد. هذا هو من حاكم الحلاج و طارده حتى أمسك به ولفق له التهم أما الأسباب الحقيقية فلم تذكر أثناء المحاكمة الصورية و أذكر منها هنا سبب واحد فقط هو أن الحلاج كان يدعو بالرضا لآل محمد. إذا هو شهيد فلسفته و فكره صبر على الشدائد و تلقى الموت ببسالة لا مثيل لها مرددا:
يا معين الضنى عليّ، أعني على الضنى
هذا هو الحلاج الصوفي و الفيلسوف و المصلح و الضحية باختصار شديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جنون العظمة
عبد الله اغونان ( 2012 / 3 / 14 - 02:40 )
ذكر الحلاج في الاولياء او الثوار كلام غير صحيح.المدرسة اليسارية تصبغ كثيرا من الشخصيات التاريخية باللون الاحمر.الخوارج القرامطة الحلاج بل بفض الصحابة كابي ذر
كل ماذكر اعلاه عن الحلاج من هذا القبيل.كان الرجل مصابا بنوع من الاعتداد بالنفس عبر عن ذلك في شعره الى درجة ادعاء الالوهية او مايسمى بالحلول
ما في الجبه الا الله
انا من اهوى ومن اهوى انا---نحن روحان حللنا بدنا
فاذاما ابصرته ابصرتني---واذاما ابصرتني ابصرتنا
راجعوا بانفسكم على النت
ديوان الحلاج.الرجل كان زنديقا ولاعلاقة له بالثورة ديوانه احسن ما يكشف
نفسيته المريضة


2 - الحلاج
المبدع ( 2012 / 3 / 14 - 11:36 )
نريد من الاخ عبد الله اغونان تعليقه بخصوص الجريمة الشنعاء التي اقترفت على الحلاج وما رايه فيها وشكرا


3 - شطحات وليست زندقة
شاهر الشرقاوى ( 2012 / 3 / 14 - 15:40 )
لا لم يكن زنديق
بل قل له شطحات
ربما كان لا يدرى هونفسه بها لانها افنى ذاته فى الله
نوع شديد جدا من انواع الجذب

لو كان زنديق لاعلن توبته اتقاء للقتل
لكنه قال قولته الشهيرة
اقتلونى تؤجروا
ودعى لقاتليه بالرحمة والمغفرة قائلا
اللهم هؤلاء عبيدك قتلونى حبا لك وانتصارا لك
فاغفر لهم ولى


4 - حكم الردة على الحلاج
عبد الله اغونان ( 2012 / 3 / 14 - 21:20 )
محاكمة الحلاج موثقة في مصادراصلية ولعله من النماذج القليلة التي طبق عليها حكم الردة.واجريت له محاكمة وكان يجاهر بادعاء الالوهية امام العامة.وهذه مسالة تاريخية وشعره يعطيك صورة عن زندقته.اماعن قتله فانا ليت قاضيا.ان ما ارتكبه الحلاج في هرطقاته اكبر جريمة.
لقد قتل لحلاج لكن شعره يدينه لااحد من المؤمنين يتعاطف معه اما ان نصنع منه شهيدا او اسطورة فذلك سلوك المستشرقين والتيار العلماني

اخر الافلام

.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا


.. الجيش الإسرائيلي يدمر أغلب المساجد في القطاع ويحرم الفلسطيني




.. مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل




.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال