الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فردانية إنسانية

افيندار جانو

2012 / 4 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في كينونتنا البيولوجية نتميز عن بعضنا البعض, فقد أكد الباحثون استحالة تطابق خلايا إنسان و إنسان أخر رغم إنها تبدو متماثلة, نفس الأمر في سُبل التفكير والبناء الفكري والبحث عن المعرفة وعملية التراكم المعرفي و تفاصيل الأهواء و طبيعة الميول و دوافع النزوع الإنساني, نتشارك في جزئيات و نتمايز في أخرى. بما في ذلك اختلاف رؤيتنا للوجود في جزئيات و تفاصيل عديدة. اختلاف كينونة إنسان عن إنسان يشمل اختلاف تفاصيل الرؤية. فمهما بدا على الإفراد التشابه في الأفكار و المشاعر فثمة حقيقة جلية علمية و كذلك أطروحة فلسفية هي إن الإنسان في طبيعته يختلف عن الآخرين, كل فرد هو كائن مستقل و متفرد و ينبغي أن يكون حراً تُحترَم خياراته (الفردانية).

رغم كل المظاهر الاجتماعية السلبية التي رُبطت بالفردانية فهي مفهوم إنساني و إعلان ضد التسلط و الإكراه و رمز لأنصار الإنسان ضد العوائق و التحديات التي تواجه صيرورته الحياتية. وهي المبدأ الذي يؤكد حق الإنسان في ان يمتلك نفسه, ويصوغ وجوده و نمط حياته و رؤيته للعالم بإرادته و رغبته, (وذلك في حالة من التناغم مع المسؤوليات الإنسانية اتجاه المجتمع و العالم برمته) وهذه هي الإضافة الإنسانية لمفهوم الفدرانية فقد جاء إعلان "أنا إنساني" 1973 في فقرته عن الفردانية مؤكداً على المسؤولية الاجتماعية بالقول: " نحن نؤمن بأقصى استقلالية للفرد بتناغم مع المسئولية الاجتماعية" اعتقد أن هذا الفهم لمفهوم الفردانية هو ما يرفض الأنوية التي لطالما رُبطت بالفردانية من منطلقات عديدة دينية و سياسية و فكرية و مصلحية.

الإنسان في عالم الفردانية
التفرد لا يعني الأنوية او النرجسية إنما هو بمعنى التميز وقد يؤدي إلى التألق. تميز الفرد و خصوصية سماته تشكل بنهاية المطاف منطلقاً لعملية ازدهار الجماعة ككل. فالمجتمع يتألف من إفراد, و تنوع الأفراد في أفكارهم ومواهبهم ومهنهم وقدراتهم ورغباتهم وأهواءهم, تمنح المجتمع حيوية و تدخله في عملية معقدة متغيرة تدفعه إلى التقدم. وفي سياق تاريخي يتضح لنا أنه لم يكن في المجتمعات اللامدنية للفرد شخصيته التي تميزه نتيجة ضوابط حرّمة على الإفراد التمايز, بالتالي منعت الفكر الإنساني و المجتمع من التطور, و لم تمنح إفراد المجتمع قيمة الحضور واكتشاف أو إبداع المغزى من الوجود, بالتالي حياة سعيدة متقدمة. ليس للفرد في المجتمع النمطي قيمة, بسبب إنه مُكره في حياته و خيارته دون حرية و كرامة, وهو ما يفرغ الحياة من ضرورات الاستمرار, بالتالي نصل إلى إنسان لا مغزى لوجوده. فهل من مغزى لحياة العبد؟
الإنسان إذا صاغ هو وجوده و ابتدع نمط حياته, فهو يجد في الوجود الكثير من الحرية الشخصية و بالتالي العديد من الأفكار الفلسفية و الإحداث الحياتية المبررة للوجود, بما يساعد الإنسان على التغلب على مشقات الحياة و الانغماس في إشراقاتها. بحيث يصل إلى ذاته السعيدة وهي غاية في الحياة .
الفردانية بالصيغة الإنسانية تطفي على حضور الفرد القيمة, فطالما للفرد القدرة العقلية على تميز المفاهيم والأفعال, فإنه بالتالي يتحمل مسئولية خيارته, وهو مَن يحدد و يختار في هذه الحياة, فأن كانت خيارات الإفراد ليست بإرادتهم فهل لحضورهم في المجتمع قيمة؟ أو إنه مجرد (جزء من كم لا متغير) كما هو الفرد في المجتمعات الشمولية؟
و الثمرة من همة الإنسان في الحياة, فالإنسان إذ رنا و كافح لشيء ما بإرادته الحرّة غير مُكره و كان ما يرنو إليه ذا ثمرة تعود بالمنفعة عليه او على الجميع عندها أيضاً يكتشف قيمة همته في الحياة, و هذه أمور نسبية بالطبع, لكنها تبقى جوهرية في الفردانية.

من الضروري مناقشة نقطة جوهرية في "الفردانية الإنسانية" وهي تناغم الفردانية والمسئولية الاجتماعية. أبرز السلبيات الاجتماعية التي رُبطت بالفردانية هي حالات و الأنوية و اللامبالاة. وعليه أتساءل:
إن كانت الفردانية تعني حق الإنسان في امتلاك نفسه و صوغ وجوده كما أشرت آنفاً, فما علاقة ذلك بالانوية, هل حرية الإنسان في تعارض مع التعاون في الحياة ؟
لا ينبغي أن تكون القرارات التي يتخذها الإنسان فردية طالما تؤثر بشكل مباشر على الجميع أو المحيط, و تكون ذات أثر سيء, أما القرارات المتعلقة بالفرد, بذات الإنسان بطبيعة حياته فهي شؤون تخص الفرد و لا تخص غيره, و ينبغي البيان هنا: عندما لا تكون قرارات الإنسان هدامة لحياة غيره فمن حقه أن يتخذ الخيار الراغب به, لكن إذ كانت تؤثر بشكل مباشر على غيره فلابد من سُبل عقلانية لتسوية الإشكال, بما يجعل الإنسان ملتزماً بمسئوليته الاجتماعية بتناغم مع حياته الفردانية, غير إنه لا ينبغي أيضاً أن تكون المسئوليات الاجتماعية هدامة لحياة الفرد, أو غير عقلانية. إنما كمسئولية رعاية إلام العجوز فهي مسئولية إنسانية تقع على عاتق الفرد كون هذه الأم هي من كانت في يوم من الأيام راعية لهذا الفرد, و موت العجائز وحيدين في أوربا من ابرز الاتهامات الموجهة للفردانية دون الإلمام الكافي بمختلف جوانب هذا المفهوم.

آلاف من القصص, تحكي حالة أناس يموتون في منازلهم وحيدين دون أن يبالي بهم احد, و أخرى تتحدث عن جيران يعشون سنين طويلة جنباً إلى جنب دون أن يلقوا السلام على بعضهم البعض, و البعض ماتوا جوعاً في شوارع نيويورك و لندن و باريس و لم يبالي بهم الناس, هذه السلبيات الاجتماعية المحزنة, رُبطت بالفردانية أو على الأقل و تماشياً مع الانتقادات الكثيرة هي الشكل المظلم من الفردانية, لكن الحداثة برمتها انطلقت سعياً لتأمين حياة سعيدة للإنسان و ليس حياة بائسة يستغل فيها الإنسان أخيه الإنسان و يموت آخرون دون مبالاة من احد, و حقاً أن المخرج من هذه الأوضاع ليس بالعودة إلى الأشكال القديمة, أو أخيار النظم الشمولية, إنما يقتضي البحث عن المسببات لهذه الأوضاع التي يعشها الإفراد في المدينة المعاصرة و مراجعة النظم الاقتصادية بحيث لا تجعل الإنسان وحشاً لا يأبه لمعيشة أخاه الإنسان أو عالة يعيش على حساب أخيه الإنسان, كذلك بتناول قيم إنسانية تحاول ملئ الفراغ الأخلاقي دون أن تردنا إلى الأخلاقيات الرجعية و الاستبدادية و الوهمية العائقة للتقدم و المعارضة للحياة الإنسانية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد مصرع رئيسي.. هذه تحديات كبرى تواجه إيران ! | الأخبار


.. سر من أسرار محمود وبيسان.. كيف تطورت علاقتهم؟ ????




.. انتخابات مبكرة وإدارة انتقال مضطرب.. امتحان عسير ينتظر إيران


.. جنوب لبنان.. حزب الله ينعى 4 من عناصره ويهاجم مواقع إسرائيلي




.. إعصار الجنائية الدولية يعصف في إسرائيل | #التاسعة