الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أهمية أن تعيش وسط مجموعة من البشر

سامح سعيد عبود

2012 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أنحدر الإنسان العاقل من قطعان من أشباه البشر تعيش وتنتج وتلبى معظم احتياجتها المادية والنفسية والعقلية سويا، و تكون على خلفية تلك الحياة الجماعية المشتركة، جهازهم العصبى والنفسى والعقلى، وقد تكيف هذا الجهاز تطوريا مع ذلك النوع من الحياة الجماعية، وهو ما ميز فى طوره البدائى عموما الثدييات والطيور اجتماعية السلوك التى تعرف العواطف والغرائز الاجتماعية، عن الزواحف الفردانية السلوك التى لا تعرف سوى الغرائز الأنانية، ثم تميزت الرئيسيات العليا فى طور أكثر رقيا عن الثدييات الأخرى، وتكون لديها ما يمكن تسميته القيم الأخلاقية الاجتماعية، والتى تطورت لدى البشر فى طور أكثر رقيا، وذلك بفضل معيشتهم فى ظل نظام مشاعى عشائرى لأكثر من مليونى عام، وهكذا حتى وصل التطور إلى الإنسان العاقل الحديث - مع تحفظى على تسميته بالعاقل - فبعد فترة من ظهوره على الأرض اكتشف الزراعة التقليدية وتدجين الحيوانات ومن ثم الاستقرار واكتشاف الكتابة وبها عرفنا التاريخ المكتوب، وبرغم تحلل المشاعيات العشائرية إلا أن البشر فى غالبيتهم ظلوا يعيشون فى عائلات ممتدة ذات أساس اقتصادى مشترك، يسمى الاقتصاد الطبيعى، من حيث الإنتاج والاستهلاك والعيش المشترك، سواء فى الريف أو المدينة، وكان هذا ملائم لجهازهم النفسى والعقلى والعصبى.
كانت حياة الفرد فى ظل حياة جماعية مع جماعة كبيرة من الناس، تنقل له خبرات متنوعة تضمن له نضج عقلى مبكر، كما تضمن له الطمأنينة النفسية، والاشباع العاطفى، طوال مراحل عمره، وتعفيه من مشاعر الوحدة والقلق والاكتئاب، كانت مثل تلك الحياة تهذب أنانيته و تحد من فردانيته وتجعله أكثر احساسا باحتياجات الآخرين، أنها تضفى على حياته مشاعر حميمية يفتقدها المتوحدون، وما لم تصاب كيمياء جسمه و أنسجة مخه باختلالات أو أمراض، فإنه سوف يتمتع بصحة نفسية وعقلية، ومشاعر عميقة بالسعادة، وقد قضت الرأسمالية على تلك الانماط التقليدية من الحياة الجماعية فقد قضت على العائلة الممتدة، وفى طريق تطورها خلخلت تماسك الأسرة النووية، وحولت المجتمع لركام من الأفراد يصارعون بمفردهم فوضى تقلبات الرأسمالية والصراع من أجل الاستهلاك والمتعة والمال والربح و النجاح الفردى، مما جعل القلق وعدم الثقة و الخوف والأمراض العضوية والنفسية والعقلية مرافقة لحياة الناس.
لذلك أخذ البشر يبحثون عن الانتماء لجماعات متنوعة مثل النقابات و الأندية والجماعات الرياضية والسياسية والثقافية، إلا ان كل هذه الأشكال لم تمنحهم ما تمنحه الحياة الجماعية المشتركة، مما حرمتهم منه حياة المدن البرجوازية، من ظروف صحية للحياة، ولذلك انتشرت فى البلاد المتقدمة فكرة جماعات المعيشة المشتركة، فى تشاركيات أو كوميونات، وتتم بأن تتفق مجموعة كبيرة من الأشخاص، والأسر النووية، على شراء عقارات كبيرة، عمارات، مساكن مستقلة، مزارع صغيرة، ليعيشوا فيها سويا، ويتشاركون فى كل الأعمال الخاصة بالعقار فيطبخون ويأكلون معا، و يتقاسمون تكاليف الإقامة، ويتشاركون فى تربية وتعليم الأطفال، ورعاية كبار السن، ويتشاركون فى الترفية والرحلات وهكذا.
وقد شرحت "كولنتاى" مميزات ظاهرة انتشرت عفويا فى أعقاب الثورة الروسية، هى تحول الأعمال المنزلية من طهو وغسل ملابس و رعاية أطفال و خلافه من أعمال تخص كل أسرة على حدى، و تلقى على عاتق المرأة وحدها، إلى أنشطة جماعية يشترك في انجازها العديد من الأسر والأفراد المتعاونين، و الذين ينتجون ويستهلكون ويعيشون سويا، و شرحت مدى انعكاس ذلك على تحرر المرأة من مشاق العمل المنزلى وسلبياته، ولكن الظاهرة انتهت بسحق، و قمع عفوية تحرير الناس لأنفسهم، وتنظيم حياتهم بإرادتهم، وتمت العودة مجددا إلى نموذج الأسرة التقليدية، و استمرار التناقض بين الإنتاج الجماعى والاستهلاك الفردى ، وهذا أدى لانتعاش الفردية واستمرار الأنانية بين مواطنى دولة الاشتراكية الأولى، وتنافسهم البغيض على المناصب والمغانم، بدلا من تضامنهم و تعاونهم سويا فى مواجهة الحياة، وهذا أدى لفساد بعضهم من الذين اتيحت لهم فرص الفساد.. كما أتاح الاستهلاك الفردى، انتعاش ثقافة الاستهلاك بين الأفراد، وكانت النتيجة أن وقع الكثير من الأفراد تحت تأثير الإعلانات الاستهلاكية، و أوهام التطلعات الاستهلاكية فى الغرب الرأسمالى، مما ساعد على سهولة انهيار الاتحاد السوفيتى، الذى ما إن تم حتى تورط الألاف فى مافيا الاتجار فى البشر سواء كمجرمين أو ضحايا. إلا أن فكرة أن ينتج ويستهلك ويعيش الناس سويا فى جماعات يربط أفرادها نشاط اقتصادى و جيرة، تحمل من الإيجابيات مما هو أكثر من ذلك ما لا يتسع المجال لذكرها فى هذا المقال القصير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!