الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الظروف الاقليمية والدولية التي احاطت بمعركة الكرامة

حسن محمد طوالبة

2012 / 3 / 26
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بداية لابد من السؤال الاتي : هل العرب محكوم عليهم بالهزيمة دائما ؟ . ام ان حالهم حال كل الامم عرفوا الهزيمة والنصر ؟ . وهل نصر الامم مرهون بمقومات قادتهم , ام بتاريخهم ومقومات النصر المادية ؟ .
للاجابة على هذه الاسئلة نقر :
1 . ان المنطقة العربية وخاصة المشرق العربي قد شهدت كل المواقع والاحداث التاريخية التي كونت التاريخ البشري الانساني .وعلى ارضها سارت مواكب الجيوش المنتصرة والجيوش المهزومة , وعليها تكالبت الدول والامبراطوريات بدعوى انها تفيض " لبنا وعسلا " . فمنذ قرون قبل الميلاد شهدت هذه المنطقة صراع القوى الكبرى من الشرق ومن الغرب , صراعا استمر لسنوات طويلة بين امبراطوريتي اليونان والرومان في الغرب , ودولتي الفرس والاتراك السلاحقة في الشرق . وصراعا بين الدولة العربية الاسلامية الجديدة وبين الرومان والفرس معا , وكانت الغلبة للعرب عليهما في معركتي القادسية واليرموك .
2 . ارتبط المد العربي الاسلامي منذ نشأة الدولة في عهد الرسول العربي الكريم محمد ( صلى الله عليه وسلم ) , ومن ثم في عهد الخلافة الاموية والعباسية , برموز قيادية متميزة في العطاء والابداع والايمان والشجاعة والعدالة , وقد ارتبطت الاحداث التاريخية بهم , سواء كانت تلك الاحداث عسكرية او علمية او اجتماعية . فالخلفاء الراشدون لهم بصماتهم المتميزة في هذه السمات الانف ذكرها . اما الخلافة الاموية فقد ارتبطت بعدد من الخلفاء مثل معاوية وعبد الملك بن مروان والوليد ابن عبد الملك , وعمر ابن عبد العزيز . اما الخلافة العباسية فقد شهدت رموزا قيادية تركت بصماتها على التاريخ العربي الاسلامي مثل ابو جعفر المنصور وهارون الرشيد , والمأمون .
وعندما انهارت الدولة العباسية كانت الغزوات الصليبية قد حققت بعض غاياتها واهدافها باحتلال المقدسات الاسلامية , ولكن عمليات تحريرها , كانت على يد قادة عظماء امثال صلاح الدين الايوبي , ونور الدين زنكي وابنه عماد الدين زنكي .
3 . بالمقابل كل الانهيارات والانكسارات التي ابتليت بها الامة العربية كانت في زمن زعماء ضعفاء رهنوا مصائر الامة بايدي قادة عسكريين اجانب , وركنوا الى الهدؤ والدعة والركض وراء الملذات وجمع الاموال . ومن خلالهم تسلل الاجانب الى قلب الدول العربية قديما وحديثا . فالفرس والسلاجقة تسللوا في عهد زعماء ضعاف في زمن الخلافة العباسية . والصليبيون دخلوا الى المدن العربية بسبب خنوع الامراء انذاك واستسلامهم للغزاة , وسلمت القدس للصليبين في زمن زعماء خانعين اثروا السلامة لانفسهم وعائلاتهم واموالهم .
4 . القادة العظام يخرجون من بيئة حضارية مكتملة السمات الجغرافية والاقتصادية والثقافية والروحية والاجتماعية . فمثل هذه البيئات تنتج حتما عظماء في شتى المجالات .
5. التاريخ يعيد نفسه في المعاني والدروس والعبر , ففي العصر الحديث ارتبط تاريخنا بقادة مميزين امثال جمال عبد الناصر وصدام حسين وياسر عرفات , بدليل انهم ماتوا او قتلوا بمؤامرات معروفة للجميع . وتهاوت دول عربية وتسلل الاجانب اليها وتم غزوها من خلال زعماء وصوليين وعملاء "علاقمة" ـ نسبة الى ابن العلقمي ـ , فتحوا ابواب بلادهم للاجنبي كما حصل في العراق , وما يحصل الان في اكثر من قطر عربي بدعوى الحراك الشعبي والثورة على التسلط والديكتاتورية .
6. تكالبت القوى الكبرى قديما وحديثا على بلادنا العربية , لانها بلاد تدر لبنا وعسلا حقا . فمن حكمة الله تعالى ان بارك هذه الارض فانزل كل الانبياء والرسل فيها وفوق اديمها , واحتضنت الارض رفات الانبياء والرسل والعظماء , وهاهي مقابرهم ومقاماتهم تملؤ هذه الارض . وصارت المعابد والمساجد والكنائس والكنس محجا للزائرين من كل اتباع الديانات السماوية . واختزنت ارض العرب كل الثروات التي يحتاجها الانسان في الحياة البشرية والتقدم الحضارة ففيها النفط والحديد وباقي المعادن الاخرى , وفوق ارضها تجري اعظم الانهار التي تبعث الحياة الكريمة . والانسان العربي الذي كرمه الله بحمل رسالات السماء الى كل البشر هو الذي اشاد الحضارة الانسانية التي افاضت بالخير على الامم كلها .
7 . من السياق الاتف ذكره يتبين لنا ان الامة العربية لم تعش مسيرتها في خط مستقيم , بل كان خطا متعرجا في الزمان والمكان , فعاشت في مد وجزر , هبوط وارتفاع . وكانت تنهض دائما بعد كل نكسة من بين الرماد , تنهض بفعل مؤثرات روحية او بفعل رمز قيادي يستنهض الههم في ابناء الشعب , فيتغلبون على ضعفهم وركودهم واستكانتهم .
سبات طويل :
منذ ان سقطت الدولة العباسية لم تعش الامة العربية في حالة تهوض دائمة . بل عاشت في مد وجزر , الى ان خضعت الى الحكم العثماني طيلة 400 سنه . وفي تلك المدة تخلف العرب , وتفشت الامية والفقر والجهل , بسبب التهميش الذي مارسه الحكم العثماني للعرب , حتى انهم حرموا في اواخر الحكم العثماني من حق التكلم بلغتهم في المدارس او كتابة عقود زواجهم باللغة العربية ايضا . وما ان كاد العرب ينالون استقلالهم بعد الثورة العربية الكبرى حتى جاء الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي , الذي زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي , ليشكل خنجرا في هذا القلب , يحول دوت سريان الدم الى كل اجزاء الجسم .
وبسبب هذه الاوضاع سهل على العصابات الصهيونية ان تتمكن من الارض العربية واقامة المستوطنات فوقها بمعونة القوات البريطانية التي كانت تحتل فلسطين , ومن ثم التغلب على الجيوش العربية في حرب عام 1948 , رغم ان الجيوش العربية كان عددها سبعة جيوش , ولكنها كانت متفرقة لا تأخذ اوامرها من قائد واحد .
ورغم هذا السبات نهض العرب من تحت الرماد , فقامت ثورات كبيرة في فلسطين وفي مصر والعراق وسوريا , وطردت الاستعمار المباشر من هذه البلدان , واستدركت القوى الاستعمارية مختطر هذه الثورات , فأثرت الانسحاب من باقي البلدان العربية مقابل وضع رموز قيادية تابعة لها , تنفذ رغباتها واهدافها , وفي مقدمة هذه الاهداف منع قيام الوحدة العربية او التضامن العربي في حده الادنى . فغذت النعرات المذهبية والطائفية والدينية , وما نشهده اليوم هو ثمار تلك السياسة الاستعمارية القديمة .
هزيمة حزيران :
جاءت هزيمة حرب حزيران نتيجة هذه الاوضاع العربية المتردية , حيث الانقسام القطري , والتخلف الاقتصادي في معظم الاقطار العربية , اضف الى ذلك الانانيات التي يتسم بها الزعماء العرب .
الهزيمة كانت مدوية حيث حطت من الروح المعنوية لدى الانسان العربي , وهزت ثقته بالقيادات العربية . الامر الذي دفعه الى الانتماء الى الفصائل الفدائية التي برزت كرد على الهزيمة الرسمية . العمل الفدائي شكل بارقة امل لابناء الامة , واندفع الشباب العرب نحو العمل الفدائي بهدف تحرير فلسطين .
لقد اعاد العمل الفدائي بعد الهزيمة الى الذهن الصهيوني الثورات الفلسطينية في عقدي ثلاثينات واربعينات القرن الماضي , فعقدت العزم على ضرب العمل الفدائي في الاردن قبل ان يقوى ويتجذر في الحياة العربية . فاقدمت الحكومة الصهيونية على خوض معركة الكرامة في الحادي والعشرين من اذار من عام 1968 .
الاهداف الصهيونية :
1 . اولى الاهداف الصهيونية طرد فصائل الفدائيين من مواقعهم على ضفة نهر الاردن الشرقية .
2 . لتحقيق الهدف الاول لابد من احتلال المرتفعات الشرقية في محافظة البلقاء في الاردن , لضمان امن كيانهم الاستيطاني ,وابعاد خطر الفدائيين عنه .
3 . تدمير قوات الفدائيين العرب في مواقعهم , في غور الاردن .
4 . تحطيم المعنويات الاردنية بعد النهوض الذي حدث بفعل الوجود الجديد للعمل الفدائي .
5 . ارغام الاردن على قبول السلام المفروض من قبل الكيان الصهيوني .
اعتقادات صهيونية :
1. استهانة الصهاينة بالجيش الاردني , وبالجيوش العربية , بعد تجربتي عامي 1948 و 1967 .
2. اعتقادهم ان الروح المعنوية عند العرب في ادنى مستوياتها بعد هزيمة حزيران .
3. اعتقادهم أن الجيش الاردني لم يستعد تدريبه وتسليحه .
4. اعتقادهم ان الاردن لم يتمكن من اعادة سلاح الجو .
5. الخلافات بين الفصائل الفلسطينية سهلت مهمة القوات الصهيونية في خوض معركة سهلة في غور الاردن .

دور الفصائل الفدائية :

من خلال الرصد المسبق ادركت الفصائل ان العدو سوف يشن هجوما عسكريا عليها , فاتخذت استعداداتها المسبقة كالاتي :
1 . توزيع عدد من المقاتلين في قرية الكرامة وعلى اطرافها للدفاع عنها .
2. زرع كمائن على امتداد الطريق المتوقع ان يسلكها العدو اثناء هجومه .
3 . سحب العناصر المتبقية الى المرتفعات لمقاتلة العدو اذا تمكن من الوصول اليها .

دور القوات الاردنية :

قاد القوات الاردنية في الميدان كل من ـ
الملك الحسين ابن طلال
الفريق عامر خماش
اللواء مشهور جازي حديثه
كان للاستخبارات الاردنية دور كبير في كشف نوايا العدو قبل العدوان , فاخذت القوات الاردنية استعدادها مسبقا .وكانت المدفعية الاردنية جاهزة للرد على قطعات العدو المهاجمة , وتدميرها قبل وصولها الى اهدافها . كما كان للدروع دور كبير في الدفاع ومن ثم الهجوم المعاكس ومتابعة فلول العدو المنسحبة دون تنظيم . وسجل اللواء ال60 والكتيبة الخامسة دورا كبيرا في افشال خطة العدو .

قوات العدو :

تشكلت قوات العدو المهاجمة من :
4 الوية .. لواءان مدرعان ( اللواء السابع واللواء ال60 ) . ولواءان مشاة ( لواء مظليين 35 , ولواء مشاة 80 ) , اضافة الى 5 كتائب مدفعية عيار 155 ملم و 105 ملم .وكذلك وحدات هندسه واربعة اسراب جوية و35 طائرة سمتية لنقل المظليين , وبهذا قدرت قوات العدو ب 15 الف جندي .
نفذت قوات العدو هجومها من ثلاثة محاور :
ـ محور من جسر الامير محمد باتجاه مثلث المصري ـ طريق العارضة .
ـ محور من جسر الملك حسين باتجاه الشونة الجنوبية والى وادي شعيب ومنه الى السلط .
ـ محور من جسر الملك عبدالله ( سويمه ) الى غور الرامه ـ ناعور , ومنه الى عمان .
ـ ومحور رابع للتمويه اتجه الى غور الصافي ثم الى الكرك .
امتدت المعركة من الساعة الخامسة والنصف صباحا وحتى الثامنة مساء .وكان هدف المعركة العسكري احتلال جبال السلط لتصبح بمثابة جنوب لبنان او الجولان , اي منطقة خالية من كل قوة للعرب , سواء كانت نظامية او فدائية .
فشل الهجوم بفعل كثافة نيران المدفعية الاردنية , وسرعة حركة الدبابات الاردنية التي قامت بالهجوم المعاكس وكبدت العدو خسائر كبيرة في الارواح والمعدات , وكانت خسائره كالاتي :
ـ 250 قتيل و 450 جريح .
ـ 88 ألية منها 27 دبابة ,و 18 ناقله و24 سيارة مسلحة و18 سيارة شحن وطائرة واحدة .
اما خسائر الاردن فكانت 86 شهيد و 108 جرحى , و13 دبابة و 39 ألية .

ردود الفعل :

ـ قالت صحيفة نيوزويك الامريكية " قاوم الجيش الاردني المعتدين بضراوة وتصميم , ونتائجها جعلت الملك حسين بطل العالم العربي .
ـ قال حاييم بارليف رئيس الاركان الصهيوني " معركة الكرامة كانت فريدة لم يتعود عليها الاسرائيليون , فقد اعتادوا ان يروا جيشنا يخرج منتصرا "
ـ اهارون بيلد قال " شاهدت قصفا شديدا لم ارى مثله , فقد اصيبت دباباتي ودمرت منها اثنتين .
ـ بارليف ايضا قال " اسرائيل فقدت ثلاثة اضعاف ما فقدته في حرب حزيران .
لقد حقق النصر العربي في معركة الكرامة نتائج مذهلة في رفع معنويات الانسان العربي بعد تلك الهزيمة المنكرة في حزيران 1967 . واحدثت شرخا في صفوف القوات الصهيونية , التي اعتادت على قطف النصر على الجيوش العربية بسهولة . الامر الذي اجبر قيادة الجيش الصهيوني على تشكيل لجنة لدراسة الهزيمة التي مني بها في معركة الكرامة . ( نص المحاضرة التي القيتها بالمناسبة في منتدى سحم الثقافي )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس