الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلمات.. ليست كالكلمات!!

عبدالوهاب خضر

2012 / 3 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كنت فى قمة الحيرة ، ينتابنى إحساس غريب تجاه فئة من الناس ،فتسألت كثيرا : لماذا يكذب هؤلاء ..لماذا نصطدم كل لحظة بوجوه متعدد لإنسان واحد..ما هى القوة التى تجرى فى عروق البعض تجعلهم هكذا : كذابون ونصابون ومتلونون وماكرون ثم مخلصون وصادقون وواضحون وابرياء.. واحيانا ضحايا؟
فهل هؤلاء الذين قال الله عز وجل فيهم : "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا"...
هم رواد المساجد والاضرحة وزوار دائمون للأماكن المقدسة .. وايضا زبائن للملاهى الليلية ومحترفى السهرات الحمراء.. ما الذى حدث؟
هل هى صفات وسمات لبشر بعينهم ام هى طبيعة الإنسان .. وكيف نستطيع كشف ذلك قبل الوقوع فى شباك القلوب والوجوه التى تحمل خلفيات سوداء وجرداء رغم قدرة صاحبها على الايحاء بخلاف ذلك فهو قادر على النجاح الباهر لانه ليس فى لحظة اختيار حر بل هو الذى صنع الحدث وصاغ السيناريو وإختار الجمهور وتحكم فى الستار ايضا ، فالناس غير قادرة على فهمه فهو يتحرك كالبهلوان لشل حركة تفكير الأخريين على الفهم ، فهو-كمعظم البشر- شخصية خفية وغير حقيقية وغير مفهومة فى معظم الاوقات ، ونتذكر هنا مقولة الدكتور مصطفى محمود: "إذا أردت أن تفهم إنسانا فانظر فعله في لحظة اختيار حر ..وحينئذ سوف تفاجأ تماما ..فقد تري القديس يزني ..وقد تري العاهرة تصلي ..وقد ترى الطبيب يشرب السم ..وقد تفاجأ بصديقك يطعنك .....وبعدوك ينقذك ..وقد ترى الخادم سيداً في أفعاله .. والسيد أحقر من أحقر خادم في أعماله ..وقد ترى ملوكاً يرتشون وصعاليك يتصدقون".
ما الذى يدور فى ذهنك عزيرى القارئ عندما تجلس منفردا مع نفسك .. ماذا تقول .. هل انت ذلك الشخص الحقيقى الذى تراه كل يوم فى عملك .. ام ان هناك وجه سرى سوف تعرفنا عليه الأن.. إذن انت اليوم تحدثت مع زملائك وزميلاتك .. كنت ودودا وطيبا ونقيا ..نظراتك كالأطفال..ما أجمل العطر الذى تعطرت به حتى تبدو انيقا ورشيقا.. سمعتك تتحدث عن أخلاقك التى لا تقل عن أخلاق سيدنا يوسف.. وعن طهارة يدك وانك لو عرض عليك ملايين الجنيهات لن تقبل الرشوة مهما كانت المغريات ،فالله يبارك فى القليل كما ان لك زوجة مطيعة ترضى بالقليل ولا تنظر لجيرانها او صديقاتها فهى من عشاق "العيش والملح"،وهى مخلصة لك فى حضورك وغيابك وأن هذا الإنتفاخ ال1ى ظهر فجأة على بطنك ليس "كرشا" ، وإنما "بطيخة صيفى" ستلازمك حتى فى فصل الشتاء.
ليتك تصارحنى وسوف يكون سرك فى بئر عميق ليس له نهاية ، فأنت فى لحظة إختيار حر ولن يقرأ هذا المقال سوى الملايين من البشر.. لما لا تنطق؟ .. إذن انت خائف ولا تصدقنى ، ولا يوجد أمامنا سوى طريقة طريفة وهى اننى سوف أطرح عليك مجموعة من التساؤلات وما عليك سوى الإجابة فى سرك وانا قادر على ان اسمعك رغم قدرتك على الصمت: اذن من أنت ؟ ما هو لون عينيك الحقيقى؟ ما هو أول شيئ تفعله عندما تستيقظ فى الصباح؟ ولما تتعطر هكذا وهل فعلت ذلك قبل النوم ؟ وهل فكرت فى إيقاظ زوجتك حتى تحصل على "جرحة حنان وتفاؤل" تكفيك لنهاية اليوم ام فرحت انها ما زالت نائمة ايمانا بالمثل القائل "الباب اللى يجيلك منه الريح" ؟ وما هذا التصرف الغريب وأنت "تكوى" قميصك ، فأنت كبعض الناس " تكوى" مقدمة القميص فقط على اعتبار ان ظهره لن يراه الناس ويكون تحت "الجاكيت"؟ ولماذا انت حاد هكذا مع بواب العمارة والسائق والساعى ؟ ولماذا تغيرت نبرة صوتك عندما دخلت على زميلاتك الحسناوات فى العمل.. ما الذى يدور فى ذهنك الان؟.. انت لك طريقة بارعة وجذابة اثناء تناول الطعام والشراب اثناء العمل فهل تتغيير وانت فى بيتك؟ انت رقيق جدا .. اليس كذلك؟ هل ستقوم وتصلى الظهر والعصر حاضرا ام سوف تنتظر حتى تعود للمنزل وتصلى الخمس صلوات جملة او دفعة واحدة ام ستتناسى؟
هل انت مؤهل لتجربة حب جديدة او ما شابه ذلك بمعنى هل انت من المؤمنيين بنظرية "ساعة لقبلك" .. كيف ستتلون اذن وانت تعلم ان هناك "ساعات" تنتظرك فى المنزل ؟ هل تمتلك الجرأة ان تحكى لزوجتك او حبيبتك تفاصيل الماضى او تستمع الى تفاصيل ماضيها .. ولماذا؟
هل انت تعمل من اجل العمل ام من اجل المادة وماذا لو فتح الله عليك فتحا مبينا واصبحت من الاثرياء،هل ستتخلص من اثاثك القديم؟ هل توافق على الرشوة التى سوف تعوضك سنوات الحرمان والفقر فأنت تمتلك كل المقومات والقدرات على تحليل هذا الفعل؟
ومن انت ايها المدير او السياسى البارع والمعارض الواثق الخطوة يمشى ملكا هل انت من هؤلاء الذين يكذبون كما يتنفسون ثم يصدقون انفسهم ثم يختارون الفريسة التى قد تكون فردا او جماعة او شعبا بأكملة؟
لا تكذب وصارحنى فالأمر ليس بيدك ولا بإرادتك ، فيبدوا ان طبيعة البشر هكذا ،فدوام الحال من المحال وكما يقول الشاعر: كَمْ مِنْ حَسيبٍ كَريمٍ كَانَ ذَا شَرَفٍ.. قَدْ شَانَهُ الكِذْبُ وَسْطَ الحَيِّ إذْ عَمَدَا..وآخَـرٍ كَانَ صُعْلُوكـًا فشَـرَّفَهُ .. صِـدْقُ الحَدِيثِ وَقَوْلٌ جَانَبَ الفَنَـدَا..فصـارَ هَذَا شَـرِيفًا فَوْقَ صَـاحِبِهِ .. وَصَـارَ هَذَا وَضيعًا تَحْتَـهُ أَبَـدَا.
عزيزى القارئ يا عالم ويا جاهل ويا غامض ويا واضح ويا متدين ويا صعلوكا .. انت لست معصوما من الضعف او الخطأ او التناقض فى تصرفاتك، ولكن هل انت وانا وهم قادرون الأن على ان نتصارح .. نتسامح..نتصف بالوضوح؟ ..مهما كانت إجاباتك لا تحزن فكلنا كالقمر .. له جانب مظلم!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ردي على المقالة
اية عمار ( 2012 / 3 / 29 - 15:29 )
في البداية قد أعجبني الموضوع الذي تم طرحه في هذه المقالة..فحقا ما قلته صحيحا فنحن كالقمر لنا جانب مظلم وليس هذا فحسب فأنا أقر لكم بأن لي و للكثير من الناس أوجه كثر فلنا وجه يضحك ومع ذلك نرتدي قناع الالم لسبب او للاخر لنا وجه حزين ومع ذلك نكتم حزننا ونطفق بالضحك ونحن مندهشون من أنفسنا..كيف طاوعت نفسي على القيام بهذا الأمر؟ هل اصبحت منقادا وراء مبتغياتي وأصبح شعاري الغاية تبرر الوسيلة..هل أصبحت أعيش بلا هدف بلا غاية؟ هل أصبح همي الوحيد نفسي ؟هل أغلقت أبواب المساعدة في وجوه الناس؟لماذا نخاف من العيب أكثر من خوفنا من الحرام؟ أيا نفسي لما أصبحت مشوهة؟ لما ؟ أنا لم أعد اية بل صرت بقليا لجثة انسانة.. هل ألوم الناس؟ هل أصبح اسقاطية وأنجرف مع التيار؟ لما أسكت على ما أراه هل خوفا من نفسي أو خوفا على نفسي؟
الأقنعة إلتصقت بوجوهنا ولم نستطع أن نزيلها فهي صامدة في أعماقنا في أعماقي وأعماقك وأعماقهم ونطفق في الفلسفة في كل يوم وندعى بأننا ملائكة لا ذنب لنا في هذه الدنيا بل نحن المظلومين هه كلام مضحك لربما لن تفهموه فمهما قلت فالموضوع ما زال غامضا بحاجة لأكثر من تفسير..لما لا نظهر حقيقتنا للناس؟


2 - ممتاز
شوقى غريب ( 2012 / 3 / 29 - 17:33 )
عاجز عن التعليق لان الموضع والتناول غير طبيعى وفوق الممتاز واختراق جرئ لاعماق كل انسان
تحية حارة للكاتب والصحفى المبدع عبدالوهاب خضر


3 - تسلم الأيادى
محمد عبد الجواد ( 2012 / 3 / 29 - 23:27 )
أستاذ عبد الوهاب سلمت يداك الكلام رصين والأفاظ جادة وسلسة وموزونة وامتلاك رائع لناصية الكلام وقدرة رائعة على التعبير وخلفية ثقافية قادرة على الجمع بين آيات القران وخبرات علماء اجلا فى حجم وقيمة الدكتور مصطفى محمود بارك الله فيك وخالص تمنياتى يالتوفيق وفى انتظار المزيد


4 - مقالة رائعة
عواطف القللي ( 2012 / 3 / 30 - 17:12 )
إنها مقالة رائعة ونشكرك عليها يا أستاذ عبد الوهاب وقد ذكرتني بالمثل القائل - لا تقل أصلي وفصلي .. أصل الفتى ما قد حصل-


5 - شكرا علي التحليل
محمد السعيد دوير ( 2012 / 3 / 30 - 23:07 )
عزيزي الاستاذ عبد الوهاب ..شكرا علي التحليل العميق الهاديء..وعلي ملاحظاتك الموضعية .. وليس لدي تعليق نقدي علي الموضوع..وإن كنت أتمني أن تعمقه اكثر في مقالات تالية، فالحديث عن مكنون النفس البشرية وتحولاتها مسكوت عنه في كتاباتنا ولا يتناسب ما نكتبه مع ما يمثله في حياتنا. تحياتي.


6 - تعليق
efrag awad ( 2012 / 6 / 21 - 11:34 )
هكذا تكون النفس الانسانيه
مجموعة فايلات لمجموعه من المتناقضات.

اخر الافلام

.. تساؤلات في إسرائيل حول قدرة نتنياهو الدبلوماسية بإقناع العال


.. عبر الخريطة التفاعلية.. تحركات عسكرية لفصائل المقاومة في قطا




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لبلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس


.. قصف إسرائيلي على حي الصبرة جنوب مدنية غزة يخلف شهداء وجرحى




.. مظاهرة في العالصمة الأردنية عمان تنديدا باستمرار حرب إسرائيل