الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور الجديد للحركات السياسية من غير الدول في إعادة مجد المد الإسلامي

سعد شاكر شبلي

2012 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شهد الواقع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في المنطقة العربية ، مرحلة من التغيير البنيوي في صيغة التفاعلات بين أطرافه بعد احتلال العراق في 9 نيسان 2003، والتي أحدثت اختلافاً كبيراً في أدوار دول الإقليم وأوزان القوى الرئيسة فيه تمثلت في انهيار الدولة العراقية ، وصعود إيران كقوة إقليمية مؤثرة ، وبروز الدور الجديد لبعض الحركات السياسية " من غير الدول " كحزب الله اللبناني ، وحركة حماس الفلسطينية ، وحركة النهضة التونسية ، وجماعة الإخوان المسلمين المصرية ، والتيارات الدينية الليبية، ودخول هذه الحركات في أطار الحسابات الإستراتيجية ، مما أدى لبروز أزمات متعاقبة في المنطقة ، كما أسفرت عن تغير في طبيعة القضايا المطروحة وتطور في نوعية الصراعات المحتدمة وتبدل محاور النزاع الرئيسة ، وضياع الحدود الفاصلة بين الفعل الداخلي والتأثير الخارجي ، مع إضعاف للدور المحلي وتصعيد الدور الإقليمي ، وتبلور تحالفات جديدة بين القوى الدولية والإقليمية خاصة بين تياري الاعتدال والتشدد ، وغلبة الاعتبارات الطائفية والمذهبية على قضايا المنطقة مما أدخلها في دائرة من الاحتقان والتمزق والارتباك ، وأوصل الحالة إلى حد المواجهة المسلحة بين بعض الأطراف الداخلة في النزاع .
إن هذا التحول الجدي في طبيعة الفاعلين – الحركات السياسية - من غير الدول جاء ليزيد من مسألة نمط تأثيرهم في المنطقة، وما إذا كانوا عنصر استقرار أو عدم استقرار فيها، حتى أصبح - التحول - من القضايا المثيرة للجدل. بحيث عزز الجدل الذي أُثير مع حالة الثورة التي شهدتها المنطقة منذ مطلع عام 2011 . فما صاحب هذه الحالة من تغيير جذري أطاح بعدد من النظم القائمة، كما هو في حالة كل من تونس ومصر وليبيا واليمن ، استرعى الانتباه إلي أهمية شبكات التواصل الاجتماعي، فبات دور هؤلاء الفاعلين علي ذات درجة أهمية دور الدول. إلي جانب ذلك، عد فريق من المهتمين أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو عقد الفاعلين من غير الدول، وفسر ذلك بتحول القوة من الانظمة السياسية الحاكمة في الدولة العربية إلي الفاعلين من غير الدول، مثل حزب الله، وحماس، وتنظيم القاعدة، والتنظيمات المحلية الموالية له، والتيار الصدري في العراق.
إن تفسير هذا التحول في جزء مهم منه جاء بمصاحبة التطورات التي شهدتها المنطقة من زيادة ضعف الدولة العربية وتفككها، ومن انهيار للنظم السياسية التي ظلت جامدة لما يزيد علي عقدين من الزمان، وذلك في الوقت الذي زاد فيه انخراط الدولة في التفاعلات العالمية، فظهرت من ناحية جماعات أو تنظيمات منظمة تقوم بعدة وظائف كانت في الأصل من اختصاص الدولة، من قبيل توفير الخدمات العامة، والنظام والأمن في بعض الأجزاء من إقليم الدولة. وتزايد، من ناحية أخرى، نشاط الشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الحقوقية الدولية، علي نحو أصبح معه نشاطها محركا لتغيير الوضع داخل تلك الدول، لصالح مزيد من النفوذ والشرعية للجماعات التي تقوم ببعض وظائف الدولة 1.
لقد كشفت حالة الثورة التي شهدتها المنطقة العربية عن حدوث تطور من حيث نمط الفاعلين المؤثرين فيها، حيث عاد الفاعلون التقليديون لينشطوا في المنطقة علي نحو غير متوقع، ولكن هذه المرة بنشاط مختلف. إذ تنامى نشاط الشركات المتعددة الجنسيات العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، مثل "فيسبوك وتويتر" اللتين لعبتا دورا محركا في الثورات العربية، من حيث كونهما أداة للحشد والتعبئة والتنسيق في المراحل الأولى للإعداد للثورة.
وتجدر الإشارة إلي أن اختلاف نشاط هذه الشركات عن نشاط شركات النفط، على سبيل المثال، ترتب عليه اختلاف تأثيرها في المنطقة. فطبيعة المجال الذي تعمل فيه وما توفره من تقنيات تسهل التواصل بين الأفراد في مختلف أنحاء العالم، وما يصاحب ذلك من ارتفاع سقف التوقعات، يولد حالة من الرغبة في تغيير الوضع القائم لدي المستخدمين، وبالتالي لم تعد تعمل للحفاظ على الوضع القائم، وبات التغيير بمثابة الأثر الجانبي لممارستها نشاطها في أي دولة.
إن عودة الجدل بشأن الحركات الإسلامية كان من أبرز نتائج الثورات العربية الراهنة ، سواء فيما يتعلق بدورها في إشعال هذه الثورات، أو مستقبلها السياسي والحركي، خاصة في ظل حالة الإقصاء والتهميش التي تعرضت لها هذه الحركات طيلة العقود الخمسة الماضية. وأنه من الصحيح القول بأن الحركات الإسلامية لم يكن لها دور بارز في إشعال الثورات العربية، وذلك لأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بطريقة ومنهج هذه الحركات، والذي يتجنب الصدام المباشر مع الأنظمة السلطوية، خاصة في ظل تجاربها السابقة، سواء في مصر أو تونس وليبيا، وبعضها يتعلق بطبيعة اللحظة التاريخية والمزاج الثوري الذي يدور في العالم العربي، ويتجاوز الأطروحات والقوي الأيديولوجية الكلاسيكية.
لكن هذه الثورات العربية، وفرت للحركات الإسلامية فرصة ربما تكون تاريخية فيما يخص الحصول علي الشرعية والتمتع بالشرعية القانونية، كما أنها تحمل تحديات عديدة لهذه الحركات، ليس أقلها القدرة على العمل في بيئة منفتحة سياسيا وأيديولوجيا، وهي التي اعتادت العمل في سرية ووفق بنية تنظيمية مغلقة تعتمد على التعبئة الفكرية والحركية، ومنها ما يتعلق بالقدرة علي التماسك والبقاء بشكل موحد دون التعرض لانشقاقات أو انقسامات داخلية 2.
إن تزامن تنامي دور هذه القوى الفاعلة من غير الدول ، مع تدهور أوضاع دول العالم الإسلامي العربية بأنظمته السياسية المختلفة ، وبأحواله المعيشية والفكرية القاسية ، جاء نتيجة للظروف التي مر بها العالم بأسره والعوامل التي تعاقبت بعد الركود الذي حدث جراء اصطدام الدول الإسلامية بالعالم الغربي في حروب الاستعمار وسلب الخيرات الاقتصادية ، وتسخير الطاقات المختلفة لمصلحة الغرب القوي ، بالرغم مما تشكله هذه الطاقات المفترض أنها من عناصر قوة دول العالم الإسلامي ، بفعل الإشعاع الحضاري للمد الإسلامي الذي سبق أن حول الحياة في كل بلد دخله نحو الرقي والتقدم ، حتى حدوث حالة تقسيم البلاد الإسلامية إلى مناطق نفوذ حدثت منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي مروراً بالقرن العشرين ، حيث سيطر البريطانيون على مصر والسودان واليمن وعمان وإمارات الخليج العربي والعراق ، وسيطرة فرنسا على سوريا ولبنان ، واحتلت الجزائر عام 1830 ، وتونس عام 1881، والمغرب عام 1912 ، واستيلاء إيطاليا على ليبيا عام 1911 وجزء من الصومال وأرتيريا ، وتقاسم بريطانيا وفرنسا القرن الأفريقي ، واستعمار اسبانيا الريف المراكشي ، وإقليم أفني والصحراء الغربية.
وهنا يبرز تحدي الفصل ما بين النشاطين الديني والسياسي للحركات الإسلامية ، التي دأبت على الخلط بين الدعوي والسياسي، مع عدم وجد حدود فاصلة بين الدور الديني والاجتماعي لهذه الحركات ونشاطها السياسي. وهذا التحدي لا يمكن حله بمجرد التمييز بين المجالين الديني والسياسي عن بعضهما بعضا، وإنما من خلال عملية فصل كلي في الوعي والفكر الحركي بين منطق الجماعة الدينية ومنطق الحزب السياسي. والنماذج العربية في الأردن والمغرب واليمن لا تشجع الجمع بين الأمرين ، مع إمكانية تكرارها في مصر وتونس. فالمشكلة لم تكن يوما في العلاقة التنظيمية التي تحكم علاقة الحزب بالجماعة ومساحات الانفصال والتلاقي بينهما، وإنما في الفلسفة التي يستند إليه كلاهما. فالعضو الذي يقرر الانتماء لجماعة دينية ليس هو حتما من يقرر الانتماء إلي حزب سياسي وبالعكس 3.
وبناءاً على ذلك ، تبدو محاولة جماعة الإخوان المسلمين في مصر لإنشاء حزب سياسي أشبه بإعادة استنساخ التجربة الأردنية، مما سوف يؤدي إلي مشاكل مستقبلية قد تعوق نشاط كلا الطرفين، وذلك بفعل التحول في طبيعة هذه الجماعة، فقبل الثورة المصرية، كان التعامل معهم يجري على أنها جماعة محظورة، رغم أهميتها كقوة سياسية، وتبنت سياسات مستقلة عن الحكومة المصرية تجاه غزة تحديدا، وقضية فتح معبر رفح. وبعد الثورة، أصبحت الجماعة من القوي السياسية الشرعية التي لا يمكن تجاهلها في مصر، وأصبحت جزءا معترفا به من النظام الجديد. وليس واضحا حتي الآن إلي أي مدى سيضع اندماجها في النظام الجديد قيودا على مواقفها الخارجية.
كما إن الاهتمام الخارجي بحزب الله اللبناني كان يقتصر على موقف الحزب من إسرائيل التي صورها على أنها العدو الأول، وعلى إيران وسوريا اللتين قبل التحالف معهما من أجل تعزيز قدراته على التصدي لإسرائيل، وكان اهتمامه بأمور أخرى هو من قبيل الاستثناء. وما أن جاءت حالة الشروع في ثورات الربيع العربي ، اتسع نطاق الاهتمام الخارجي للحزب ليشمل تحرك الشعب العربي. ويلاحظ أنه في معظم الحالات، كان موقفه متفقا مع الموقف الإيراني منها، ونذكر هنا - علي سبيل المثال - موقف الحزب من الاضطرابات السياسية في البحرين، حيث رأي السيد حسن نصر الله - في خطابه الذي ألقاه في المهرجان الذي نظمه الحزب لدعم ثورات الشعوب في 19 آذار 2011 - أنه "لا فارق بين حكم آل خليفة في البحرين، وحكم آل مبارك في مصر، وحكم آل القذافي في ليبيا"، ورأى أن ما يجري في البحرين هو مظاهرات سلمية، وأنه "تم إرسال الجيوش إلي البحرين للدفاع عن نظام غير مهدد بالسقوط، إذ إن المعارضة هناك سلمية بحتة". كما رأى أن الحرب في ليبيا هي "حرب فرضها النظام على شعب كان يطالب بالتغيير دون استخدام السلاح، وأصبح الشعب أمام خيار الدفاع عن نفسه". وحمّل نصر الله النظامين اليمني والبحريني مسؤولية وضع البلدين "على حافة الحرب الأهلية".
وتأسيساً على ما سبق فقد أصبح أمام الحركات السياسية من غير الدول مهمة تحقيق المد الإسلامي الذي لا يمكن أن يتم إلا من خلال تحقيق الوحدة بين أجزائه ، والتعامل مع قوى الغرب التي ترقب الحالة ، وتعمل على تعطيل كل محاولة وحدوية خشية من خطرها ، وذلك بعد أن أصبح العالم الإسلامي منذ أن انهارت الخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية ، عالماً مجزءاً استقوت عليه أضعف شعوب الأرض ، لأن سر قوة هذا العالم لا تكمن بالسلاح بقدر ما هي في قدرات الأمة الكامنة في عقيدتها الإسلامية .
المراجع
1 إيمان رجب ، اللاعبون الجدد:أنماط وأدوار الفاعلين من غير الدول في الثورات العربية، الموقع الالكتروني : http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/3/111/1818
2 خليل العناني، استحقاقات ملحة:التيارات الإسلامية في عصر الثورات العربية ، الموقع الالكتروني :
http://www.siyassa.org.eg/NewsContent/2/106/1580
3 خليل العناني ، مرجع سابق .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهود متميزة
مهدي الجنابي ( 2012 / 3 / 29 - 19:55 )

أخي العزيز حياكم الله على هذا الجهد المتميزونسأل الله تعالى أن يمن عليكم بالصحة والعافية ويوفقكم لما فية الخير....أن أيران هي العقرب الصفراء ولها الدور الخبيث في القضية العراقيةوالقضية اللبنانية القضية السوريةوالبحريني


2 - جهود متميزة
مهدي الجنابي ( 2012 / 3 / 29 - 20:16 )
أخي العزيز جهودكم متميزة وبارك الله فيكم ونسأل الله العلي القدير أن يبارك في صحتكم ويطيل في عمركم لخدمة الأنسانية.....أن أيران هي العقرب الصفراء في القضية العراقية وكان لها الدور المباشر في أرساء الطائفية في هذا البلد الجريح كما قال الفاروق رضي الله عنة اللهم اجعل بيننا وبينهم جبل من نار وكذلك تخلاتها في سوريا ولبنان والبحرين

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah