الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن العدالة في الحكم الإسلامي .

صالح حمّاية

2012 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا شك أن اغلب المواطنين البسطاء في الدولة العربية الذين صوتوا للإسلاميين في الانتخابات التي جرت في مصر وتونس ، قد جالت في خاطرهم حال التصويت تلك الصورة الوردية عن الحكم الإسلامي الطوبوي زمن عمر ، وعن ذلك الخليفة الورع الذي يمشي بين الرعية خفية بحثا عن أي جائع أو مريض ليسعفه و يخفف عنه كربه ، و هي الصورة التي رسمها و روج لها الإسلاميين على أنها الواقع الذي سيتحقق حال فوزهم بالانتخابات و وصولهم للسلطة إذا ما تم اختيارهم من طرف المواطنون ، لكن السؤال هل في حال وصول الإسلاميين للحكم أن هذا حقا ما سيحصل أم أن حقيقة الوضع غير ذلك .

بالنظر إلى جميع التجارب الإسلامية الحديثة التي حكمة لم يحصل أبدا أن كان هناك أي عدل تحقق على أيدي الإسلاميين رغم المزاعم المشابهة ، فسواء في السعودية أو إيران أو السودان ، ضلت الشعوب تعاني الفاقة و العوز رغم تطبيق الحكم الإسلامي المتأسي بالخليفة عمر ، بل أضيف على مواطني تلك الشعوب عبئ تحمل التعاليم الإسلامية الكابتة للحريات و المكفرة لكل من يعلي صوته بالإعراض على عكس الشعوب الأخرى التي لم تحكم بالنظام الإسلامي ، ما يعني أن تمني تحقق العدالة فقط حال القول أن الحكم صار إسلاميا هو تمني خرافي و ساذج و غارق في اللاعقلانية ، و ليس هذا الأمر بالسابقة في التاريخ الإسلامي ، فمنذ قتل عمر لم يكن الحكم إلا جبرا و قهرا رغم الحكم الإسلامي الطوبوي المزعوم ، ولم يحدث أن جاء للمواطنين خير من وراء هذا ، فعمر هو ، و بشهادة المسلمين و الإسلاميين يبقى الحاكم الإسلامي الوحيد الذي حقق العدل للناس (مع استثناء اعتراض بقية الملل الأخرى علي حكمه) ، فيما جميع من جاءوا بعده كانوا من الظلمة و الجائرين رغم انتسابهم للحكم الإسلامي فما السبب ؟

يمكن القول أن سبب كل هذا الجور و الظلم الذي أستمر قرونا رغما الحكم الإسلامي هو ببساطة التشريع الإسلامي نفسه ، فهذا التشريع لا يحوي أي قوانين تحمي حقوق المواطنين أو تضمن أمنهم ، ولهذا من البديهي أن ينتهي الأمر في ظله إلى كل تلك الكوارث ، فالتشريع الإسلامي لا ينطلق من مبدأ إعلاء قيمة الإنسان وخدمة مصالحه ، بقدر ما ينطلق من مبدأ تضحية الإنسان لصالح تحقيق التشريع الإسلامي ، وعليه فمن الطبيعي أن ينتهي الأمر بالناس في ظل هذا الوضع بالتضحية بكل ما لديهم بدون أن ينالوا أي شيء ، فهم بالأساس ليسوا في حسبان هذا التشريع .

وعليه فالأحرى بالمواطنين ومن اجل أن السعي نحو نظام حكم عادل أن يبتعدوا قدر الإمكان عن الحكم الإسلامي ، لان المشكلة تمكن فيه وليس كما يقال أنها تكمن في الابتعاد عنه ، و بالنسبة لفترة حكم عمر التي تأخذ كشاهدة على نجاحه فهي الشاذ في هذا التاريخ لان قرابة عشر سنوات من الحكم العادل لا يمكن أن تكون المقياس أمام مئات السنين من البطش و الظلم في ظل الحكم الإسلامي .

التشريع الإسلامي كنظام بدائي صاغه بضع من وعاظ السلاطين تحت ضغط سلطة استبدادية ، ليس من المتوقع أن ينصف المواطنين في أي شيء ، فسدنة المعبد من البديهي أن يطوعوا الشريعة بما يخدم مصالحهم و مصالح أسيادهم ، وعلى خطاهم يسير بقية الإسلاميين الحاليين ، فالإسلاميين الحاليين لا يرون في فكرة تطبيق الحكم الإسلامي سوى وسيلة للوصول السلطة مثلهم مثل أي تيار سياسي أخر ، لكن الفرق بين الإسلاميين وباقي التيارات السياسية الأخرى ، أن التيارات السياسية الديمقراطية تقيد نفسها بالقوانين الحديثة التي تضمن احترام حقوق الإنسان وتضع ضوابط للعمل السياسي ، بحيث لا تكون رغبها في الوصول للسلطة جناية ترتكب في حق الشعب ، في المقابل فإن الإسلاميين وعلى العكس من هذا يسعون إلى تحصين أنفسهم من أي محاسبة عن طريق تقنين الشريعة الإسلامية التي لا تعطي للشعب أي حقوق ، فهي تنتهي إلى تركيز كل السلطات في يد الحاكم المحصن من أي نقد أو اعتراض بغض النظر عن تصرفاته .

عدى أنه هذه الشريعة تذهب لتنهال بسيل من القوانين الجائرة على رؤوس المواطنين لتكبيلهم و قمعهم بحيث لا يبقى لهم في النهاية أي منفذ لطلب العدل أو حتى الرحمة في تجاهل واضح لمصالح المواطنين ، ولا أبرز من نموذج لهذا كالنظام السعودي الذي و فيما يطارد فيه المطوعون وشيوخ الدين الناس بسبب لباس مخل ، أو تهاون عن صلاة ، يرخى الحبل للغالب على الملوك والأمراء في سفك وانتهاك أموال الشعب بلا أي رادع ، إن لم يكن هذا الأمر مقننا و محمودا في الشريعة الإسلامية فللسلطان الحق المطلق في فعل أي شيء ما لم يكن كفرا بواحا ، حتى لو قتل العباد و انتهك الحرمات ، وما على المواطنين إلا الصبر والركون أو هم يصبحون من الخوارج الكفرة الذين يحق فيهم القتل إن هم اعترضوا .

وطبعا هذا الذي لم يكن ليقع حال انتخاب تيارات ديمقراطية تعمل على أساس دساتير وضعية تقوم على احترام حقوق الإنسان وخدمة الصالح العام ، وهنا يمكن القول أنه حتى ولو جار الحكم في ظل هذه القوانين وهو أمر متوقع الحدوث ، فإنه سيظل تعديا على حقوق الناس في إطار مخالفة القانون ، بحيث هناك فرصة للاعتراض و الرفض عن طريق استعمال الطرق الشرعية ، على عكس من أن يكون القانون مؤيدا لمثل هذه الأمور بحيث لا إمكانية للاعتراض عليه بدون الخروج عن القانون .

وعليه فالنصيحة التي يمكن توجيهها للمواطنين البسطاء الذي يبحثون عن المدنية الفاضلة لدى الإسلاميين ، هي أن هؤلاء هم ابعد ما يكون عن هذا المدينة إن لم يكونوا هم نقيضها المباشر ، لهذا فالبحث عن هذه المدينة يأتي بالأساس من إبقائهم بعيدا عن السلطة أولا و أخير ، فسيطرت هؤلاء عليها لا تعني سوى إضافة مزيد من السنوات لعمر الاستبداد الذي يستمر منذ قتل عمر ، وهو عمر طويلا جدا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم


.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو




.. 70-Ali-Imran


.. 71-Ali-Imran




.. 72-Ali-Imran