الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جائزة نوبل للفصام

عبد الجبار سبتي

2012 / 3 / 21
المجتمع المدني


في حفل رائع اقيم على شرفه استلم استاذ الاقتصاد الرياضي د.جون ناش جائزة نوبل للاقتصاد للعام 1966, بعد ان تمكن من حل مسئلة رياضية غاية في الاهمية واستعصت على عقول العلماء لفترة طويلة من زمن .. ورغم ان جون ناش كان مصابا بالفصام الا ان ذلك المرض النفسي الخطير لم يمنعه من التألق واحتلال مكان الريادة ومواصلة عمله في الجامعة رغم تعرضه للكثير من الاستهزاء والسخرية من قبل الاخرين الذين كانوا ينظرون اليه كشخص مجنون ..
الطبيب الفرنسي Pierre Janet, هو الذي وضع الوصف العلمي الاول لازدواج الشخصية او الفصام منذ عام 1889، وهو الذي ربطها بالصدمة النفسية في مرحلة الطفولة. وبعد ذلك تنوعت النقاشات حول كيفية تفسير اسباب وجود ازدواجية الشخصيات عند بعض الناس.
اما الكاتبة الانكليزية Rita Carter في كتابها "Multiplicity" الذي صدر عام 2008، قامت بجمع الادلة على اننا جميعا نملك شخصيات متعددة لمختلف الظروف، وان هذا التعدد في الشخصيات له استخدامات هامة في الحياة العصرية. تشير الى انه سيكون من المضحك ان لانتمكن من ترك دور الاب عندما نكون بين الاصدقاء، او ترك دور البروفيسور عندما نلعب مع اطفالنا.
مرض الفصام او ازدواجية الشخصية يعتبر من اكثر امراض العصر انتشارا من بين الامراض النفسية اذ يؤشر علماء النفس والاجتماع الى ان الامراض النفسية ما هي الا احدى اكثر اثار عصر التكنولوجيا الذي نعيشه بروزا تأثيرا على النفسية الانسانية والشخصية الفردية , وبالخصوص مرض الفصام, حيث يشكل المصابون بمرض الفصام اكثر نزلاء المستشفيات النفسية في الغرب . لكن ما يؤسف له ان مجتمعاتنا الشرقية تعودت على اهمال وطمر ما تظن انه يسئ الى نرجسيتها وعدم طرح سلبياتها للنقاش العام او للتأشير او العلاج ,خشية من هبوطها من وهم الكمال الزائف,لذلك فان المجتمعات الشرقية لا تعير مثل هذه الحالات اي اهتمام الا ما ندر.
كما انه لا بد لي من الاشارة هنا الى ان هناك بعض من علماء النفس يفرقون بين الفصام وازدواجية الشخصية وهناك من يصنف الاثنين الى انواع متعددة حسب الظروف المرضية , والاعراض , والانفعالات ,ولكن ما يهمنا هو الشكل العام للحالة وليس البحث في نوع وتفاصيل المرض واسبابه وعلاجاته ..
فالبعض يرى انه حالة طبيعية موجودة في دواخل الجميع اذا ما تم السيطرة عليها واخضاعها للشخصية الاصل .. ولنعد للكاتبة Rita Carter ولنقرأ رأيا اخر لها .. حيث ان كارتر ترى "تصور الذات الذاتي" عل انها مستودع للموارد، علينا استخدامها بكل طاقتها. عوضا عن محاولة تقليص التعدد في شخصيتنا، من اجل الوصول الى مايعتقد البعض " الشخصية الحقيقية" علينا ان نكون سعداء على قدرتنا على تقمص شخصية مناسبة لكل ظرف من اجل استخلاص افضل النتائج من كل حالة نجد انفسنا امامها على حدى. كما ويعيد بعض العلماء ان قدرة بعض الناس على التأقلم بين شخصيتين متناقضتين وهم بكامل وعيهم إلى مساحات واسعة في الدماغ موجودة عند كل الناس, وهم لا يستخدمون سوى جزء يسير منها .‏
مفهوم ازدواجية الشخصية والتقمص للعديد من الاراء وارتداء الاقنعة حسب ما يقتضيه الزمان والمكان اشار اليه العديد من الباحثين الاكاديمين وعلماء الاجتماع والنفس ولعلني لا آتي بجديد اذا ما ذكرت رائد علم الاجتماع في العراق الدكتور علي الوردي الذي اشبع هذه الظاهرة دراسة وتمحيص واشار اليها في العديد من ابحاثه وكتبه عن المجتمع العربي والعراقي بالخصوص واشار الى ان تلك الظاهرة هي ظاهرة مجتمعية تؤثر في بناء شخصية الفرد نتيجة تعرض المجتمع بعمومه الى ضغوطات معكوسة وغير متجانسة تتضارب في مبادئها وتختلف في اولياتها وحيثياتها وتحمل الفكر على الاتجاه في اتجاهات مختلفة ومتضادة في آن واحد .
من كل ذلك نفترض ان المصابين بمثل هذه الامراض انما هم ضحايا لمجتمع ينظر الى النقص الانساني في شخصية الفرد وكأنه سبة , ويتناسى ذلك المجتمع ان ذلك النقص انما هو صفة بشرية ملازمة لجميع البشر , ونتيجة لتعرض الافراد ,وخصوصا منهم الذين لايحبون النقد او من هم يمتازن بحساسية مفرطة ونرجسية زائدة عن الحد الطبيعي, الى تلك الضغوط , لذلك فهم يلجأون الى نوع من انواع الدفاع عن الذات وعن شخصياتهم عن طريق تقمص شخصيات اخرى او اراء اخرى ويغوص بعضهم في تلك الشخصيات حد التلبس فيها والانغماس في تفاصيلها . . وهذا ما قد نراه طاغيا في شبكة الانترنت الذي يعتبر مجتمع مصغر او رديف او ظل للمجتمع الحقيقي والواقعي ولا اظن ان هناك احد من مرتادي الشبكة العنكبوتية لم يلاحظ استخدام البعض لاكثر من اسم وصفة وشخصية في النت ,ورغم كون ان مثل هذا الامر لا يعدو ان يكون هواية عند البعض ومبرَر في بعض الاحيان لكن ما قصدته هنا هو ذلك النوع الذي يتعدى الهواية الى الغواية ويتعدى قضاء اوقات ممتعة بعيدا عن تسبيب الاذى للاخرين الى قضاء اوقات ممتعة بتسبب الاذى للاخرين .. لارضاء نزوة ما او شهوة ما او غرض ما . فعندها يصبح مرضا فصاميا .
ومن ملاحظتي البسيطة لجهود البعض في لبس شخصيات متعددة بعيدة عن الشخصية الاصلية وارتداء الاقنعة والجهود التي يبذلها والوقت الذي يخسره في اضفاء هالاته على شخصياته المبتكرة والمتحررة والمتناقضة انه يؤمن حقيقة بهذه الشخصيات والتي قد تكون سرقته من عالمه الحقيقي الى عالمها الافتراضي ,فقام بمنحها ما ينقصه هو وما يشعر بافتقاده في عالمه الحقيقي .
وبعيدا عن الادمان على استخدام الشبكة العنكبوتية وامراضها التي اشار اليها العديد من علماء النفس , الا اني ارى ان المعنين بالموضوع اعلاه هم اصلا يعانون من فصام حقيقي وليس على الشبكة فحسب , خصوصا منهم اولئك الذين يخوضون سجالات وحروب قد تشغل حيزا ليس بالبسيط ولا بالهين بين شخصياتهم المبتكرة , متمتعين بحقوق الملكية , ذائبين حد الهوس بتفاصيل اشباحهم التي تقاتل نيابة عنهم وتتحدث نيابة عنهم وتساوم نيابة عنهم , بينما هم يكتفون بالتصفيق والضحك من وراء شاشاتهم .
وان كان ناش العالم والعبقري الكبير قد تجاوز ما الم به من مرض خطير وتعالى على الالم والخيال واثبت واقعا انه يمتلك الحقيقة وحده دون اشباحه .. فأن عباقرة اخرين اثبتوا العكس فسلموا اشباحهم مقاليد السلطة وانساقوا وراء تفاصيلها وما يحيط بها , واستحقوا بذلك استحداث جائزة تسمى جازة نوبل للفصام تمنح لمن يستطيع تقمص شخصيات اكثر وارتداء اقنعة اكثر بشرط واحد هو ان يستطيع اثباث شخصيته الحقيقية والعثور عليها عند استلامه للجائزة .

(دائماً مرضى الفصام يخيل لهم انهم يعملون مع الحكومه او انهم مطاردين من الحكومه )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أميركا.. اعتقال 33 طالبا أثناء فض اعتصام مناهض للحرب في غزة


.. طيران الاحتلال يستهدف منزلا وسط خيام النازحين في مدينة رفح




.. منظمات حقوقية تونسية تو?سس تحالفا ضد التعذيب


.. إسرائيليون يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإبرام صفقة تبادل مع




.. كيف تنعكس الأحداث الجارية على الوضع الإنساني في غزة؟