الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الذكرى المئوية الأولى لمعاهدة الحماية الفرنسية على المغرب (1912 2012) دروس من أجل التاريخ...!

أحمد الخطابي

2012 / 4 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تقديم:
كثيرة هي المناسبات والأعياد التي يتم الاحتفال بها دون أن تعني للمغاربة أية قيمة تاريخية أو سياسية أو حتى ثقافية بمعناها الواسع، لكن بالمقابل هناك أحداث ومحطات تاريخية يتم تجاهلها حتى لا نقول نسيانها، فقبل أيام مرت ذكرى انتفاضة 23 مارس التاريخية التي كانت سببا في الكثير من التحولات التي عرفها المغرب الحديث ومنها إعلانه بعد هذه الأحداث بقليل "حالة الاستثناء"، والمُلفت في هذا الإطار هو أن الكثير من المغاربة يجهل جهلا تاما معاناة أجيال ومناطق من تداعيات ذلك (حالة الاستثناء) على التاريخ المغربي المعاصر. السؤال الذي يطرح نفسه علينا هنا، إلى متى سنظل نتنكر لتاريخنا المثقل بالنضالات والمآسي؟ ألا يمكن للاعتراف به أن يعطينا نقلة نحو غد مشرق بالآمال؟ أليست المعرفة العلمية التاريخية هي المدخل الأساس نحو استشراف المستقبل؟ ألا يصنع التاريخ المستقبلي عبر الوعي به أولا والمتجلي في فهم التاريخ الماضي؟
1. في مفهوم التاريخ:

يُعرّف H. Marrou في كتابه « De la connaissance historique » التاريخ كالتالي: "التاريخ هو المعرفة العلمية المكونة عن الماضي الإنساني". لا يعني مفهوم المعرفة هنا معنى واسع قد يقصد به الحكي أو السرد للأحداث، إنما يريد أن يجعل من المعرفة بالماضي خاصية علمية لها شروطها الإبستيمولوجية، ونحن لا نريد أن ندخل في نقاش إبيستيمولوجي أيضا حول شروط إنتاج المعرفة التاريخية، وإنما غايتنا هو التأكيد على أن المعرفة العلمية بالماضي الإنساني ممكنة، تهدف إلى محاولة كشف الدلالة الإنسانية للأحداث الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية...
تفيد هذه الدلالة الإنسانية أن الأفعال التي يقوم بها الأفراد ليست عشوائية أو تلقائية بدون قصد، بل على العكس من ذلك تماما، فالفعل الإنساني فعل واع وقصدي حامل لدلالة اجتماعية يتم إدراكها من خلال الدخول في علاقات اجتماعية، وما يحدد هذه العلاقات هو طابع التناقض، لأن الأفراد لا يختارون الدخول في هذه العلاقات بل هي تُفرض عليهم بشكل موضوعي في إطار علاقات الإنتاج المادي والرمزي.
إذا كان التاريخ بمعناه العلمي يفيد المعرفة، فهو يبتعد بذلك عن التقديس أو أية نظرة أسطورية للماضي الإنساني، لكن ما نلاحظه في التعاطي اليومي مع التاريخ هو الحضور القدسي الاحتفالي بالأحداث التاريخية عوض مساءلتها، أي مساءلة الشروط المنتجة لها. فالتاريخ يتحدد من خلال القدرة على بلورة الحقيقة وكشفها، في تعارض تام مع التمثلات والأوهام المغلوطة عن الماضي، أو الصور المُتخيّلة عنه.
يتداخل في بناء الحدث التاريخي،إذن، مكونات عديدة مرتبطة بالشروط المادية والرمزية للمجتمع، ما يجعل منه حدثا مركبا un événement complexe، يستدعي فهمه استحضار تلك الشروط في سياقاتها المختلفة، وذلك بإعادة بناء المعرفة حول الحدث، وليس إعادة تشكيل الحدث. وهنا تتجلى قيمة المعرفة التاريخية في هذا الغنى الذاتي، والانفتاح الفكري والروحي الذي يمنحنا إياه التاريخ عبر استنطاق الأحداث ومحاولة بذل مجهودات جبارة عوض استهلاك المقولات الجاهزة لأغراض إيديولوجية تخص مصلحة فئة ما تحتكر لوحدها الفهم الأحادي للتاريخ كما تراه هي وليس كما كان فعلا.
الحدث التاريخي، كما يصوره روسو في كتابه Emile ou de l’éducation، هو بمثابة لوحة تشكيلية تتداخل فيها الألوان، على المتأمل فيها أن يميز بين تلك الأوان حتى يستطيع أن يفهم دلالاتها. معنى هذا أن بناء الحدث التاريخي يتداخل فيه الذاتي بالموضوعي ولا يجب أن يكون تفسيرنا له متسرعا أو منظورا إليه من زاوية نظر واحدة ووحيدة هي تلك التي تقدمها لنا المقررات الدراسية الرسمية. وكأن التاريخ يسير في مسار خطي كل حدث ينضاف لحدث آخر جديد يكمله ويُتممه H=p+P (التاريخ= الماضي+الحاضر)، الأمر ليس بهذه البساطة. فالأحداث التاريخية يحركها منطق عقلي موضوعي ـ إذا أردنا أن نوظف لغة هيغل ـ يتحتم علينا فهمه وكشفه، المتجلي في أنه حركية موضوعية نحو تحقق الروح المطلق المتجلي في الحرية. نفس هذه الحركية الموضوعية نجدها في التصور الماركسي للتاريخ باعتباره نتاج تناقض تطور قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، مما يجعل من حركية التاريخ حركية جدلية في اتجاه التحرر، وهنا يلتقي التصور الهيجيلي مع التصور الماركسي لحركية التاريخ في بعده الغائي H=p/P. إذا قلنا أن المعرفة التاريخية ممكنة في شروط معينة، فالسؤال هو، في ماذا تفيدنا المعرفة التاريخية؟ ألا تشكل هذه المعرفة مدخلا لفهم المنطق الذي يتحرك به التاريخ؟ أليست هذه المعرفة هي التي تخلصنا من النظرة الأسطورية القدسية للتاريخ؟
2. معاهدة الحماية وبداية كتابة التاريخ المغربي المعاصر:


ما أثارني بشكل شخصي في كتابة هذه الورقة هو القفز على تاريخ توقيع معاهدة الحماية (30مارس) وكأنه حدث عابر لا يحمل أي قيمة تاريخية مقارنة مثلا بحدث آخر مرافق كالمطالبة بالاستقلال أو حتى حدث الاستقلال. لكن يبدو لي أن استحضار هذا الحدث أهم بكثير من الناحية التاريخية من حدث الاستقلال ذاته، وليس كما يمكن أن يفهم البعض تقليل من أهمية حدث الاستقلال، بل إن حدث الاستقلال ما كان أن يكون لو لم يكن حدث الحماية.
لهذا نقول إن التاريخ شيء ومعرفة التاريخ شيء آخر، التاريخ كما قلنا أحداث ومعرفة التاريخ هي فهم الدلالة الإنسانية لتلك الأحداث بكشف منطقها. هذا يسمح لنا بالقول إن معاهدة الحماية كحدث شيء، وفهم الدلالة التاريخية للمعاهدة شيء آخر، وحينما نقول فهم الدلالة فنحن نقصد التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للحدث حتى نزيل اللبس للقارئ ونبتعد قليلا عن التجريد. وهذا هو المقصود بكشف منطق التاريخ في حالة معاهدة الحماية.
لا يمكننا أن نفهم لماذا اندلعت المقاومة المسلحة في كل المناطق المغربية إلا بعد التوقيع على المعاهدة، ليس فقط فيما كان يسمى "بلاد السيبة" (القبائل المعارضة للسلطة المركزية)، وإنما أيضا كانت المقاومة أيضا قد اندلعت حتى في المدن الكبرى، وإن بشكل محتشم. هذا يعطينا تفسيرا أوليا أن المقاومة كظاهرة تاريخية ارتبطت سببيا بالمعاهدة، هذه تستدعي تلك، وإلا لماذا نجد شخصيات تاريخية ك"موحا أوحمو الزياني" و "عبد الكريم الخطابي" حتى لا نذكر أكثر. فالمقاومة لم تكن فقط ضد الاستعمار، وهذا ما يتم تجاهله، بل أيضا ضد الشروط السياسية المنتجة للمعاهدة والمتجلية في النظام السياسي الذي سمح بتوقيعها.
يتضح هذا جليا من خلال المادة الثالثة من بنود المعاهدة إذ تقول ما يلي:
"تتعهد حكومة الجمهورية الفرنسية بمساندة صاحب الجلالة الشريفة ضد كل خطر
يمس شخصه الشريف أو عرشه أو ما يعرض أمن بلاده للخطر. المساندة تشمل أيضا
ولي عهده وسلالته."
لم يكن يهم السلطان عبد الحفيط حينها إلا الحفاظ على مصالحه الشخصية، والمتجلية في حمايته، وأعتقد من هنا جاءت التسمية (معاهدة الحماية)، بحيث لا أعتقد أن المعاهدة كان الهدف منها حماية ما يمكن أن يعرض أمن البلاد للخطر، إن لم يكن الخطر ذاته هو الاستعمار، وقد شددت المعاهدة على هذا الجانب الذاتي المصلحي المرتبط بشخص الملك المتجلي في الربط بين مصلحة الحكومة الفرنسية ومصلحة السلطان الشخصية، هذا ما تؤكد عليه المادة الثانية من المعاهدة:
يعترف صاحب الجلالة السلطان من الآن (المقصود تاريخ توقيع المعاهدة) للحكومة الفرنسية بعد
مشاورتها للسلطات المخزنية الحق بانتشار قواتها العسكرية على التراب
المغربي كما تعتبرها مهمة للحفاظ على أمن وسلامة المبادلات التجارية
وتدبير الشؤون الأمنية على البر وفي المياه المغربية.
لا نريد أن نحمل هذه المادة أكثر مما تفصح عنه، فهي تعتبر أن مهمة الجيوش الفرنسية وحكومتها تتحدد في حماية المبادلات التجارية التي تعتبر أهم مداخيل خزينة الدولة المغربية في تلك الفترة، إن على صعيد المبادلات الداخلية (وظفت المعاهدة صيغة "على البر") أو على صعيد المبادلات الخارجية (في المياه المغربية).
وبالرغم من أن معظم المغاربة كانوا أميين في تلك الفترة، لم يعرفوا عن قرب بنود المعاهدة، إلا أن تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تجلت سريعا دون الحاجة للاضطلاع على البنود كاملة أو حتى فهمها. كما أن الرد عليها كان سريعا أيضا من خلال تنظيم صفوف جيوش المقاومة في كل المناطق والتواصل فيما بينها بعيدا كل البعد عن القصر وعن دار المخزن، وهنا لا بد أن نطرح سؤالا تاريخيا: أين كان القصر بين سنتي 1912 و1945 تاريخ انتهاء الحرب العالمية حيث ستتصاعد حدة وشراسة المقاومة المسلحة؟ ألا يخبرنا التاريخ الرسمي أن القصر لم يتحرك إلا بعد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال لأنه وجد نفسه وحيدا وأصبح العرش مهددا؟
لا يتم تخليد تاريخ معاهدة الحماية حتى لا يتذكر المغاربة كم من المآسي وحجم المعاناة وآلاف السنوات من السجون والمعتقلات وعدد الشهداء...، كان ضحية هذه المعاهدة المشؤومة. لكن في الوقت ذاته لا يجب أن ننظر إلى معاهدة الحماية فقط هذه النظرة، ولكن يجب أن تعطينا درسا في التاريخ الوطني مفاده أن أية معاهدة يجب أن يدخل فيما مغرب ما بعد الاستقلال السياسي يجب أن نتمعن في نتائجها المستقبلية حتى لا نرهن مجموع الشعب المغربي، وحتى لا نكرر معاناة هذا الشعب، وإذا خالفنا القوانين الموضوعية لحركية التاريخ فإننا سننتج المأساة على حد قول هيجل. فالتاريخ ينتج ذاته تراجيديا إذا لم يتم الوعي بحركيته الموضوعية، وهذا ما ينطبق في جزء منه على ما يعرفه التاريخ المغربي المعاصر، فكم من المعاهدات لا تعبر مطلقا عن مصلحة الشعب المغربي ولا يتم الرجوع إليهم في المصادقة عليها، إننا بهذا نعيد إنتاج مأساة هذا الشعب وتأبيدها.
يجب أن نعتبر ذكرى توقيع معاهدة الحماية ذكرى لحماية الشعب من المأساة، ويتم محاسبة الذين ينتجون هذه المأساة، وليس مكافأتهم كما حصل مثلا مع عباس الفاسي الذي شرد الآلاف حيث تمت مكافأته على ذلك بتعيينه من طرف رئيس الدولة وزيرا أولا. كيف يتم في كل مرة تجاهل إرادة الشعب وفرض إرادة الفرد؟ ألهذا الحد نريد أن نحول الأفراد إلى مرضى الزهايمر؟
كثيرة هي المعاهدات التي يتم التوقيع عليها وترهن الشعب لعقود دون أن نكلف أنفسنا طرح سؤال المستقبل باستحضار الماضي، فالانتكاسات التي يعرفها التاريخ المغربي المعاصر ليست إلا امتدادا وتجليا للماضي لأننا لم نكلف أنفسنا دراسة هذا الماضي، نحن نعي كامل الوعي الدوافع السياسية والايديولوجية للنظام المغربي بتهريبه للأسئلة المقلقة والمحرجة التي ترتبط بالمصير والحقوق، واستبدالها بطقوس البلادة.
إن التاريخ المغربي المعاصر هو تاريخ نضالات الشعب المغربي ضد المعاهدات المعلنة والسرية بشكل يومي، المتجلية في الاستيقاظ المبكر للفلاح والعامل نحو العذاب قبل الآخرين على حد قول شاعرنا السوري محمد الماغوط. إن هذا الشعب كباقي الشعوب لديه ذاكرة قوية، رغم جهله بقوانين التاريخ، وهي مزيج من المعاناة والأمل وبينهما خط رفيع من النضال المتجلي في لحظاته التي لا ينساها بدءا من 23مارس1965 وصولا إلى 20فبراير 2011 مرورا بمحطات يونيو81 وديسمبر 90... وغيرها الكثير الذي يتغنى بها الشعب المغربي بفخر كبير، ويعلم هذا التاريخ غير الرسمي لأبنائه كما يعلم لغته الأم.

باحث في العلوم الاجتماعية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Une bonne direction
Tarik ( 2012 / 4 / 1 - 21:39 )
Toujours se sont les forces étrangères qui prennent en charge la défense dun régime cloaque contre les trais fondamentaux de lespérance dun peuple à la dignité et à sa forme dêtre digne dans son espace . Les protectorats sont les évidences parmi lesquelles le colonialisme prend corps dans le territoire occupé par la tyrannie magzhénienne et aussi par la France et lEspagne dans le Maroc . Cest ainsi on se rappellera pour toujours les crimes mortels commis contre le Maroc non pas seulement par le Magzhèn , mais aussi par la France et lEspagne .

اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة