الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة الحضارة الغربية و اللاأزمة في الشرق

نزار جاف

2005 / 1 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بينما کان الفيلسوف البريطاني برتراند راسل في نزهة يومية على دراجته ، قفزت الى ذهنه علاقته بزوجته" أليس" التي لم ير ضرورة لإستمرارها فقرر إنهائها . قرار هذا الفيلسوف قد يکون عاديا و مفهوما في الغرب ، لکنه في المجتمعات الشرقية يعتبر قرارا طائشا و غير مسؤول وينم عن عدم روية أو تعقل وبعد فاصل من الانتقادات الساخنة و الحادة تتدخل مجاميع "الحل و العقد" لإصلاح ذات البين وترجع المياه الى مجاريها وکأن شيئا لم يکن ! لکن الفيلسوف البريطاني الراحل حين أتخذ قراره الآنف فإنه لم يکن تحت ضغوطات إجتماعية ـ فکرية معينة وإنما کان بمطلق حريته و إرادته لذا فقد جاء قراره شفافا کعزمه ، فالانسان في لحظات معينة يکون في خلوة ذاتية أو بکلام أدق يکون مع " الانا " تماما وينقطع عن الموضوع وفي مثل هذه اللحظات يکون الانسان أمام ذاته ساحة مکشوفة لايستر عريه ورق التوت ذلک أن ورق التوت أساسا نتاج المجتمع وليس" الانا". عندئذ يکون القرار أي قرار يتخذه المرأ فيه المصداقية التامة . إن الانسان المشبع بثقافة شرقية لن يکون هينا عليه أن يتفهم مقولة" سيمون دي بوفوار" الشهيرة " أنا إمرأة لکل الرجال ولکنني لاأشعر باللذة الجنسية إلا مع سارتر " ، فحکمه الاولي على دي بوفوار سوف لن يکون أيجابيا بالمرة ، لکن الفرنسي أو أي أوربي يرى ماتقوله زميلة سارتر مسألة عادية تتعلق بها هي دون سواها . إن الاشکالية الاهم التي يعاني منها الرجل الشرقي هو إحساسه بالازدواجية في التعامل مع الواقع الموضوعي به و مع ذاته کفرد ، أو بتعبير آخر التناقض بين ذاته الاجتماعية و ذاته کفرد . وحين التدقيق في علل ذلک التناقض نجد أن مجمله يرجع أساسا الى ردود أفعال تتعلق بالذات الاجتماعية للانسان ، أي هو نتيجة لذلک الرکام الذي يتولد من جراء تعامل الذات الانسانية مع واقعها الموضوعي . صحيح أن هناک أزمة حقيقية في المنعطف الغربي لحضارة الانسان على الکوکب الارضي ، لکن ذلک لايعني بالمرة أن المنعطف الآخر لايعيش أزمة أو هو خارجها ، بل إن الازمة الاهم و الاخطر هي التي تعصف بالمنعطف الشرقي وسبب هذه الاهمية و الخطورة يأتي من التوهم بأن ليست هناک أزمة مادامت العائلة قائمة بکيانها ومادام المجتمع مايزال متراصا بقيمه و مفاهيمه ! إن التوهم ببريق الاشکال القسرية الخاوية في مضمونها يقود الى متاهات الظن بقدرات لاوجود لها على أرضية الواقع ، فليس کافيا أن نشعر بالدفء الاسري و الاجتماعي فنظن أننا على أحسن مايرام فنشرع في نقد طويل و عريض للحضارة الغربية و نطرح حضارتنا کبديل مقبول من مختلف النواحي . الامر لايکمن في البنيان الاسري و الاجتماعي فحسب وإنما يتعداه الى البنيان السياسي و الاقتصادي و الفکري و حتى التقني ، فأين الشرق من البنى الاخرى ؟ ثم إن الحضارة الغربية حين تعلن أن هناک أزمة ، فإن أزمتها أساسا تنطلق من تجربة حضارية خاضتها و عاشتها بعد أن نجحت في تقويض أرکان النفوذ الکنسي و حصرته في بوتقة الفاتيکان وإندفعت فيما بعد لتشيد على رکام المجتمع الاقطاعي المتهاوي تلک الحضارة التي عاصرت حربين عالميتين و شهدت إنحسار و تداعي التجربة الاشتراکية . إن الازمة في الغرب هي أزمة البحث عن البديل لکن الازمة عندنا هي التشبث بماض حضاري لايملک مقومات المجابهة و التحدي وطرحه على إنه البديل المطلوب للغرب ! إن المثقف الشرقي حين يقرأ کتب الدکتور يوسف القرضاوي " الحلول المستوردة و ماجنته على أمتنا" و التي يناقش فيها " الحل الليبرالي " و " الحل الاشتراکي " وبعد أن يسهب في تبيان عيوب و مساوئ کلا الحلين الانفين يطرح في کتابه الاخر " الحل الاسلامي " بديلا للحلين المستوردين من الغرب الليبرالي و الشرق الاشتراکي ! لکن الإشکالية المهمة التي تغافل عنها الدکتور القرضاوي هو إن تلک التجربتين لم تکونا أساسا وليدتا هذا الواقع ولم تترعرعا في حياضه حتى يصدر حکمه على إخفاقهما و " ضمان نجاح الحل الاسلامي " . إن التجربة الحضارية يجب أن تکون وليدة الواقع ذاته حتى نحکم على نجاحها أو فشلها ومتى ما کان هناک مشروعا حضاريا بإمکانه الوقوف على رجليه و النهوض من بين رکام الماضي حينئذ فقط بإمکان الدکتور القرضاوي أن يحکم على معطياته النهائية ويجزم بنجاح الحل الاسلامي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل سقطت في فخ حماس..فكيف تترجم -الانتصار- على الأرض؟ |


.. تمرّد أم انقلاب؟ إسرائيل في صدمة!| #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد مسار عملية رمي جمرة العقبة في أول أيام عي


.. مراسل الجزيرة يرصد تطورات الخلاف في إسرائيل بشأن -هدنة تكتيك




.. مظاهرات في ألمانيا والنرويج نصرة لغزة