الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خبرتي مع النفاق ، هل أنهت المشكلة ؟

زيد ميشو

2012 / 3 / 26
المجتمع المدني



عشت طفولتي ومراهقتي كسائر أقراني وعلى شاكلتهم ، تتحكّم الأعراف بتصرفاتي وتخضع إرادتي لمن كانوا يفرضون وصايتهم على شخصي أكانت شرعية كالوالدين أم أتت من الموروثات القبلية وأقصد كل من يكبرني في العمر .
وهناك الكثيرين ممن عانوا من تلك الموروثات كونهم كانوا عرضة للتسخير والسخرية والتأنيب والتوبيخ ، ومن تلقّي النصح إن كان في محله أم لا ، وكل ذلك يعتمد على ترتيب الشخص في عائلته وعشيرته ، ليربى المسكين على منهج الطاعة والمسالمة فيحار من يرضي من الإخوة والأعمام أو العمات والأخوال أو الخالات عدا كبار العشيرة وأصدقاء الأهل من المؤثرين والفضوليين .
لم يكن حظي أوفر إلا بعدد أفراد قبيلتي وأشكر الله على تلك النعمة ، ورغم قلتهم ، إلا إنه قد فرض عليّ إن صحّ التشبيه (الإنتماء أو دفع الجزية أو الخضوع للأحكام العرفية ) إن أبديت أعتراضي .
وماذا يفعل من لاحول له ولا قوة سوى أن يجامل ويطأطئ ذليلاً ، ويمارس النفاق كي يحصل على رضا الأكبر منه ؟ والمفارقة في تلك اللعبة القبلية بأننا ننعت تلك التصرفات بالإحترام .
فمهما يفعل الكبير بالصغير على الثاني أن يصمت ( بالعراقي ينجب ) إحتراماً ، وإن أبدى أعتراضاً فسيحكم عليه بعدم أخذ كفايته من التربية أو يلقّب بالولد العاق وغيرها من التجريحات التي لاتندمل .
عانيت هذا النفاق الأدبي ( القبلي ) حتى جاء يوم وتمردتُ ، وكم أعجبت بثورتي وتذمري وتباهيت كما الطاووس بريشه ، وثرت مراراً وتكراراً ، ونجحت لمرات عدة لأنزلق مرة أخرى في نفس الوحل ... وحل التقاليد !
فعلى من أثور وعلى من أتمرد ؟ إنه مجتمع كامل يفرض الخضوع في كل مكان وفي أي وقت عشته . فإن نفذت من تمردي على بعض المتسلطين من العشيرة خضعت فرضاً وإجباراً لسيطرة المدرسين المتعجرفين غير التربويين مما كلفني ذلك كرهي للمدرسة والتعليم ونجم عنه أني أصبحت بكل أسف من الطلبة المشاغبين ولا فخر بذلك حتى وصلت إلى شتم أبو من قال قف للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا .... فإن كان رسولاً حقاً فسأجاهر بشتم ربه الذي لم يحسن اختيار مبعوثيه .
وسقطت فيما بعد في حبائل الخدمة العسكرية وكم هي وضيعة في بلدي ، لتبدأ رحلة ذل جديدة بدءاً من لحظة مراجعة التجنيد وحتى الخروج من الخدمة ، ولاننسى بعض المفردات المستعملة مما نتعامل به مع الحيوان كأن نقول : رعية ، وسرّح تسريحاً من العسكرية التي تقال للخراف والنعاج التي يسرحها الراعي في البراري لتقتات علفها ، فكنا نمزح فيما بيننا نقول ( ها سرحوك ) .
وبين خضوع هنا وذل هناك كان هنالك أمور أخرى لايمكن التعامل معها سوى بالنفاق ، كمراجعة أي دائرة مدنية أم عسكرية أو خاضعة لجهات حكومية وإن كانت مرافق صحية كتلك القذرة التي كانت في ساحة الحرية عينوا فيها مسؤولاً لنظافتها ...
حتى في خروجنا من العراق لم يتم برأس مرفوع ، بل بلغة التملّق والنفاق ، وهذه المرة مع شريحة تافهة ووضيعة أخرى وهم موظفوا الجوازات ، ومن لم يصدّق فليسأل أي عراقي حصل على وثيقة السفر في عهد ( جريدي الحفرة ) وسيحدثك عن معاناته خصوصاً مع الأغبياء الذين يكتبون الإسماء باللغة الإنكليزية ، وأمتد هذا الوضع ليشمل سفاراتنا في الدول التي اتخذت كمحطات للهجرة إلى دول الإستقرار ، وكأن الزمن لم يتغير ..
أتذكر عندما ذهبت إلى دائرة الجوازات في لبنان لإستخراج جواز سفر إلى إبنتي الحديثة الولادة حينذاك ، وذلك بعد أن كلفتني الأقامة في لبنان مع وساطة رفيعة المستوى ما يعادل أقل من 10% مع الذي أنفقته على إقامتي في كندا ، حيث سألني الموظف ماإسم إبنتك فقلت له أسميتها ناردين ، فقال لي " هناك تعليمات من السيد الرئيس ( حفظه الله ) " والذي قد حفظه بعلبة إنتهت صلاحيتها ورميت في أقرب زبالة ، والتعليمات تمنع تسمية المولودين بأسماء أجنبية ، فقلت له ناردين إسم عربي وهو نوع من الورود ، فأجابني مبتسماً " وردة ونص " والغبي لايعلم بأن ناردين هو نوع من الطيوب الغالية الثمن ومأخوذ من الكتاب المقدس / العهد الجديد وتحديداً في إنجيل يوحنا الإصحاح 12 ، وهو لايعلم بأن الإسم ليس عربياً بل هناك أحتمال أن يكون من الهند المصدرة لهذا النوع من الطيب زمن المسيح ، وكان لي ماأردت .
وصلت إلى إحدى دول المهجر وظاهرة النفاق لم تنته ، فسألت لماذا فقالوا ، من شبّ على شيء شاب فيه ، ولاأعرف لماذا نتمسك بأمثال سخيفة ولانخضع لمنطق التغيير ؟
قال لي أحد الأصدقاء يوماً في مداخلة له على إحدى مقالاتي والتي بها انتقدت شريحة من المجتمع " كل المحاولات عبر التاريخ في إصلاح هؤلاء الموجودين في قائمتك الطويلة باءت بالفشل .. لماذا نتعب انفسنا ؟ فلنكن مثلهم وتنتهي المشكلة " . وحسب معرفتي به ، فهو لم يقصد إلا عكس ذلك بالضبط .
أفلا يكفينا ياصديقي العزيز مراحل النفاق التي نشأنا عليها ، الم يأت الوقت لنثور عليهم ؟ لنعريهم ؟ لنقف في مواجهتهم ؟ أم طاب لنا نفاقنا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الأستاذ زيد ميشو المحترم
ليندا كبرييل ( 2012 / 3 / 26 - 07:32 )
تألمت من عبارتك(على من أثور وعلى من أتمرد ؟ إنه مجتمع كامل يفرض الخضوع في كل مكان وفي أي وقت عشته) هكذا هي ثقافة الخضوع التي لا تنمّي شخصية الفرد وتقتل المواهب في مهدها
وأنا أعرفك إلى حد ما عن قرب، كان يمكن لشخصية منفتحة كشخصيتك أن يكون عطاؤها للمجتمع أوفر وأثرى
لكنك أينما ذهبت اصطدمت بالأنا العليا التي فرضت عليك طريقة حياة بخلاف ما كنت تتمناه لنفسك ، أو لعل اختياراتها لا اعتراض عليها ، لكن الأسلوب الذي يسوقون به أولادنا لتنفيذ تطلعاتهم لا إنساني بنظري
أقول هذا وأنا أرى ابنة جيراننا في الوطن كيف يجبرها الأهل على تعلم البيانو وهي تكرهه ، فقط ليقول الناس أنهم من الطبقة الراقية المثقفة من المجتمع، شكليات زائفة لا معنى لها لن تصنع من هذه الطفلة إلا قنبلة موقوتة ستنفجر يوما في وجه أهلها
اليوم في كندا، وهي وطنك الحقيقي ، الذي يقدم لك الكرامة والحياة الشريفة
وأنت تشعر بإنسانيتك تستطيع مع أصدقاء مرحلتك، الثورة على التقاليد العفنة ، بأن تقدموا نموذجاً إيجابياً لحياة التآخي والاستقرار والتعاون في بلد الغربة
آمل أن أسمع عن نشاطاتك في كندا متمنية لك التقدم والازدهار
مع التقدير والاحترام


2 - أستاذ زيد نقدك فى محله ولكن
فاتن واصل ( 2012 / 3 / 26 - 12:30 )
التذمر ، الثورة ، التمرد ، الاعتراض أشياء نمارسها منذ الصغر فبماذا نواجَه كأبناء من الوالدين ؟ يقوموا بتدريبنا على فنون التراجع والعودة للخطوط الأولى بواسطة وسائل القمع والعقاب المختلفة ، يحاولون تعريفنا لمن السلطة فى البيت ويتم تخويفنا بهذا الشخص حتى نفكر عشرات المرات قبل ان نبدى تذمر أو نثور . وحين ندخل المدرسة نكون قد تم تجهيزنا لاستقبال العالم المتوحش لكى يقهرنا بمعرفته ويبدأ ظهور انواع اخرى من التسلط والارهاب من خلال نوعية المدرسين ونوعية المناهج التعليمية والتى من خلالها نعرف ما الذى سنواجهه لو تمردنا ، ولكن نحن مجهزون لا خوف علينا .. فكل سنة تمر على اعمارنا تكون عجينة الخوف فى حالة أكثر استعدادا لتلقى الذل والسكوت عنه ... درجات التجهيز تكون عند البنت أكثر من الولد وعند المسيحى أكثر من المسلم وعند المسلم الفقير أكثر من المسلم الغنى يقوم الجامع والكنيسة بدورهما فى عملية ترهيبنا وإنضاج الخوف لدينا فى محاولات مستميتة لكى نكون جاهزين على الانصياع داخل القطيع دون أى إعتراض، هذا بالاضافة الى باقى الأجهزة القمعية التابعة لحكامنا .! هل بعد كل ذلك تريد ألا يكون المجتمع مشبعا بالنفاق ؟

اخر الافلام

.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق


.. هل يمكن أن يتراجع نتنياهو عن أسلوب الضغط العسكري من أجل تحري




.. عائلات الأسرى تقول إن على إسرائيل أن تختار إما عملية رفح أو


.. بعد توقف القتال.. سلطات أم درمان تشرع بترتيبات عودة النازحين




.. عادل شديد: الهجوم على رفح قد يغلق ملف الأسرى والرهائن إلى ما