الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النخب خارجة عن موضوع الثورة، والتجديد الديني ضرورة تاريخية

محمد الحمّار

2012 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لنتفق من الأول على أنّ التجديد الديني هو العودة إلى الإسلام المصدري في عظمته ووظيفته الحضارية لكن بأساليب ورؤى مستحدثة. ثم لو أسلمنا بأنّ من أخطر مواضيع الساعة "موضوع" ضبابية العلاقة بين الإنسان التونسي، والعربي المسلم، والإسلام وبأنّ "النص" بمعنى العلاج المألوف إنما هو اللجوء إلى الفكر الديني المشايخي، سندرك أنّ مجرد التسليم بأنّ المشكلة ذات طابع ديني (الموضوع) لا يعني أنّ الحل لا بد أن يكون بالضرورة دينيا إرشاديا دعويا (النص). من هذا المنظور تكون نخبنا خارجة عن "الموضوع" لأنها لا تستطيع أن تخرج عن "النص". فما الحل؟

بالاستلهامٍ من آخر الأدبيات التي قرأتها (مقال ممتاز للأستاذ فاروق بن عمار بالفرنسية: "حكومة 1956 خلقت سلفيي 2012") ومن تعقيبي عليه، يتضح لي أنّ تونس اليوم، نخبا وشعبا، ملزمة تاريخيا بتكميل الفكر البورقيبي في مجال تجديد الفكر الديني الإنساني (علما وأني لست بورقيبيا). في هذا السياق فقط من الممكن أن نفهم كيف أنّ انحسار التعليم الزيتوني في عهده وبسبب سياسته ليس جريمة بحد ذاتها كما يذهب إليه الكثيرون. بل بالعكس، قد نكون اليوم، وبفضل الحرية التي اكتسبناها تبعا للثورة (المتواصلة) مهيئين أكثر من أي وقت مضى وأكثر من أي مجتمع عربي إسلامي آخر لرؤية المسألة الدينية من منظور جديد ومتجدد. ومن أهم المقدمات الممهدة لرؤية من هذا الصنف أن لا نتألم من جراء اندثار التعليم الزيتوني وأن لا نتحسر عليه وأن لا نسعى جاهدين إلى الانسياق إلى محاولات مثل إعادة الاعتبار للتعليم الزيتوني. لقد كانت "الزيتونة" واحدة من مفاخر التعليم والمعرفة في الماضي لكن ليكن ما هو آت أرقى وأجدى.

أمّا في ما يتعلق بالرؤية بالذات فيحق التشديد على أنّ بورقيبة، لمّا بدّل العقليات باتجاه تحرير المرأة و إيلاء التعليم مكانة مرموقة وشحذ الهمم إزاء تبجيل العمل وتقديسه والحرص على التنظيم العائلي بفضل تحديد النسل، وغيرها من السياسات الثورية، لم يكن يهدف كما يظن بعضهم إلى تدجين العامل الديني ولا إلى علمنة الضمير التونسي. كانت أعمال بورقيبة ترمي إلى عقلنة ما هو قابل للعقلنة لكنه لم يكن من الممكن عقلنته من قبل جراء التخلف والانحطاط ثم الاستعمار. أمّا الدين فكان من المفترض أن يعنى به أخصائيون آخرون، غير بورقيبة. لكن هذا لم يكن ممكنا نظرا للسبق الهام للفكر البورقيبي على فكر سائر النخب آنذاك بما فيها النخبة الدينية. لقد كان بورقيبة سابقا لعصره ولعصر المجددين في الفكر الديني الإنساني (التدين/التجربة الدينية).

بكلام آخر ربما حان الوقت اليوم لقطف الثمار من التجربة التعليمية ومن تجارب المجتمع الأخرى في عهد بورقيبة ثم في عهد خليفته المخلوع. ومن بين هذه الثمار "الخروج على النص" لا بمعنى "الخروج عن الموضوع"، وما يستبطنه من المرور بجانب الحاجيات الحقيقية للشعب مثلما هو سائد الآن، وإنما بمعنى تناول الموضوع مباشرة وفي الصميم وبمقاربة جديدة أي ثورية جديرة بثورة 14 جانفي/يناير. وإذا بحثنا عن عينات دالة على أنّ الساحة الفكرية والإعلامية تتخبط خبط عشواء سنحكم مثلا على دعوة مشايخ الدين للكلام في الإذاعة و للظهور في التلفزة بنيّة تبجيلهم على غيرهم من النخب بدعوى أن طبيعة "الموضوع" دينية بأنه خروج عن الموضوع. كما أنّ دعوة المشايخ بعضها بعضا للتحاور حول مسائل مثل تحكيم الشريعة الإسلامية (اجتماع قصر الرياضة "القبة" في يوم ذكرى الاستقلال، 20 مارس 2012) تُعتبر قمة في الخروج عن الموضوع. وتخصيص خطب الجمعة ومواضيع الدروس الإرشادية لمسألة تحكيم الشريعة إنما هو خروج ليس مثله خروج عن الموضوع. ذلك أنّ المسلم المتوازن، وهو افتراضي وغير متوفر الآن في السلوك الاجتماعي العام، من يرفض التنصيص على أن الشريعة أصلا للتشريع بينما هو يعيش تاريخيا في دولة إسلامية. وإلا فكيف صار مسلما وعاش مسلما إلى اليوم إن لم تكن قوانين مجتمعه متصلة بالشريعة من بعيد أو من قريب؟

إنّ موضوع الساعة هو احتقان العلاقة بين التونسي والدين وبالتالي بينه وبين الشريعة، من بين جوانب دينية أخرى. ومن أسباب طرح مسألة تحكيم الشريعة تخبّطُ الإنسان التونسي، والعربي المسلم عموما، في مشكلة وجودية شائكة. فليس مطلب إدراج الشريعة كأصل للتشريع حلا لمشكلة بقدر ما هو مؤشر على وجود مشكلة. وهذه الأخيرة من الصنف الوجودي. وهي نتيجة لعدم تملك "المواطن" التونسي للمهارات المتعددة والمختلفة التي من المفترض أن تكون مكتسبة لديه لكي لا يحس بالغربة في عقر داره: الإسلام من جهة واللغة من جهة ثانية، على الأخص. والمهارات المفقودة هي من مشمولات المعارف والعلوم للإنسان المسلم، لا من مشمولات إسلام/أسلمة هذا الإنسان من عدمه.

إن التونسي مسلم، ولا يقل إسلامه ولا يزيد لا على إسلام الاندونيسي ولا الإيراني ولا الموريتاني ولا السنغالي ولا السعودي ولا غيرهم. لكن ما ينبغي أن يميز التونسي عن غيره من المسلمين هو ما يميزه في نفس الوقت عن غيره من غير المسلمين: كيف يستخدم المعارف والعلوم لكي يكون وفيا لنفسه وداريا بحاجياته وتطلعاته الحقيقية ومتملكا للحلول لمشكلاته وللوسائل الكفيلة بتحقيق أحلامه. وهذا لعمري يستوجب مشايخ العلم الدنيوي، وهي صفة تتوفر في كل خبير مؤمن يُعنى بمجال من مجالات الحياة المعرفية والعلمية باختلاف اختصاصاتها.

لقد عشنا قبل بورقيبة في البُعد "الأول" الذي لم يكن ليعترف بعلمٍ أرقى وأفضل من العلم المتمثل في التحصيل الزيتوني. ثم حدث ما حدث من تجاذبات إيديولوجية وسياسية أفضت، كنتيجة للصراع بين البورقيبية واليوسفية (نسبة للمناضل صالح بن يوسف) على الأخص، وامتدادا لفكر خير الدين باشا، إلى غلبة البُعد "الثاني"، البُعد الحداثي الذي كان بورقيبة رمزه الأساسي إن لم نقل الوحيد (بمعية نفر قليل على غرار الشيخ النسوي الطاهر الحداد). فهل حان الآن وقت التأليف بين البُعدين؟ من المتأكد أنّ ذلك رهنٌ ببروز مشايخ البُعد "الثالث".

محمد الحمّار








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - (الحكمة ضالة المجدد (ثوابت مع دعائم انى وجدها
علي البشير ( 2012 / 4 / 8 - 08:01 )
استاذي الكريم
التجديد استرجاع لهيئة الصورة الاولى قبل ان تنحرف وبورقيبةكان متوجها لاستبدالها ما استطاع الى ذلك سبيلا التجديد يقتضي نظرات وتحويرات نظرة الى الصورة كما هي في الواقع المنحرف ونظرة اليها كما هي (في القران والسنة) قبل الانحراف اما ابتداع صورة بكر ولو كانت اجمل في نظر مبتدعها فلا تسمى تجديدا بل هي تبديل وبورقيبة كان يروم التبديل لاالتجديد للتجديد شيوخ هم اهل الذكر ولايهم من اين تخرجوا لهم شهادات ام لا المهم ان يقبلهم جمهور الامة قبولا حسنا فيزكيهم(لاتجتمع امتي على ضلالة)وخير الدين كان في تقديري خير من مثل دور المجدد ولم يكن يتسمى بغير الاسلام لايمين ولايسار كان حنيفيا وكفى التجديد يركز على المحكمات من الايات والاحاديث بها يسترجع المجدد الخطوط العريضة للصورة الاصلية اما خطوطها الفرعية التي تحددها المتشابهات فلايلزم الناس بشيئ منها وانما يختارون منها ما يرون انه الحق دون مخالفة اهل الذكر فيها


2 - لسنا على نفس الموجة
محمد الحمّار ( 2012 / 4 / 8 - 16:47 )
سيدي الكريم
التجديد الذي أتحدث عنه ليس تجديد الفقه. ليس ذلك من مشمولاتي (ولم يكن ذلك من مشمولات بورقيبة.إنما التجديد المقصود هو تجديد ما لم يتم تفسيره من التفاسير.
القرآن عندي مفسر، ونحن نعتمد تفاسير متعددة ومختلفة لكن الفكر الديني الإنساني للمسلمين أضحى متكلسا إلى حد أنه توقف عن الاعتماد على ما هو مفسر.
في ضوء هذا شغلي الشاغل يختلف عن شغل الفقهاء. حيث إنني أبحث في تلك المساحة التي تمس الفروع ولا تمس الثوابت.والهدف هو تفعيل العقل الإسلامي ابتغاء إعادة التعويل على العقل لاعتماد ما حددته التفاسير.
والاجتهاد الذي أعنيه هو الاجتهاد السياسي لا الديني. وربما يتوجب عدم الخلط بين اجتهاد السياسي المؤمن (المواطن) واجتهاد الفقيه (وهو الخبير). عملي متصل بخبرة المواطن لا بخبرة الفقيه.
إذن لن أخوض في اي موضوع يخرج عن الحدود التي رسمتها لفكرة -الاجتهاد الثالث- .
تحياتي


3 - فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا
علي البشير ( 2012 / 4 / 8 - 18:39 )
اخي محمد لاتقل لسنا على نفس الموجة لو لم نكن كذلك فما الذي شدك وشدني اليك وكاتبتك وكاتبتني لالانحن بحول الله على نفس الموجة بل وفي نفس المركبة مركبة الحياة الفانية ونحن على ما يبدو لي متقربان في السن ايضا فوق الخمسين بقليل من يجد منا حكمة عند اخيه يقتنصها وان لم يجد يدعو له بالسلامة ولاملامة اخي محمد الفقه هو الفهم وكم من فقيه لافهم له والله تعالى يقول فما لهؤلاء القوم لايكادون يفقهون حديثا فتامل قولي السابق واعلم ان التجديد لابد له من فقه فان كان المعتمد فقه عارفين موحدين كان التجديد تجديدا اما ان كان فقه مغتربين مهزومين كان تبديلا لاتجديدا

اخر الافلام

.. أمطار ورعد وبرق عقب صلاة العصر بالمسجد الحرام بمكة المكرمة و


.. 61-An-Nisa




.. 62-An-Nisa


.. 63-An-Nisa




.. 64-An-Nisa