الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيفارا يرتجز في الطف

حسنين السراج

2012 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل سنوات و في اول أنتخابات جرت في العراق بعد سقوط النظام السابق وتحديدا أثناء الحملة الانتخابية بدأت حملة يقودها نسبة لا يستهان بها من المشايخ في الدعوة لأنتخاب أحدى القوائم تحت شعار نصرة المذهب . فارتقى هؤلاء المنبر الحسيني وحاولوا جهد أمكانهم ربط المقدسات الدينية وقدسية الفتوى بأنتخاب تلك القائمة . وتفننوا في أختراعاتهم فهذا يقول (من لا ينتخب القائمة الفلانية فليحضر جوابا يوم القيامة ) وذاك يقول ( من لا ينتخب القائمة الفلانية تحرم عليه زوجته ) والادهى مذلك هو ذلك الذي قال ( أذا تمكنت من التزوير لصالح المذهب فلا تتردد ففي هذا نصرة للمذهب ونحن في معركة مقدسة والتزوير أداة من أدوات الظفر بهذه المعركة المقدسة) وغير ذلك من فنون نصرة المذهب من خلال أستخدام مبدأ الغاية تبرر الوسيلة . فهذا الشيخ يعلم أن كلامه كذب لكن يريد بشتى الوسائل أن يدفع الناس الى أنتخاب القائمة الاقوى والأكبر والتي تحوي مشروع يتحدث عن مظلومية المذهب ورفع الظلم عن ابنائه . لذلك يجد الكذب على الناس أمر جيد بل يثاب عليه طالما أن النتيجة هي نصرة المذهب ورفع راية الله عالية .

في تلك الفترة كنت أتحدث مع أحد الاشخاص من مؤيدي أستخدام الخطاب الديني بشتى الوسائل لنصرة المذهب ولوصول أشخاص بعينهم للسلطة . فحدثته عن هذا الشيخ الذي أرتقى المنبر الحسيني ليقول للناس ( من لا ينتخب القائمة الفلانية فليحضر جوابا يوم القيامة) فقال مدافعا ( هذا يعتبر تفنن في الكلام ويدخل من باب الترهيب لنوايا حسنة وهي نصرة المذهب) ثم سالته عن سبب الترويج لفتوى وجوب أنتخاب قائمة بعينها فقال لي ( هناك شريحة من المجتمع وهم هؤلاء البسطاء من الفلاحين والكادحين في المناطق الريفية وغيرها لم ولن ينتخبوا أذا لم يكن هناك وجوب شرعي يجبرهم على ذلك )

تأمل كيف يفكرهذا النموذج من الناس فهو ينظر الى الانسان البسيط نظرة ملؤها الاستعلاء والأحتقار ويعتقد ان الانسان البسيط من الضروري ان يعامل معاملة الغنم وهو لا يعلم أن الكثير من هؤلاء البسطاء يملكون حكمة وحسن تصرف وأهلية كاملة على الاختيار أكثر من كثير من الأكاديميين الذين يتشدقون على الناس بمصطلحات غريبة وعجيبة ويحاولون جهد الامكان الارتقاء عن الناس العاديين بابراج عاجية وهم لا يعلمون أن البسطاء يروهم بحجمهم الطبيعي ويعرفون حقيقة خوائهم .
قد يكون الترويج لفكرة أن الانتخاب بصورة عامة أمر يرضي الله ويجب ان يشارك به المواطن لتحديد مصير الوطن من خلال أختيار أشخاص جيدين يديرون الحكومة أمر لاباس به ومن الجيد أن يروج رجل الدين لهذه الثقافة , لكن الغير جيد هو أن يروج لقائمة بعينها ولمجموعة من البشر بعينهم فهذا أبشع أستغلال للدين . أمر محبط ومؤلم أن يرتقي المنبر الحسيني وعاض سلاطين لا يخجلون من الله وبكل بجاحة يحاولون أيصال أشخاص بعينهم للسلطة بأسم القدسية الدينية وبأسم نصرة المذهب .

لنرى من ينتمي فعلا لثورة الحسين ابن علي ومن يدعي الأنتماء لها زورا وبهتانا . يقول سيد الشهداء الحسين أبن علي (إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً)

من أقرب الى فكر الحسين هل هو من يقول ( من لا ينتخب القائمة الفلانية فليحضر جوابا يوم القيامة) أم من يقول : (الطريق مظلم وحالك فإن لم نحترق أنت وأنا فمن سينير الطريق) اما صاحب القول الاول فهو شيخ معمم يرتقي المنبر الحسيني وصاحب القول الثاني هو الثائر تشي جيفارا

ترك سيد الثوار الحسين أبن علي فريضة الحج وذهب الى العراق لنصرة المظلومين وقام السياسيين الذين أنتخبهم الكثير من الناس كواجب شرعي بترك العراق يحترق وذهبوا لاداء فريضة الحج عكس ما فعل الحسين أبن علي تماما .

أما جيفارا فبعد أن ساهم في أنجاح الثورة الكوبية وحصل على جنسيتها وتدرج في المناصب الى أن وصل الى منصب وزير صناعة أختفى بشكل مفاجيء وترك رسالة لفيدل كاسترو يستقيل فيها من جميع مناصبه الرسمية ويتنازل عن جنسيته الكوبية ليذهب الى افريقيا وتحديدا الى زائير (الكونغو الديمقراطية ) لنصرة الثورة هناك .
من ينتمي للثورة الحسينية هل هو من يترك البلد يحترق ليتملق الله بفريضة الحج أم من يترك المنصب وكل أمتيازاته لنصرة المستضعفين في قارة أخرى ؟؟؟

قال سيد الاحرار الحسين أبن علي مخاطبا الاحرار من بني البشر بعد أن قتل كل أصحابه وأهل بيته (هل من ناصر ينصرني؟ ) . وقال جيفارا (إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجه إلى كل مظلوم في هذه الدنيا فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني) .

من برأيكم سيستجيب لنداء الحسين أبن علي وينصره هل هو ذلك الشيخ الذي يحرص كثيرا على وصول السلاطين للسلطة بأسم حماية المذهب أم جيفارا ؟؟؟
قال الحسين أبن علي مرتجزا ( الموت أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النـار) وقال مخاطبا عمر أبن سعد (فهل إلاّ الموت ؟ فمرحباً به) وقال ايضا (موت في عز خير من حياة في ذل)

يقول جيفارا (من شدة حبي سأموت، إن يوما سأموت لا حزنا أو حسرة لكن من شدة حبي !! من شدة حبي لك يا وطني المحتل)

من ينتمي الى فلسفة الحسين أبن علي هل هو ذلك الشيخ الذي قال بجواز التزوير في الانتخابات لنصرة للمذهب أم جيفارا ؟؟؟

في حوار تلفزيوني مع أحد السياسيين وكان الحوار يدور حول بيان للمرجعية يخص الانتخابات وكان البيان يحوي جملة تقول ( انتخبوا الاصلح لدينكم ودنياكم) فقال هذا السياسي ( المرجعية تقصد الاسلاميين بكل تأكد فمن هو الاصلح للدين هل يعقل أن يكون العلماني ؟؟؟ طبعا لا ) هو يتجاهل طبعا بداية البيان التي تبين بكل وضوح عدم دعم المرجعية لأي جهة . ويحاول بكل وقاحة الضحك على الناس .

من أقرب الى فكر الحسين هل هو هذا السياسي الذي يلبس السواد على الحسين في محرم ويتاجر بأسمه في موسم الانتخابات ؟؟؟ أم جيفارا الذي ترك منصب وزير وذهب الى زائير لمناصرة المستضعفين ؟؟؟

من جاء الحسين لنصرتهم والوقوف معهم لم ينصروه وخذلوه بعد أن كانوا قد ارسلوا له رسائل يدعونه فيها للقدوم . يقول جيفارا (ما يؤلم الإنسان هو أن يموت على يد من يقاتل من أجلهم) من يعيش معاناة الحسين أكثر هل هو هذا المعمم الذي يرتقي المنبر الحسيني ويسرد واقعة كربلاء عن ظهر قلب ثم في النهاية ينزعج ويخرج بوجه مكفهر حين يجد أن الاجور التي اعطوه اياها أقل من التسعيرة . أم جيفارا الذي لا يعرف شيء عن واقعة كربلاء ؟؟؟

في يوم عاشوراء وحين طلب جيش الكوفة من الحسين أن يستسلم أجابهم (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) فقاتلهم ومعه اصحابه وأهل بيته فقتلوا جميعا وكان الحسين اخر من قتل . كان عدد الجنود في جيش يزيد لا يقل عن 30000 مقاتل وعدد الجنود في جيش الحسين لا يزيد عن 150 مقاتل من صحبه واهل بيته مجتمعين .

توجه جيفارا الى بوليفيا لمساندة الثورة هناك لكن النتائج لم تكن كما يتوقع وتمت مهاجمته من قبل الجيش البوليفي هو وجماعته الذين يبلغ عددهم 16 مقاتل بقوة عددها 1500 مقاتل . استمرت المواجهة ساعات طويلة فقتل جميع رفاق جيفارا وبقي يقاتل وحده وبعد قتال طويل تم أسره ثم أعدامه .
من أستلهم من موقف الحسين المبدئي اكثر هل هو ذلك المعمم المنشغل بسلب ارادة الناس والتدخل في خياراتهم الشخصية أم جيفارا الذي واجه قوة قوامها 1500 مقاتل ب16 مقاتل فقط دفاعا عن المبدأ؟؟؟

حين كان الأمام علي أبن أبي طالب خليفة كان يجلس في محل صاحبه ميثم التمار ويبيع للناس أثناء عدم وجوده . شاهدت قبل فترة صورة لجيفارا حين كان وزيرا وهو يساعد بعض الحمالين من خلال دفعه لعربة لتحميل البضائع . من ينتمي لمدرسة علي ابن أبي طالب أكثر هل هو عضو مجلس النواب المعمم الذي ينظر الى الناس بأحتقار وأنفة ويعاملهم ببرجوازية أم جيفارا ؟؟؟

لو كان جيفارا موجود في زمن الحسين أجزم أنه لن يتردد في نصرته والوقوف معه والاستشهاد بين يديه ولو كان هذا المعمم الذي قال ( من لا ينتخب القائمة الفلانية فليحضر جوابا يوم القيامة) موجود في زمن الحسين اجزم أنه سيقول ( من لا يبايع يزيد فليحضر جوابا يوم القيامة ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فهد منا ال البيت
وليد يوسف عطو ( 2012 / 3 / 31 - 15:19 )
الاستاذ حسنين السراج المحترم اوافقك الراي واقول كما قال الدكتور الكحلاوي فهد منا اهل البيت . لك مني خالص مودتي .


2 - تشرفت بمشاركتك أستاذ وليد
حسنين السراج ( 2012 / 3 / 31 - 20:46 )
ممتن جدا أستاذ وليد على مشاركتك القيمة وتواجدك مع خالص التقدير وكل الامتنان


3 - رائع كالعادة
حكيم فارس ( 2012 / 4 / 1 - 17:38 )
عزيزي الاخ استاذ حسنين السراج رائع كالعادة في الطرح والتحليل المتكامل وحقيقة ان استغلال الدين لاغراض انتخابية اهم مشكلة نواجهها في عالمنا العربي ولم تقتصر على شيخكم المعمم بل على عدد لا بأس فيه من الشيوخ المعممين بمختلف الالوان فلقد استعملوا كل الاساليب التي ذكرتها بمقالك وبنفس المنطلق والهدف وقفوا على حسب معلوماتي امام المراكز الانتخابية في مصر وتونس وقبل ذلك في غزة وكذلك في الجزائر يقولون للناس انتخب الجماعة وان الله سوف يسألك عن صوتك يوم القيامة لا ادري ماهي علاقة الله بالانتخابات وهل هؤلاء المنتخبين قادمين لادارة شؤون الدنيا ام شؤون الاخرة فعلا لا بد من منع استغلال الدين لقضايا انتخابية ومحاسبة المتجاوزين ولك مني تحية طيبة


4 - الى الاخ حكيم فارس
حسنين السراج ( 2012 / 4 / 5 - 14:35 )
اعتذر اخي الكرم على التأخر في الرد على مشاركتك وممتن جدا على أطرائك ... أتفق معك اخي الكريم بالفعل ليس لله علاقة بالانتخابات لكن البعض قرروا أن ينصبوا أنفسهم ناطقين رسميين بأسمه مع خالص التقدير


5 - روعه
البرق ( 2012 / 4 / 14 - 22:07 )
السلام على اخي العزيز والكاتب الرائع حسنين
ان خصوبة العقول ونضجها هي المعيار في الاختلاف بين البشر ..ومشكلة هذه المجموعه من الناس انهم حكمو على الناس بان لا عقول لهم وحكمو على انفسهم برجاحة العقل..وتناسو ان من مكنهم من الوصول الى هذه المرحله هو نفسه من يستطيع ان يردهم الى ما كانو عليه..وانا اجزم لو ان احدا من الذين يتخذون الدين رداءا قراء هذا المقال لحول معنها الى العكس تماما لقال اتتخذون من الكفار قدوة لكم اي جيفارا..متناسيا دورهو الرائع في التاريخ وروحه الانسانيه ويتناسا ذكرك للحسين سلام الله عليه..فهنا المسؤليه تكمن علينا بابعاد هكذا عقول عن ديننا والتصدي لها ..وبصوره عامه ولكل المذاهب والاديان لو تخلصنا من هؤلاء لاصبحت الحياة جميله ومشرقه ..وفي الختام تقبل مني اخي حسنين كل الاجلال والاحترام لطرحك الرائع ..وان شاء الله من رائع الى اروع