الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل علينا تفسير العالم أم فهمه والعمل على تغيير؟

محمد ماجد ديُوب

2012 / 3 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك مقولة لماركس على ما أذكر يقول فيها : علينا تغيير العالم لاتفسيره

كثيرة هي المحاولات التي جرت ومازالت تجري لمعرفة كيفية خلق العالم وبالتالي الغاية من خلقه وكعادتي لن أدخل في عملية إستعراض تاريخية لتلك المحاولات لأن المهم في هذا المقام هو الحكم على هذه المحاولات من حيث صحتها من عدمه

إختلف البشر في إستنتاجاتهم لعملية خلق العالم وإنقسموا إلى قسمين :

قسم إفترض أن هناك غاية من هذا الخلق وبالتالي أقنع نفسه بوجود خالق له تدبيره وحكمته من هذا الخلق وأعطاه إسماً هو الله وخلع عليه كل ما يشتهي من صفات لنفسه ولمعرفته بعجزه وعدم قدرته على تحقيق هذه الصفات إفترض وآمن بإفتراضه أن الله هذا هو الوحيد الذي يمتلك هذه الصفات

وقسم لم يؤمن بذلك لكنه يسعى لمعرفة كيفية الخلق المدبرة لهذا العالم على أمل أن يحل بواسطة العقل وعن طريق العلم سر أسرار هذا الخلق وهو بذلك لم يبتعد كثيراً عن القسم الأول إذ كلاهما في أعماقه يؤمن بأن هناك غاية ما كامنة وراء هذا الخلق فمن ملاحظة الكم الهائل من التعقيد في عملية الخلق هذه هناك شك دفين لدى الطرفين بأن يكون هذا الخلق قد تم عبثاً ودون هدف أو غاية تبرر وجوده

تم الإنتقال علمياً من قوانين نيوتن الصارمة إلى قوانين النسية التي رفضت المطلق في جوهره إلى قوانين ميكانيكا الكم التي تأخذ بمبدأ الإحتمال وهو قائم على فكرة الإختيار العشوائي

في بحثنا هذا لابد من طرح السؤال المهم التالي مع إفتراض أم الله هو الذي خلق هذا الكون هذا السؤال هو :هل الله هو قوة عاقلة ؟

إذا كان كذلك أي قوة عاقة فهناك الكثير مما يثبت أنه إما ليس عاقلاً أو أنه نرجسياً سادياً وفي الحالين هو غير جدير بأن يعبد بل على العكس من الواجب إهماله ونزعه من دائرة إهتمامتنا فنكون بذلك قد عاقبناه العقوبة التي تجعله ينفجر غيظاً مثله مثل أي كاتب أو بالتعبير الأكثر دقة مستعرض ثقافة غير متمثل لها إذ يكفي تجاوزه لكي تجعله يموت كمداً

هناك من يرد على الطرح بالقول إنها دار إختبار يوصلنا نجاحنا فيها إلى الحياة الأبدية التي فيها كل مالذ وطاب هنا نقول ليس من العدل أن تطلب ممن لايريد الدراسة أن يدخل المدرسة ويخضع لإمتحان في أمر لايفقه فيه شيئاً بل ولايريد من الأساس أن يعرف عنه شيئاً

وكأن تريد مثلاً أيضاً من شخص ما أن يتدخل في حل مشكلة عائلية هو يرفض الدخول فيها جملة وتفصيلاً بل وتجبره على ذلك .كما عليك أن تتصور مثلاً أن يجبرك شخص على سماع قصة حياته وأنت لاتطيق سماع صوته كجارك ثقيل الظل

هنا لابد من الإعتراف أن الحكمة من ذلك لايمكن فهمها إلا إذا إفترضنا أن هذا الخالق كائن نرجسي أو سادي عندها يمكن أن نفهم أنه يعرف ما نريد أكثر ما نعرف نحن هنا الحكمة تكون مفهومة لو كانت المقارنة بين أب ذي خبرة وعلم ومراهق لكن أن تكون بين خالق وعالم فهذه لايمكن فهمها وإذا كانت الحكمة عميقة وغامضة إلى درجة لايمكن الوصول إليها فما معنى طرحها من الأساس ؟ إن مالايدرك علينا تركه وعدم البحث عنه لانه يجدي نفعاً

في مقال سابق لي وهوبعنوان هل تبوح لنا الطبيعة بأسرارها ؟ أجبت بلا معتمداً على الحركة الأزلية لمكونات الوجود تحمل في طياتها كل يوم شيئاً جديداً ما نحل لغزاً حتى يتحفنا بآخر

العلم حتى الآن يحاول الإجابة على السؤال كيف يتم ذلك في أي حادثة يعرف بها أو يطلع عليها ولكنه حتى الساعة لم يجرؤ أي عالم على أن يسأل السؤال الذي هو :لماذا ؟

إن العلم وإلى الآن يقول لنا كيف تتم الأمور كمسار قذيفة أو كتفاعل كيميائي أو إنفجار ذري أو تكاثر ما أو نمو ما ويحاول أن يكتشف القوانين التي تتحكم بحركته ولذلك وبعد فهمنا للكثير من قوانين الطبيعة قدم الكثير من الإنجازات للبشرية على صعيد تخقيق رفاهيتها بدءاً من الصحة وإنتهاءاً بتوفير أي مادة ضرورية لإستهلاكها في حياته

لكن ماذا لو سأل عالم الذرة مثلاً وهوالذي يعي وبعمق كيفيية حصول الإنشطار الذري لماذا يتم على النحو وليس على نحو آخر ؟؟؟؟

أو لو سأل عالم بيولوجي لماذا تنوعت أشكال التكاثر على هذا النحو وليس على نحوآخر ؟؟؟؟

لماذا كتب علينا التكاثر بعملية جماع كأي حيوان آخر على هذا النحو وليس على نحو يمكن أن يكون أكثر رقياً ؟؟؟؟ولماذا لم يخص الإنسان شبيه الله وخليفته في الأرض بعملية جماع تليق به أو على الأقل لاتشبه عملية الجماع عند الحيوانات الأخرى؟؟؟؟

في الوجود هناك لامتناهيان هما اللامتنهي في الصغر وهو الجزيء الذي لايتجزأوالذي من المستحيل الوصول إليه واللامتناهي في الكبر والذي هو الوجود ةالذي هو أيضاً من المستحيل حتى تخيل وجوده لأنه لو إفترضنا أن صاروخاً فيه إنسان إستطعنا أن نفلته من كل الجاذبية التي في الكون وإنطلق خارج الوجود المحتمل لأي مادة واستمر في مسيره هل يستطيع أحد القول إلى أين سيصل مهما طال الزمن ؟؟؟؟

أعتقد أنه بات من المهم أن نستمر في محاولة فهمنا للعالم والإستفادة مما يقدمه لنا هذا الفهم وأن نترك مرة واحدة وللأبد محاولة تفسيره لأن اللامتناهيين الأصغر والأكبر لنا بالمرصاد

الكون يقول لنا إفهموني ودعوا غاياتي وحكمتي وأسبابي فهذه كلها أنا لاأستطيع أن أعرفها لأن هذين اللامتناهيان فوق قدرتي على الفهم لآنه لا يمكنني تحديدهما









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الغاية من الوجود
نعيم إيليا ( 2012 / 3 / 28 - 22:26 )
عزيزي أستاذ ديوب، انا من الذين يتصورون للوجود غاية
لأن محيط معارفنا يدل على وجود الغاية: أنا أعرف الغاية مثلاً من وجود القمح، إنها للتغذية، أعرف الغاية من الهواء، إنه للتنفس. ولو لم يكن الهواء، ولم يكن الطعام لما كانت الحياة. وليس من الضروري أن نربط الغاية بوجود خالق مفارق للوجود.
ما رأيك بعلم وظائف الأعضاء في الكائنات الحية، هل تعتقد أن لا غاية من أعضاء الإنسان؟
فإذا كان لهذه الأعضاء غايات، فلماذا لا يكون للطبيعة غايات أيضاً؟
بالنسبة لتفسير العالم بالمفهوم الماركسي، فهو من أجل تغييره بالقوة والعنف كما فعل لينين وستالين وأخفقا.
تفسير العالم عملية ذهنية علمية يجب ان تتم لفهم العالم والاستفادة منه، وليس لتدميره
أما الاسئلة المصدرة بلماذا، فيمكن الإجابة عنها. فالتكاثر مثلاً بالطريقة المعروفة ليس منحطاً، أنت تراه كذلك، ولو جاء على شكل لآخر، لاحتمل السؤال عينه: لماذا هو على هذا الشكل وليس على شكل آخر؟ وهكذا
وشكراً لك


2 - هذا إيمانك
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 3 / 28 - 23:14 )
العزيز نعيم هذا هو إيمانك ولاأستطيع شيئاً حياله أنا طرحت فكرة عدم قدرتنا على فهم الحكمة والغاية وقلت هذا سببه عدم قدرتنا إيجاد اللامتناهيين الأضغر والأكبر حيث لم يصل معناهما كما هو واضح بشكل كامل أورك فقط أن تفكر بما يعنيانه ولك محبتي


3 - كل المعتقدات جاءت لتعطى معنى لوجود بلا معنى
سامى لبيب ( 2012 / 3 / 29 - 00:54 )
تحياتى عزيزى ماجد
مقال رائع لمن يريدوا ان يتدبروا
انه الإنسان الذى يبحث عن غاية لوجود بلا غاية ومنها جاءت كل الاساطير والخرافات والقصص
العلم لا يجاوب عن سؤال (لماذا) لمن يريد البحث عن غاية ولكن يمكن ان يجاوب على (لماذا) حسب متطلبات القانون المادى .. الأديان جاءت لتعطى غاية ترضى غرور الإنسان أو بمعنى ادق انفصامه عن الطبيعة بالوعى واحساسه بالأنا الذى خلق المعنى لوجود بلا معنى
نعم يجب علينا فهم العالم وتفسيره كما هو بدون أى إضافات .. فهم علاقاته والتعايش من خلال إدراكه دون أن نضع خيالات وغايات ليست منها .. يمكن تغيير العالم متى ادركنا معادلاته الجدلية .. متى أدركنا أن الشاى سنصنعه بنبات الشاى مع ماء ساخن ولا نقول ان هناك من جهز نبات الشاى لمزاجنا الخاص بل من قطف اوراق الشاى واسقطها فى ماء مغلى فجاء الشاى فإستحسنه - لا توجد طريقة أخرى لصنع الشاى غير ذلك
مودتى


4 - الفاضل محمد ماجد المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2012 / 3 / 29 - 05:20 )
تحيه وتقدير
اللامتناهيان ناهيان عن البحث كما يبدول
افهموني ...كان و لا يزال الانسان يبحث كي يفهم وعندما عجز قبل الاف السنين وهذا متوقع فكر بالعامل س فقال هو من انشاء وهو من يدير ويتحكم ليتسنى له الوصول الى ما قلته في نهاية موضوعكم القيم وهي اتركوا نشوئي وافهموني وكما اعتبر الاوائل ان العامل س هو المنتهى ووقفوا عنده اليوم وصلنا الى اللامنتهيان ووقفنا لكن القادم سيتحرك ليصل الى نقطه متقدمه اكثر وكلها تصورات
تقبل تحياتي و لا تطول الغيبه و تحرمنا من مجال تحريك خلايا التفكير


5 - الكبير سامي لبيب
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 3 / 29 - 06:49 )
دائماً يسعدني ويشرفني مرورك
نعم ما قلته صحيح تماماً علينا التفكير ونحن جزء من الطبيعة غير مستقلين عنها
لك تحيتي وتقديري


6 - الغالي رضا
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 3 / 29 - 06:56 )
لك مني تحية صباحية نعم أيها الغالي إنه العامل (س) ولكن الإنسان وكما الأستاذ سامي أعلاه إن الإنسان بإمتلاكه الوعي أحس بالإنفصال عن الطبيعة وهنا كانت الكارثة لآنه أخذ يسقط إحساسه على شيء مجهول فاخترع وعياً آخر أكبر وأشمل من وعيه
أرجو أن تكون والعراق وشعبه العظيم بخير وعلى الأمل بغد أفضل نلتقي


7 - إلى الأستاذ سامي لبيب
نعيم إيليا ( 2012 / 3 / 29 - 09:27 )
أشكر أخي الأستاذ محمد ديوب على رده الجميل، وليأذن لي في كلمة صغيرة أهمسها في أذن مفكرنا المحترم سامي لبيب
ليس الدين وحده وسيلة الإنسان لإضفاء معنى على حياته
الماركسية فلسفة إلحادية ومع ذلك فهي تسبغ على الحياة معنى، أنت بلا شك تقرأ للأدباء الماركسيين وجهابذتها الذين ما فتئوا يرددون وهم يتنفسون في ارتياح: الحياة جميلة وتستحق أن تعاش
سؤال: هل ليد الإنسان غاية أم لا؟
هل للمطر غاية أم لا( بغض النظر عن وجود الإنسان أو عدم وجوده) هل للحيوان غاية أم لا؟
هل للهيدروجين غاية أم لا؟
هل للجاذبية غاية أم لا
هل للوجود برمته غاية أم لا؟
وأرجو قبل الإجابة، التي لست ملزماً بها، أن تحدد معنى كلمة غاية تحديداً لغوياً فلسفياً يوضح مقصدك منها
مع وافر الشكر


8 - الأخ العزيز نعيم إيليا
سامى لبيب ( 2012 / 3 / 29 - 13:46 )
تحياتى للمحترم نعيم إيليا وأتمنى أن اراك حاضرا وناقدا فى مقالاتى
بداية انا تناولت رؤية العزيز ماجد هذه فى مقال (البحث عن معنى) ولكن يبقى لماجد طريقته المميزةفى المعالجة وهذا الأسلوب الذكى فى تصدير الفكرة واثارة التفكير لدى القارئ بدلا من الإلحاح عليها
الغاية التى أعنيها هى عدم وجود هدف تم التخطيط والتدبير له من قوى عاقلة ذات إرادة وشخصية أى أن الوجود والحياة ليس هناك من أعد وجهز المشهد وله هدف وغاية يريدها فنحن من نضع الهدف والغاية للأشياء حتى تكون لها معنى
الماركسية فلسفة علمية تتناول الواقع وتحلله كما هو فلا تضيف له اى شئ من خارجه ولكن هل الماركسيون كائنات من المريخ حتى ينسلخوا عن البشر ويستطيعوا الحياة بلا غاية
نحن نخلق الغاية والقضية والمعنى التى نتماهى فيه ونجعل للوجود معنى فنتحمس لقضية حتى ولوكانت بسيطة-نتعاطف مع اشياء-نحب الجمال والفن-نشغل انفسنا- نمارس حياتنا كأىبشر ولكن يبقى اننا لا نعيش وهم الغاية ونستسلم له كما يفعل المؤمنون فنحن ندرك جيدا اننا نخلق المعنى لنمارس الحياة
هذه الرؤية ليست من ادبيات الماركسية ولكن هى رؤيتى الخاصة المتكئة على الفلسفة المادية الجدلية
خالص مودتى


9 - تفكير العاجزين
سامي بن بلعيد ( 2012 / 3 / 29 - 18:47 )
نعجز عن حل مشاكلنا الانسانية ويذهب بنا الفضول الى ما وراء الكون
مفارقات صعبة ولا يستصيغها العقل


10 - الأخ سامي بن بلعيد
محمد ماجد ديُوب ( 2012 / 3 / 30 - 00:27 )
إن أصعب مشاكلنا الإنسانية هي مع هذاالذي يتوهم البشر أنه موجود وراء الكون
لك تحيتي

اخر الافلام

.. رئيس مؤسسة -إسلام فرنسا- غالب بن الشيخ: مصطلح الجالية الإسلا


.. شاحنة تعرض رسائل معادية للإسلام في تورونتو




.. عضو حزب الاستعادة الفرنسي: حضارتنا الأوروبية ليست مبنية على


.. توافد الحجاج لزيارة المسجد النبوي بعد إتمام مناسك الحج في مك




.. القس دوماديوس: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تعاقب الراهب المص