الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرب القانونية القذرة

عمر دخان

2012 / 3 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خلال العقد الأخير من القرن العشرين، مرت الجزائر بعشرية مظلمة من الإرهاب و التطرف أدت إلى مقتل أكثر من 150,000 جزائري كنتيجة لرفضهم للدولة "الإسلامية" التي كان الإسلامويون يريدون إقامتها في الجزائر. هذه التجربة جعلت من الجزائر واحدة من أكثر الدول خبرة في التعامل مع الجماعات الإرهابية و ذلك بفضل الإحترافية و الخبرة التي تمتع بها قادة الجيش العلمانيون و الذي وقفوا بقوة في وجه الإسلامويين.
في أكتوبر 2011 قامت السلطات السويسرية بإعتقال و إستجواب الجنرال خالد نزار، القائد العسكري في الجيش الجزائري ووزير الدفاع السابق، و أحد أهم الشخصيات التي واجهت الإسلامويين و الإرهاب في الجزائر، و ذلك على خلفية إنتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان أثناء مكافحته للإرهاب في الجزائر. الجدير بالذكر أن الجنرال نزار كان أيضاً أحد القادة العسكريين الجزائريين الذين قاموا بإلغاء الإنتخابات المشبوهة التي فاز فيها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ و الذي كان وسيلة الإسلامويين في محاولتهم السيطرة على الحكم.
الفكر الإسلاموي الحديث في الجزائر له جذور مرتبطة بفكر الإخوان المسلمين، أي إنه إسلام سياسي بالدرجة الأولى. محاولاتهم الوصول إلى السلطة عن طريق الإنتخابات ليست سوى تمثيلية، و ذلك لأنهم أشخاص لا يؤمنون بالديمقراطية أساساً ( أحد قادتهم قال في صحيفة البيان عدد ديسمبر 1989 : لا ديمقراطية في الإسلام) مالم تؤمن لهم مكانا في السلطة و مالم تكن تخدم أهدافهم، و لا مانع لديهم من اللجوء إلى العنف من أجل تحقيق أهدافهم.
في الجزائر، لدينا نوعان من الإسلامويين. النوع الأول يدعي أنه مستقل عن القيادة الرئيسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر (مثل الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة). النوع الثاني يعترف علنا بكونه جزءاً من منظمة الإخوان المسلمين العالمية في مصر ( و التي أصبح لديها موقع قوي و آمن منذ الإطاحة بالرئيس مبارك) و بكونه يعمل تحت قيادتها. كلا النوعين يتفق على أهداف مشتركة مثل ضرورة بناء الدولة الدينية و إزالة النظام الديمقراطي الحالي في الجزائر، سواء من خلال المواجهة أو الإختراق.
التدخل العسكري لإلغاء إنتخابات 1992 كان الطريقة الوحيدة للحفاظ على النظام الجمهوري الديمقراطي الحالي في الجزائر من الإسلامويين و من أجل ضمان عدم تكرر السيناريو الإيراني أو الأفغاني في الجزائر. كان الإسلامويون على وشك الفوز بتلك الإنتخابات مستخدمين تكتيكات كريهة (التلاعب على الوتر الديني للشعب الجزائر، إرهاب الناس للتصويت لصالحهم و ترهيبهم من جهنم و الكفر إن هم صوتوا للعلمانيين "الكفار")، و هذا ما جعل المؤسسة العسكرية الجزائرية لا تملك خياراً سوى إلغاء تلك الإنتخابات. المؤسسة العسكرية الجزائرية اليوم تلعب دوراً رئيسياً في محاربة الإسلامويين و الإرهاب في الجزائر و هي المؤسسة التي تقوم بالدور الأهم الآن في الحفاظ على المجتمع الشبه علماني في الجزائر.
بعد قيام الجيش بإلغاء الإنتخابات، تحول معظم قادة الحزب الإسلاموي إلى الإرهاب و قاموا بحمل الأسلحة التي كانوا يخزنونها منذ ما قبل الإنتخابات، و هو ما يدل على رغبتهم في تغيير النظام السياسي القائم في الجزائر بإستخدام أي وسيلة. بدأو في القيام بأعمال إرهابية في حق الشعب الجزائري و الحكومة الجزائرية. سبب إستهدافهم للحكومة و الجيش الجزائريين اللذان وقفا بحزم في وجه مخططاتهم كان واضحاً، و لكن سبب إستهدافهم للمدنيين الأبرياء كان أكثر تعقيدا و تلخص في إعتقادهم بأن أولئك المدنيين تخلوا عنهم ووقفوا ضدهم لمجرد أنهم لم يحملوا السلاح مثلهم و يواجهوا النظام السياسي القائم.
في المقابل، كثف الجيش الجزائري حملته و عملياته ضد الإسلامويين و إرهابهم. قام الكثير من الإرهابيين و قادتهم بالفرار من الجزائر عند إدراكهم أخيراً مدى إستحالة إقامة دولتهم الإسلامية على أرضها. غالبية من تبقى منهم في الجزائر تم قتلهم أو القبض عليهم و إرسالهم إلى معتقلات خاصة في الصحراء الجزائرية الشاسعة.
هؤلاء هم الإرهابيون أنفسهم الذين نراهم اليوم في أوروبا ينادون بقيام الدولة الإسلامية الأوروبية بعد فشل محاولاتهم في الجزائر و دول عربية أخرى. كما اشرت في مقالات سابقة، ها نحن نرى من جديد أن الإسلامويين يتم دعمهم، بشكل مباشر و غير مباشر، من طرف بعض منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان و التي تقوم بتصويرهم على أنهم ضحايا و أبطال في وسائل الإعلام. تلك المنظمات تحاول أيضاً عرقلة و إيقاف كل من يحاول الحد من خطر الإسلامويين و محاربتهم، و لو كان مسلماً أيضا.
مثل تلك المنظمات تتجاهل الفكر المتطرف الذي يحمله هؤلاء المتطرفون و يتباهون به، و تقوم بدعمهم في شن حملات ضد من ينظرون إليهم على أنهم "إضطهدوهم" و ذلك بإستخدام حرب الدعاوى القضائية، و هو ما يعرف بإسم "الحرب القانونية". هذه الحرب القانونية يتم إستخدامها لدعم هؤلاء الإرهابيين و تصويرهم على أنهم ضحايا لأولئك الذين وقفوا ضدهم و ضد محاولتهم السيطرة على البلد، و يشمل ذلك القادة السياسيين و القادة العسكريين، بالإضافة إلى العلمانيين و الليبراليين العرب و المسلمين و فصائل أخرى. يقومون بكل ذلك مدعين أنهم ضحايا تم ظلمهم من قبل الأطرف سالفة الذكر.
إنه من المشين أن يتم مطاردة شخص مثل الجنرال خالد نزار أثناء سفره إلى أوروبا من أجل العلاج لمجرد أنه وقف في وجه الإسلامويين و دافع عن بلده و شعبهم منهم. إنه من المخجل أكثر أن من يقوم بعملية المطاردة تلك نيابة عن الإسلامويين هي منظمات حقوقية غربية مثل منظمة T.R.I.A.L. و التي تدعي أنها تقف ضد التطرف و إنتهاكات حقوق الإنسان، بينما هي تساند أشخاصاً و جماعات لا يؤمنون بحقوق الإنسان. منظمات حقوق الإنسان الشبيهة بتلك المنظمة تقف ضد العلمانيين الذين قاموا بواجبهم تجاه بلدهم عن طريق الوقوف في طريق محاولات الإسلامويين المتكررة من أجل تحويل الجزائر إلى إيران أو أفغانستان أخرى. الحد من خطر الإرهابيين و إبقائهم في وضع حرج ليس دائماً شيئا جميلاً و مريحاً، خاصة عندما يكونون في بلدك و يحاولون الإستيلاء على الحكم بإستخدام الديمقراطية التي يكرهونها و التي هي قائمة فعلياً. رأينا كيف عمل ذلك جيداً مع نموذج حماس و الآن نرى نفس الشيء يوشك على التكرار في مصر.
تحول الكثير من المنظمات الإنسانية من مدافع عن الضحايا إلى مدافع عن الإرهابيين يظهر مدى إختراق الإسلامويين لها. إذا تابعت أنشطة تلك المنظمات بشكل مكثف ستتمكن من ملاحظة الفرق. على سبيل المثال، يمكن أن نلاحظ أن النقد الذي توجهه منظمات إنسانية إلى دول مثل الولايات المتحدة و إسرائيل أكبر بكثير من النقد الموجه إلى القاعدة و حماس، و لا أذكر آخر حملة قامت بها منظمة إنسانية ضد تنظيم القاعدة، بينما حملات تشويه صورة الولايات المتحدة لا تكاد تتوقف.
ينبغي على جميع المنظمات الإنسانية التي تحارب الكراهية و التطرف أن تبدأ السعي من أجل فهم الفرق بين محاربة من يحارب الإسلامويين و التطرف الإسلامي و يحافظ على أمنه القومي، و محاربة من يكره العرب و المسلمين على أساس عنصري. عدم القدرة على التمييز بين النوعين من طرف المنظمات الإنسانية أدى إلى المزيد من التطرف و المزيد من الإرهاب.
لقد حان الوقت لمنظمات حقوق الإنسان أن تقف إلى جانب و تساند المسلمين في مكافحة الإسلامويين و إنهاء التطرف في مجتمعاتنا من خلال تغيير و إصلاح المناهج التعليمية و المدارس. ربما عندما يحدث ذلك، لن نصل مرة أخرى إلى الدرجة التي يضطر فيها الجيش إلى قتال إرهابيين مدنيين من أجل الحفاظ على العلمانية. ربما عندها سيرفض الجميع هذه الجماعات التي تروج للتطرف متنكرة بزي أبطال الديمقراطية و حقوق الإنسان. منظمات حقوق الإنسان ليست هي من يضطر إلى العيش مع النتائج المترتبة عن حملاتهم الخاطئة، بل نحن، العرب و المسلمون الساكنون في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا من يعاني من نتائج تلك الحملات، بالإضافة إلى كل الدول الأخرى التي تعاني من الإرهاب.
ما يبدوا أنه سذاجة شديدة أو أجندة مستترة من تلك المنظمات الإنسانية و من يساندها يقودني إلى الإعتقاد بأنه من الممكن أن تلك المنظمات لا تدرك حجم الضرر التي تواصل إحداثه في الجزء الذي نعيش فيه من العالم، و في العالم ككل. لربما مواقفهم تستند على خوف شخصي مما قد يحدث لهم إن هم إنتقدوا الإسلامويين أو لم يساندوهم، لأنه من الأسهل إنتقاد من لن يقوم بقتلك و تمزيقك لمجرد إختلافك معه في الرأي. إنهم يستخدمون الدعاوي القضائية و الإعتقالات بسبب إنتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان من أجل الدفاع عن أولئك الذين سيقومون بذبحهم إن هم وقفوا ضدهم في يوم من الأيام أو توقفوا عن الدفاع عنهم.
على منظمات حقوق الإنسان مراجعة مفاهيمها و إصلاحها، لأنها حاليا تخسر و بشكل سريع دعم الليبراليين العرب و المسلمين و الذين يعيشون في دول عربية و مسلمة. الجنرال خالد نزار لن يكون آخر قائد علماني عربي يتم إستهدافه مالم تتوقف تلك المنظمات عن مساعدة الإسلامويين و تبدأ في مساعدة الليبراليين و المعتدلين من المسلمين و الذين يرغبون حقاً في إنهاء التطرف داخل مجتمعاتهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-