الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نقيّم التجربة العلمانية .

صالح حمّاية

2012 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المغالطات المنهجية التي يروج لها الإسلاميون حاليا و يحاولون فرضها قسرا على المواطن العربي البسيط ، هي تلك التي تقول " أننا كدول عربية قد جربنا الخيار العلماني وأنه كالخيار قد فشل و لهذا فعلينا في هذه الحالة ومن أجل الخروج من الواقع المزري الحالي الذي نعيشه أن نقوم بتجريب الإسلام كنظام للحكم ، لان الإسلام هو الحل " .

أول الأسئلة التي تطرح على هذا الإدعاء الذي يروجه الإسلاميون هي "ما المقياس الذي أستعمل في تقييم فشل أو نجاح التجربة العلمانية في الدول العربية (رغم أنها لم تكن علمانية كاملة تماما) ؟ " هل هذا التقييم قائم على أساس اقتصادي كما هي عادت الإسلاميين في الخلط بين الشيوعية و العلمانية ، بحيث هم يعتبرون الفشل الحالي في الاقتصاديات العربية (رغم أنها ليس شيوعية) ناتج عن التجربة العربية الشبه علمانية ؟ ، أم هو على أساس اجتماعي ينظر إلى العلمانية بكونها نظام ادري يسعى لحفظ السلم الاجتماعي ؟ .

هل يميز الإسلاميون في طرحهم الحالي في الفروقات بين النظامين ، و عن السبيل لتقييم كل تجربة منهما على حدة ، أم هي مجرد دوغما لخلط الأمور على المواطن العربي من أجل تمرير مشروع شمولي في ظل تغييب الوضوح في الرؤية ؟ .

العلمانية بحكم كونها نظام اداري يقوم على أساس تنظيم العلاقة بين مختلف التناقضات داخل المجتمعات (مسيحي .. مسلم ، سني .. شيعي ، تقدمي .. محافظ ...الخ ) من المفروض أن تقيّم على أساس "ما مدى الدرجة التي حققتها في حفظ السلم الاجتماعي و خلقها لمناخ التعايش السلمي داخل المجتمع" ، بحيث تقاس نسبة النجاعة في هذه التجربة بكم القلاقل التي حدثت بين مكونات الشعب في ظلها ، فإذا حدث و أن فشل هذا النظام في إيجاد التعايش السلمي بين طوائف الشعب ففي تلك الحالة يمكن اعتباره فاشلا ، أما إذا ظل السلام الاجتماعي محفوظا فهو حينها ناجح بغض النظر عن تردي باقي المؤشرات الأخرى ، فليس هذا الشأن من أهداف العلمانية .

و بالنظر إلى تاريخ الدول التي سارت في خيار العلمنة ، فلم يسجل التاريخ أي حادثة احتراب أهلي داخل هذه الدول ، بل يمكن القول أن خيار العلمنة قد أدى إلى تعزيز التعايش السلمي في الكثير منها رغم شساعة الاختلافات بين مكونات الشعب التي قد يبدو من الحتمي تصدمها ، في المقابل فإننا نجد أن الكثير من الدول التي سارت في طريق النظم الدينية العنصرية قد انتهى بها الأمر إلى حروب أهلية مروعة بل و حتى إلى التقسيم بسبب رغبة فكرة واحدة في فرض نفسها بالإكراه مما يؤدي بجميع المختلفين إلى التذمر و الاعتراض ، ولا ابرز من مثال على هذا كنموذج غظ وطري كالتجربة الإسلامية السودانية التي انتهت إلى تقسيم البلاد بسبب سياسات الحكم الإسلامي الشمولي ، وهي التجربة التي من المفترض على كل إسلامي إن يعلقها حلقة في إذنه حال الحديث عن فشل الخيار العلماني وضرورة تطبيق الحكم الإسلامي كسبيل لحل أزمات البلاد ، لان هذا الحديث في ظل الشواهد العديدة المناقضة له هو بمثابة الدجل الصريح على الناس .

هذا الخلط المشبوه من الإسلاميين بين فشل الاقتصاديات العربية في تحقيق الرفاهية للمواطنين ، وبين واقع تطبيق التجربة الشبه علمانية في الدول العربية (الذي يكاد يكون الشيء الناجح الوحيد فيها)، ليس سوى وسيلة لتحويل سخط المواطن العربي الناقم على حالته الاقتصادية المزرية نحو خيار العلمنة ، بحيث يتم توظيفه للسير نحو بناء المشروع الديني الشمولي الذي ينظر له الإسلاميون على أنه السبيل لاعتلاء سدرة المنتهى التي يحلمون بها من عقود ، متحاشين بهذا أي اشتراطات ديمقراطية من الممكن أن تفرض عليهم بحيث قد تهدد هذا الحلم مهما كان الأمر على حساب المواطنين البسطاء ، حتى لو دمرت بلدانهم أو دخلوا في حروب أهلية قد تمتد إلى سنين طويلة بسبب هذا الخيار .

هذا الطرح من الإسلاميين هو دجل فاضح وتزيف صريح للحقيقة يُستغل فيه السخط الشعبي اللاعقلاني وغياب الوعي لدى الأكثرية من المواطنين ، غياب وعي هو بالأساس نتيجة للدوغما الإسلامية التي مارسها الإسلاميون على مدى عقود لتشويه كل المفاهيم لدى الشعوب المطحونة بالفقر و ألامية من أجل أن لا تختار في مثل هذه الحالات الخيارات التي تخدم مصالحها و التي من المؤكد أنها لن تكون الإسلاميين ، فليس من المتوقع من شعوب واعية ومتعلمة أن تختار جلادين جدد سوف يقودونها حتما للخراب بعدما هي أطاحت بجلاديها السابقين ، لكن و في ظل هذه الهستريا الشعبية اللاعقلانية التي يغذيها الجهل و الأمية و يسوقها غسيل الأدمغة فمن المتوقع أن يكون الأمر على هذا المنوال و أن يختار المغيبون جلاديهم مرة أخرى بدون أدنى توجس ، ، لأن المقدمات لا توحي بأي شيء معاكس ، ومهما تكن خدمات العلمانية للمواطن العربي فمن المستبعد المضي نحوها في ظل هذا المناخ ، وهو ما نراه يحصل للأسف .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
عبدالغني زيدان ( 2012 / 3 / 19 - 06:25 )
اولا ياسيدي عليك الاعتراف بان الراسمالية والمجتمعات الليبرالية هي من طبقت العلمانية وقمته هرم هذه الايديولوجية هو اليبرالية التي تعيث بالبلاد خرابا
وثانيا من اجل الخلط بين الشيوعية والعلمانية الم تحدث نقطة الالتقاء بينهما ووحدة اهدافهما على الرغم انه في البداية كنا نقول بان هذه يختلف عن هذا الان اصبحت النظريتان متلازمتان وهذا التناقض موجود بداخل كل منهما والسبب في هذا هو الوصول الى اللاهدف بالوجود وخلق الانسان النيتشوي والعدمي
ارجوك نحن عندما ولست من احزاب الاسلاميين نربط النظريتان ببعضهما نربطهما بسبب النتائج الحتمية المرتبطة بكلتاهما
ثالثا لايجب العيش في العلمانيو وتطبيقها لكون المجتمعات الغربية اصبحت تشكو من هذه النظرية التي خلقت اجواءا اجتماعية بائسة تعمل على ضياع هوية الانسان وهذا المصطلح اصبح يثبت وجوده في اروقة المثقفين واصبحت هنالك مشاكل جما من هذه النظرية الهدامة والانسان العربي اختار الاسلام لمعرفته المسبقة دون الحاجة للتطبيق فشل العلمانية ومن يؤازرها

اخر الافلام

.. تغطية خاصة | عمليات نوعية وغير مسبوقة للمقاومة الإسلامية في


.. «توأم الروح والتفوق» ظاهرة مشرقة بخريجي 2024




.. تغطية خاصة | إيهود باراك: في ظل قيادة نتنياهو نحن أقرب إلى ا


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان ترفع مستوى الإسناد




.. لماذا تخشى الكنيسة الكاثوليكية الذكاء الاصطناعي؟